كان تلقى خبر إصابة الحسينى أبوضيف بطلق خرطوش فى رأسه، وتعدد إصاباته ما بين تهتك فى الفص الأيمن بالمخ وكسر بقاع الجمجمة ونزيف بالمخ وكسر بالفقرة الأولى بالعنق صدمة أصابتنى بالذهول، كان زميلى الأستاذ علاء العطار يخاطبنى عبر الهاتف، وهو مختنق بالبكاء. لكن الصدمة تكتمل فيما قاله الأطباء من أن إطلاق النيران على أبوضيف كان على مسافة مترين فقط. وكانت مصوبة للرأس وبشهادة من كانوا معه فى تلك اللحظة أن سقوط أبوضيف على الأرض استتبعه انتزاع للكاميرا، والحقيبة الخاصة بمتعلقاته الشخصية. كانت محاولة اغتيال أبوضيف تأتى لأنه كان الأكثر نشاطاً بين المصورين الذين يلتقطون صوراً لعمليات الاعتداء الوحشية التى تنفذها المليشيات التى جاءت تلبية لنداء ناس فقدوا القدرة على قبول احتجاجات سلمية ضد دكتاتورية السلطة. لكن من هو الحسينى أبوضيف؟ هو صحفى شاب جاء من أقصى الجنوب من سوهاج يحمل فى قلبه حباً كبيراً لهذا الوطن كان من أكثر الصحفيين المهتمين بتوثيق الاعتداءات التى تمت ضد الثوار خلال ثورة يناير 2011. تعرفت عليه أثناء واقعة اعتقال الزميلة شيماء عادل فى السودان من جانب المخابرات السودانية أثناء تأدية عملها فى رصد الاحتجاجات ضد النظام السودانى. كان الحسينى يفترش رصيف السفارة السودانية معتصما، وكان يردد خلفه المعتصمون والمتظاهرون الهتافات، كان موقفه الضاغط من الأسباب التى كانت وراء الإفراج عن شيماء، وكانت المفاجأة أنه لم يكن يعرف شيماء، ولكن نبل وجدعنة الحسينى هما الدافع لموقفه، والذى كان يتكرر لصالح كل الزملاء.. كلما كانت هناك أزمة لزميل أو للمهنة كان الحسينى أبوضيف هو القاسم المشترك يذهب الجميع، ويبقى هو بابتسامته العريضة الودودة، وبصوته الجهورى عند الحاجة هاتفا ضد الظلم والطغيان، وبالتالى كان أبوضيف مستهدفا من جانب أعداء الحرية ممن يريدون أن تتحول مصر إلى نفق مظلم يلبى رغبات عقولهم المظلمة، وقلوبهم التى لا تتسع إلا للحقد والدم، وتحطيم كل شىء جميل فى حياتنا. إن إطلاق الرصاص على رأس أبوضيف، وعلى قلوب وعيون المتظاهرين، والذى لم يتم إلا بعدما تم الاحتشاد من جانب مليشيات تحاول الدولة الآن أن تعطيها صفة الرسمية يدل على أنها مليشيات مسلحة مدربة، جاءت لتقول نحن أو مصر نحن أو الدماء. وهو ما كان من سفك دماء سالت وأرواح بريئة تصعد إلى بارئها بلا ذنب أو جريرة إلا لكونها تعشق الحرية وترفض الظلم. ألم يقرأ هؤلاء القتلة قوله تعالى فى الآية 32 من سورة المائدة "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً" وقوله تعالى "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما". وقول النبى صلى الله عليه وسلم فى جموع المسلمين فى خطبته فى حجة الوداع: "إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا". ألم تمر كل تلك الآيات والأحاديث الشريفة على من يريدون لمصر أن تتحول إلى بركة دماء؟ إننى كمواطن أرى أن الرئيس محمد مرسى هو المسئول الأول عن كل تلك الجرائم التى ترتكب، وكل الدماء التى تهدر على أعتاب قصر الاتحادية، وأنها فى عنقه إلى يوم الدين، وأن صمته على استعراض التنظيم الذى يتبعه ما هو إلا بداية النهاية لحكم بدأ من حيث انتهى سلفه، والذى أذيل ملكه بين ليلة وضحاها، وما كان يزال لولا ظلم البشر والدماء التى سالت على يديه. ولا نملك إلا أن نقول "حسبنا الله ونعم الوكيل".