"حرية" تلك هى الكلمة الثانية بعد "عيش" التى علت أصوات الملايين تنادى بها، ولا ينكر أحد أن الدولة فى العهد السابق وخصوصا أواخره أمست دولة بوليسية بمعنى الكلمة، بمعنى أن المواطن كان يشعر وكأن أنفاسه تعد عليه، ومما أكد هذا الشعور بالقهر والكبت هو الاجتياح الشعبى الذى حدث إبان الثورة لمقار أمن الدولة، ولذلك كان الناس يريدون تنفس الصعداء والشعور بعدم المراقبة وقتل الإحساس بالخوف من أن تمتهن كرامتهم فى أى وقت، ولأى سبب، فالتحرر من التخوف من المطالبة بحقوقهم، وهزيمة الذين يتلذذون بالاستعلاء على الشعب، من هذا المنظور فإن هذا الهدف قد تحقق مباشرة فى نفوس الناس، وعلى أرض الواقع فى ظنى عندما خرج الشعب المصرى كله تقريبا فى الشوارع بفرحة لا إرادية غامرة عارمة لحظة التنحى. ولكن كما عطل الانقسام السياسى الحاد حركة الهدف الأول كما أسلفت فى المقال السابق فقد شوه تماما هذا الهدف بل ذهب به إلى أبعد من ذلك فقد وصل الأمر إلى عدم الاتفاق على مفهوم وحدود الحرية. فقد ذهب البعض بسبب الخصومة السياسية بأنه تعدى كل أصول الذوق والأدب فى الخطاب تحت اسم الحرية، وتحت شعار الحرية تقوم مظاهرات بشعارات تتنافى مع أبسط القيم الأخلاقية المصرية الأصيلة وتتلفظ بألفاظ لم يكن ليتصور أنها من ثوار أحرار، فتلك الألفاظ البذيئة والشعارات الوضيعة لاتخرج إلا من أناس مازالوا يعيشون دور العبيد، ولم يشعروا بلذة الحرية التى وهبتها الثورة للشعب. إن الحرية تعلى بالقيم والأخلاق، وتزيد الشعور بالثقة فى النفس والعزة والكرامة فيصبح الحر أكثر سماحة وأوفر أخلاقا وأجم أدبا. إننى أدعوا كل المصريين وفى أجواء الذكرى الثانية لثورة يناير2011 الرائعة بأن نعود إلى قيمنا وأخلاقنا الأصيلة فى الحوار والخطاب بين بعضنا البعض مهما كانت الخصومة السياسية، وأن يكون خلق الاحترام المتبادل بيننا هو سمتنا مهما اختلفت أرائنا. والأصل أن نتفق على آلية واضحة ملزمة للجميع للحفاظ على هبة الثورة للمصريين وهى الحرية، وأن تضمن هذه الآلية ألا تعود أبدا إلى المشهد فى عهد أى فريق عند توليه السلطة مظاهر الدولة القمعية كما كان فى السابق. والأصل أن نتفق على أن تستمر هذه الروح الجديدة التى أثمرها الشعور بالحرية فى قلوب المصريين بألا يشعروا مرة ثانية بالخوف أو يتقبلوا الذل والإهانة. الأصل أن نجعل الأجيال الجديدة تعيش فى أجواء من الحرية بإطار من الأخلاق والقيم المصرية التى دوما كانت سمة الحضارة المصرية بمختلف عصورها، ويجعلهم يفجرون طاقات الإبداع داخلهم فى مختلف المجالات لتعود لمصر ريادتها. لماذا لا نستغل فرصة الذكرى الثانية للثورة وتكون هناك مليونية شعارها قبول الآخر وأدب الحوار والاحترام المتبادل والعمل الجماعى المتجرد، من أجل رفعة مصر واستقرار مستقبل الأجيال، مليون لا وألف لا للكراهية والحقد بين المصريين، ونعم وألف نعم للحوار الجاد المهذب والمتكافئ الموضوعى للوصول إلى أفضل الصيغ للنهوض بالبلاد، وتحسين أحوال العباد، متجردين من التعصب للذات إلى إعلاء مصلحة البلاد، والعمل مخلصين فقط للوطن متقربين بذلك إلى رب العباد.