عم محمد قضى خمسة وعشرين عاما فى "كهف الشهبة" بدأ بمحاربة الثعابين وانتهى بمحاربة الكهف، وصوله للقرن الواحد والعشرين تأخر بعض الشىء.. خمسة وعشرين عاما.. عاشها بين ثنيات جبل المقطم فى كهفه الخاص الموجود فى قلب عشش أهل "الشهبة" بالدويقة والذين أصبحوا ينتظرون أن يقع عليهم الجبل فى أى لحظة وأصبح هو ينتظر أن يصبح آخر رجال الكهف بعد أن ينطبق عليه كهفه بالكامل. "قالوا إيه إللى رماك على المر قلت إللى أمر منه" يقول محمد طلعت محمد أو رجل الكهف كما يطلق عليه أهل منطقته وهو يفسر حياته المستمرة فى كهف منطقة "الشهبة" لخمسة وعشرين عاما متواصلة هو وأولاده وأولادهم ويحكى "ما كنش قدمنا اختيار ثان دلوقتى أنا هنا مع كريمة وعفاف وأولادهما وعمر وعماد ولادى الشباب". على أحد "الأشولة" البلاستيكية التى تمثل أثاث حجرة نومه وضع أبو عمر جنبه مثل كل ليلة فى الخمسة وعشرين عاما بعد أن سلم أمره لله لا يعرف إذا كان سيستيقظ أم لا قبل أن ينتفض على صوت انهيار ضخم ظن أنه تصدع جديد فى الجبل الذى ينتظر سقوطه يوما بعد الآخر ولكن هذه المرة الأمر كان مختلفا فالحجر كان من سقف كهفه وبجانبه مباشرة ويقول عم محمد من جانب الحجر الذى مازال موجودا لصعوبة رفعه من الحجرة "لقيت أولادى بيجروا عليا وكان المفروض أكون تحت الحجر بس ربنا كبير". كهف أبو عمر أصبح الآن الكهف صاحب السقف الطائر بعد أن انشق سقفه بالكامل عن جبل المقطم الذى كان جزءا منه ليصبح الرجل هو حدوتة أهل المكان على الرغم من معاناتهم جميعا مثله ولكن حاله فى الكهف كان كفيلا بأن يجعله حدوته أهل "الشهبة". من وقت ما جيت وأنا مستنى الموت.. يقول الرجل الذى تعدى عمره الستين عاما ويتابع "لما جيت كان الجبل حالته ممتازة وما كنش مخوفنا على قد ما الحاجات إللى فيه كانت مخوفانا كنت بنام وسط الثعابين والعقارب وكنا بنصحى نموتهم ذى ما الناس بتموت الصراصير بالليل والسنين مرت والمكان ملاه الناس واختفت الثعابين لكن الجبل هو إللى بدأ يهجم علينا". حكاية عم محمد مع الجبل بدأت حينما فقد عمله فى إحدى طوابين العيش البلدى بسبب ظهور السير فى الأفران والذى كان يتطلب شبابا للعمل عليه ليترك المخبز وتبدأ أحواله فى الانحدار يوما بعد الآخر حتى جاء للكهف وعاش فيه ثم جهز فيه حجرتين لزواج بنتيه ويقول والدموع تتلألأ فى عينه "الدنيا ماشية الحمد لله بس أصعب يوم مر عليا لما ابنى كان المفروض يخش الثانوى العام وما رضيوش يدخلوه بسبب 300 جنيه مصاريف ولحد دلوقتى محتفظ بالورقة إللى ادهالى أنه مرفوض بسبب الفلوس". إنقاذه هو وأهل منطقته وتوفير منزل آمن هى كل أحلام رجل كهف القرن الواحد والعشرين الذى يتمنى أن يرى ولو عاما أو عامين من حياته فيه قبل أن يتركه لأولاده وأحفاده.