الطيران الإسرائيلي يشن غارتين على منطقتي الحدث وحارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت    ماهي القنوات الناقلة لمباراة ليفربول ضد تشيلسي؟    السعودية ترحل أكثر من 12 ألف وافد    الجزائر.. انهيار عمارة بأكملها جنوب غرب البلاد    ميرنا نور الدين تتألق بإطلالة فورمال في أحدث ظهور لها عبر إنستجرام|شاهد    بعد شهرين على وفاتهم.. إسلام جمال يؤدي «عُمرة» للمنتجين الأربعة    الكوب المميت.. الإفراط في شرب الماء كاد ينهي حياة الأم نينا مونرو|ما القصة؟    مقتل ضابط إسرائيلي برتبة لواء متأثرًا بجراحه في لبنان    خبير استرتيجي يكشف لماذا قطع الاحتلال أصبع السنوار بالرغم من تأكيد بصمة الأسنان شخصيته (فيديو)    قتل وقصف..سُعار يصيب الاحتلال الإسرائيلي طوال الليل    الغرف التجارية: لا زيادة في أسعار السلع الغذائية بعد تحريك المحروقات    متعب والحضرى وشوقى ويونس فى الاستوديو التحليلى لمباراة الأهلى وسيراميكا    أمريكا تُحقق في تسريب المعلومات بشأن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران    ضبط مسجل خطر لسرقته مشغولات ذهبية بالنزهة    اليوم.. محاكمة 6 متهمين في «خلية الحدائق»    اليوم .. محاكمة اللاعب أحمد ياسر المحمدي بتهمة اغتصاب فتاة في قطر    طائرات الاحتلال تُطلق النار على المناطق الغربية من شمال غزة    قبل الكلاسيكو.. ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو 2-1 بالدوري الإسباني    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    طارق الدسوقي خلال افتتاح ملتقى المسرح للجامعات: هذه الدورة الأصعب على الإطلاق    تفسير آية | معني قوله تعالي «أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى»    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    نجم بيراميدز السابق يكشف مفاجأة مدوية بشأن موقف رمضان صبحي من العودة للأهلي    كلمة السر في مرض أحمد سعد .. خطر غير مرئى هو السبب    أمريكا: سحب المئات من منتجات الوافل المجمدة بسبب احتمال تلوثها ببكتيريا الليستيريا    بلدية المحلة في مواجهة صعبة أمام المصرية للاتصالات بدوري المحترفين    الشرطة الألمانية تستخدم الكلاب لتفريق متظاهرين منددين بجرائم الاحتلال    أحمد عبد الحليم: مشاركة القندوسي مع سيراميكا أمام الأهلي سلاح ذو حدين    موعد بداية فصل الشتاء 2024.. وتوقيت فتح وغلق المحلات قبل تطبيق التوقيت الشتوي    عاجل - زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر 2024 وخطوات التقديم عبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل    فرض ضريبة جديدة على الذهب في مصر.. ما حقيقة الأمر؟    شعبة المخابز تحدد موعد ارتفاع أسعار الخبز السياحي (فيديو)    هل تذكيري لأصدقائي بتلاوة القرآن وذكر الله عليه أجر؟.. دار الإفتاء تجيب    اللهم آمين | أثر الدعاء للشهداء وأهلهم    نوة رياح الصليب وأمطار غزيرة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الأحد    أهالي شارع عمر بن الخطاب بمصر الجديدة يستغيثون ويُناشدون وزارة التنمية المحلية    معرض فرانكفورت للكتاب: توزيع جوائز تيك توك بوك للمنطقة الناطقة بالألمانية    منها الجوع الشديد..تعرف على أعراض مرض السكري عند الأطفال    نقص الفيتامينات والضغط العصبي.. تعرف على أهم أسباب الشيب المبكر    للمسافرين كثيرًا.. كيفية الصلاة في المواصلات ومعرفة اتجاه القبلة |الإفتاء تجيب    غارات جوية للاحتلال تستهدف منطقة المواصي في قطاع غزة    الحكومة: استمرار رفع أسعار المواد البترولية حتى نهاية 2025    سعر التفاح والموز البلدي والمستورد بالأسواق اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    مصرع شخص وإصابة 20 آخرين في حادث تصادم سيارة برصيف بالفيوم    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    يوفنتوس يهزم لاتسيو ويقفز لصدارة الكالتشيو    عبد الرحمن فيصل: بطولة إفريقيا هديتنا للجماهير    حدث بالفن| وفاة والدة فنانة وخالد الصاوي يحذر من حقن التخسيس لهذا السبب    مين فين ؟    وزراء دفاع مجموعة السبع يعقدون اجتماعا فى نابولى لبحث تعزيز التعاون الأمنى ودعم أوكرانيا    نشرة الفن.. حقيقة صادمة في سبب انفصال نادين نجيم عن خطيبها وشيرين ترد على اعتذار أحلام بمنشور مفاجئ    نائباً عن السيسي.. وزير الأوقاف يصل إندونيسيا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    جامعة قناة السويس تنظم برنامجاً تدريبياً لطلاب STEM حول تصميم وتنفيذ كوبري مائي متحرك    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(افتح قلبك مع د. هبة يس)... ولا فى الأفلام!!
