سعاد سيد أحمد، أو الحاجة سعاد، أكثر بائعى الخبز شهرة فى «باب اللوق».. تقف بنصبة خبز 10 ساعات يوميا تابعة لأشهر تاجر خبز بالمنطقة مقابل حصولها على راتب يومى قدره 15 جنيها، تبيع الرغيف الواحد بسعر يتراوح بين 25 و75 قرشا حسب الحجم. تقول سعاد: «صاحب الفرش يشترى الخبز بسعر قريب من المباع به، والمكسب غالبا يُدفع ل«البلدية» مقابل عدم إزالة الفرش وقطع أرزاقنا» وتضيف: «نقسم معهم اللى فيه النصيب لأن تهريب الدقيق المدعم رفع أسعار الخبز بكل الأفران وبالتالى زادت أسعار الخبز على جميع فرش الخبز». سعاد شاهدة على بيع الدقيق المدعم فى السوق السوداء وفى ذلك تقول: كنت أعمل فى مخبز ورفضت الاستمرار به لحرصى على عدم إطعام أولادى من مال حرام، بعدما رأيت أصحاب المخبز يفرغون محتويات شكائر الدقيق المدعم على الأرض، ويستخدمون نصفها فقط فى صناعة الخبز ثم يبيعون النصف الآخر فى السوق السوداء. أهالى المنطقة لايملكون إلا شراء الخبز من فرش سعاد أو ما يماثله فلا بديل أمامهم سوى الخبز مرفوع الدعم لإطعام أطفالهم، وفى ذلك يقول المواطن سيد المصيلحى: «500 جنيه تقريبا أدفعها ثمنا للخبز شهريا، خاصة أن معظم أفران الخبز المدعوم تنتج «عيش ردىء» يحوى غالبا حشرات أو مسامير أو بقايا قمامة، فضلا على أن هذا الخبز يختفى فى الغالب قبل أذان الظهر». ارتفاع أسعار الخبز أدى إلى غلاء الوجبات السريعة بالمطاعم خاصة التى تعتمد على الخبز البلدى، ويقول أحد أصحاب هذه المطاعم: جميع المخابز بالمنطقة تبيع الدقيق فى السوق السوداء، والفرن الوحيد الذى لا يحصل على الدقيق المدعوم يبيع الرغيف ب25 قرشا وحتى لا يخسر يرفع أسعار المأكولات. على ناصية هذا المطعم يوجد المخبر الوحيد «الطباقى» ورغم أنه تابع لوزارة التموين، فإن هانى عبد السلام أحد العاملين فيه، أكد ل«اليوم السابع» أن الوزارة لا تسلم المخبز حصته من الدقيق، ما يضطرهم إلى شراء الدقيق من السوق السوداء بسعر 90 جنيها للجوال بينما يحصل عليه بائعه من الحكومة ب10 جنيهات فقط، وبالتالى يبيعون الخبز بأسعار مرتفعة، لا تتناسب مع حجم الرغيف الصغير. وأضاف هانى: «الفرن يعمل به 20 عاملا على ورديتين كل منهم يحصل على يومية لا تقل عن 50 جنيها، وبعد دفع أجر الصنايعية وثمن الدقيق وإيجار المكان لا يتبقى لصاحب المخبز إلا القليل». ويتابع العامل: «أسعار الدقيق فى السوق السوداء ليست مستقرة، فالسعر الذى نشترى به أمس يتغير اليوم، وموظف التموين فى معاينته الدورية بدلا من التحدث معنا عن مشاكل المخبز واحتياجاته يأتى لتحصيل عمولته وإلا يوقع علينا الغرامات الطائلة». «فرش الخبز» هو المشهد السائد فى «إمبابة والسيدة زينب والوراق» أكثر المناطق المعروفة بحدوث أزمات وحوادث بسبب الرغيف، فرغم انتشار أكشاك بيع الخبز الحكومية فإن أزمة الطوابير وماينتج عنها من مشاجرات لا تزال مستمرة. الحاج صابر أحمد السيد، يقف يوميًا فى طابور من السابعة صباحًا ويقول: «من يستطيع الحصول على الخبز قبل ساعة من وقوفه أمام المخبر يكون حظه حلو» وقبل أن يتمم حديثه نشبت مشاحنة بين صاحب الكشك والأهالى بعد انتهاء الخبز من الكشك وطلب الرجل من الأهالى الانتظار ساعة على الأقل حتى تأتى الشحنة الجديدة من الخبز. فى كل منطقة بحى إمبابة توجد أربعة منافذ لتوزيع الخبز إما أكشاك للتوزيع أو مخابز تبيع بأسعار مدعمة أو مخابز تبيع بأسعار مرتفعة للخبز الطباقى.. الحاجة فوزية تملك مخبزًا بإمبابة ورثته عن أجدادها، تبيع «رغيف الغموس» ب25 قرشًا، وهناك رغيف ب50 قرشًا يستخدم فى الوجبات الغالية ك«الفتة» وتقول: الحكومة لا توفر الدعم المناسب للعيش الطباقى، فالدقيق الذى تسلمه للمخابز لا يكفى نصف اليوم لذلك نضطر إلى شراء الدقيق من السوق السوداء، وهو أمر «يقطم الوسط»، فأسعار الدقيق من السوق السوداء متفاوتة فضلا عن مصنعيه العمال وإيجار المكان، والحكومة أهملت حقوقنا وأطلقت علينا مفتشى التموين أصحاب الكروش الكبيرة، على حد تعبيرها. أعداد فرش الخبز لا تقل فى إمبابة والوراق عن أى منطقة أخرى، فالأرامل والأطفال هم أصحاب النصيب الأعظم فى بيع الخبز، وبجوار كل فرن أو على بعد خطوات منه يوجد فرش لبيع الخبز أو أكثر، الكل أجمع على أن بيع الخبز على الرصيف يلاقى رواجا أكبر من بيعه فى الأفران، تقول فاطمة التى تبيع الخبز منذ 10 سنوات على إحدى نواصى شارع بالوراق: «خبز الأفران المدعومة لم يعد يثق فيه أحد، لتكرار الحوادث بسبب التكدس أو لوجود عيوب بالرغيف مثل احتوائه على بعض الزجاج أو المسامير وأحيانا بقايا ورق محروق». أهل المنطقة رغم بساطة حالهم فهم أفضل مثل للطبقة المتوسطة التى أوشكت على الانتهاء، معظمهم يعتمد على بائعى الخبز بالأسعار الفلكية لمعايير كثيرة يرصدها فرج الجمال، 40 سنة بقوله: «ما يمارسه أصحاب المخابز من بلطجة فاق الوصف، فالخبز ينتهى قبل نصف النهار بزعم انتهاء حصة الدقيق، بينما يبيعونه فى السوق السوداء». الوضع لم يكن أفضل بمنطقة السيدة زينب، فعلى بعد أمتار من مقام السيدة تقف منه صاحبة ال15 عاما بزيها المدرسى بعد انتهاء اليوم الدراسى تبيع الخبز، على فرش بسيطة يمتلكها والدها، وتقول: «فرشة الخبز هى كل رأس مال أبى لتوفير حياة كريمة لى ولأخوتى، إلا أننا لا نسلم من شر البلدية». أما عن طبيعة الأفران المدعمة فأقل ما يقال إنها غير آدمية والطوابير متراصة أمامها، وأهالى المنطقة يتصارعون للحصول على الرغيف أولا.. عدد كبير من الأهالى أكدوا أن معركة الخبز اليومية أحيانا تشهد استخدام السلاح الأبيض بسبب انتشار البلطجية.