مازالت الحيرة تضرب رؤوس الليبيين، فهل تحرروا بالفعل من نظام العقيد المقتول معمر القذافى بالكامل، أم أن التحرر كان منقوصا، وسبب هذه الحيرة العملية العسكرية التى يقوم بها الجيش الليبى فى مدينة بنى وليد، والتى وصفها بعملية التحرير، لتنظيف المدينة من العناصر المنتمية للقذافى كما قال رئيس المؤتمر الوطنى محمد المقريف، «إن ليبيا لم تتحرر بالكامل». قبل عام، وتحديدا فى 20 أكتوبر 2011 بعد انتشار نبأ القبض على العقيد معمر القذافى وقتله، خرج الليبيون للشوارع وتغنوا بشعار «تحررنا وحررنا الوطن»، وبعدها بيومين التقط قادة ثورتهم الصور التذكارية، وهم يبتسمون للجماهير العريضة بساحة الكيش ببنغازى، ويشيرون لليبيين المتابعين لهم سواء فى الساحات أو عبر شاشات التليفزيون بعلامات النصر إلى أنهم حرروا ليبيا من قبضة القذافى، وانشغل القادة الليبيون فى الاحتفالات وتناسوا استكمال معركة التحرير. وكانت المفاجأة أنه خلال عام لم تهدأ ليبيا من الاقتتال القبلى فى مدن الجنوب والغرب، وطالت أعمال العنف مدن الشرق التى كانت مهد الثورة الليبية على نظام القذافى، فمن مدينة «برقة» انطلقت مطالب الانفصال والفيدرالية، فى أول تهديد حقيقى لثورة الليبيين، حتى وإن كان مجرد تهديد وقتى، لكن طرحه جدد المخاوف من مخططات تقسيم ليبيا، ومن بعدها تسارعت وتيرة المواجهات بين القوى الثورية والقبائل فى مصراتة والعديد من المدن الليبية، ولم تكن صورة إعلان «برقة» إقليما مستقلا على يد زعماء قبائل وقادة الميليشيات شرق البلاد تزول من الذهنية العربية، حتى عبرت «سبها» جنوب ليبيا عن واقع جديد للربيع الليبى، حينما قتل عشرون شخصا فى أبريل الماضى إثر خلاف بين متمردين ومسلحين من قبيلة التبو الليبية. واشتدت المواجهات داخل ليبيا مع إجراء انتخابات المؤتمر الوطنى الليبى فى 6 يوليو الماضى، فمن الشرق الليبى خرجت أيضا الاعتراضات على قانون الانتخابات، وتوزيع المقاعد بين الأقاليم الليبية الثلاثة، ونتج عن هذه الاحتجاجات مقتل 10 ليبيين وإصابة العشرات ممن احتجوا على إجراء الانتخابات ودعوا لمقاطعتها، لكن مرت الانتخابات ولم تمنح أيا من القوائم الحزبية أغلبية تتيح له تشكيل الحكومة، ومع بدء التفاوض بين القوى المدنية والأحزاب الإسلامية تم الاتفاق على تكليف مصطفى أبو شاقور، المعارض الليبى السابق بتشكيل الحكومة، لكن سرعان ما انتهى هذا التكليف بعدما تعثرت مفاوضاته وفشل فى الحصول على موافقة المؤتمر الوطنى الليبى على تشكيلته الحكومية، فعهد إلى على زيدان، بتشكيل الحكومة الجديدة. ولكن أيا كان شكل الحكومة الليبية الجديدة التى ستبقى رهينة لنتائج المفاوضات بين تحالف القوى الوطنية الليبرالى الذى يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق محمود جبريل، وتيار الإسلاميين بقيادة حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية للإخوان المسلمين فى ليبيا، إلا أن ليبيا مازالت تواجه مأزقا غاية فى الصعوبة وهو كيف تتحول إلى دولة ديمقراطية تبتعد عن التعصب القبلى، وتطوى ماضى القذافى لتبدأ فى جنى ثمرات الثورة. بوادر هذا المأزق يراه عدد من السياسيين الليبيين واضحة فى توجهات البعض بدفع ليبيا نحو منزلق الحرب الأهلية، خاصة بعد خوض الجيش لمعركة تحرير بنى وليد، و نقلت قناة الجزيرة الفضائية عن سالم الأحمر، عضو المؤتمر الوطنى عن بنى وليد، قوله إن الأحداث الدموية الحالية محاولة لإيقاع ليبيا فى دوامة الحرب الأهلية، محملا المؤتمر الوطنى والحكومة مسؤولية قتل المدنيين فى مدينته، وقال إن ما يجرى «أجندة مخطط لها» نافيا وجود محسوبين على القذافى فى مدينة بنى وليد. ويشير الخبير الإستراتيجى الدكتور محمد مجاهد الزيات إلى أنه يتوقع عدم حدوث استقرار سياسى فى ليبيا لمدة عام على الأقل، مؤكدا وجود صراع قبلى بين القبائل المحسوبة على النظام السابق وصناع القرار فى النظام الليبى الجديد، كما يحذر الزيات من سيناريو تقسيم ليبيا لقطاعات كبيرة، بالرغم من عدم وجود أحداث كبيرة تدعم هذا السيناريو على أرض الواقع.