نشر في اليوم السابع يوم 15 - 08 - 2012


أرسل (ح. ع) إلى افتح قلبك يقول:
فى البداية أعتذر عن طول رسالتى، لكنى أطمع أن تقرئيها لنهايتها، وأن تعيريها اهتمامًا.. أنا معيد فى إحدى كليات الصيدلة، عمرى 25 سنة، بدأت قصتى منذ 8 سنوات، فى أول سنة لالتحاقى بالجامعة، أعجبت بإحدى زميلاتى فى الكلية، كنت أهتم بها فى صمت، و(من بعيد لبعيد) لمدة عام كامل، ومع السنة الثانية زاد اهتمامى بها، وزادت رغبتى فى أن أتعرف إليها من قريب، وفعلاً انتهزت أول فرصة جمعتنا، وتم التعارف، هى كانت تعرفنى شكلاً لأنى كنت من الأوائل على الدفعة، ما سهل التعارف والحمد لله، كان تقاربنا يزيد مع الأيام، خاصة أننا اكتشفنا أن بيننا اهتمامات مشتركة كثيرة، كنا نمارسها معًا فى الجامعة.
من البداية وأنا أعرف أن زميلتى هذه مستواها المادى مرتفع، مظهرها، سيارتها، موبايلها، كل شىء ينم عن وضع فوق الممتاز، لكنى وأقسم بالله لم أكن أفكر يومًا فى الانتفاع من هذه المميزات، كما اعتقد البعض، فأسرتى لا تصنف من الأغنياء حقًّا، لكننا عاديون، عمل والداى طوال عمريهما لتعليمى أنا وإخوتى أحسن تعليم، لكن دون أن تكون لدينا شقة فاخرة، أو سيارة فارهة، أو شاليه فى الساحل الشمالى، وهذا لا ينتقص منَّا شيئًا، ولا يجعلنى (أطمع) فى غيرى وأفكر فى التسلق على حساب أى فتاة.
أحببتها جدًّا، وبصدق، وهى أيضًا، كنت أتمنى الارتباط بها رسميًّا كل يوم، حتى أكفيها شر التغامز والتلامز حولنا، وحتى أطمئنها وأطمئن أنا الآخر على أننا لبعضنا البعض، ولكن نظرًا لأن ظروف أسرتى المادية لا تسمح لى بالارتباط أثناء الدراسة فقد أجلنا الموضوع حتى نحصل على شهادتينا ونبدأ حياتنا العملية.
لم أغفل الفارق المادى بينى وبينها للحظة، ولكنه حقًّا لم يكن له مكان بيننا، فلم أشعر يومًا بأى فجوة بيننا بسبب الماديات، بل على العكس كانت دومًا تؤكد لى أنها ليست بحاجة إلى كل هذه الرفاهية، وأنها تريد أن نبدأ حياتنا معًا من جديد، لنبنيها معًا خطوة خطوة، شجعتنى كثيرًا، ومنحتنى الأمل والحماس لأكمل تقدمى فى الدراسة، حتى تخرجت وتم تعيينى معيدًا فى كليتنا، ما جعلنى أشعر أنا الآخر بتميزى، وأننى أخيرًا لدى القدرة والشجاعة لأطلبها من والدها بشكل رسمى.
ذهبت لمقابلة والدها، وفى هذا اليوم فقط، ولأول مرة اكتشفت أن ما بيننا ليس فارقًا ماديًّا، وإنما هوة عميقة، فلم أكن أتخيل أن مستواها مرتفع إلى هذا الحد!! وصدقى أو لا تصدقى يا سيدتى لم أفرح بهذا إطلاقًا، بل على العكس خفت وشعرت بينى وبين نفسى بأنى خارج المنافسة، حتى بعد أن أصبحت معيدًا فى إحدى كليات القمة.
قابلنى والدها بشىء من التحفظ، لم يفصح لى عن مكنون صدره الذى شعرت به تمامًا بدون أن يلفظه، كانت عيناه تقولان كل شىء، وانتهت المقابلة سريعًا بحجة أن جدوله لا يسمح بأكثر من ذلك، لكنى طبعًا أعرف السبب الحقيقى.
تحدثت إليها بعد خروجى من منزلهم مباشرة، لم أستطع أن أتمالك نفسى أو أن أجمل لها مشاعرى المحبطة جدًّا حينها، قلت لها بصراحة إنى أشك أنى سأظلمها معى، وإنه ليس من المنطقى أن ترتبط بمن هو فى مثل ظروفى، وإن والدها سيرفض لا محالة، وإنى أتفهم موقفه.. و... و... و... وكثيرًا من الكلمات السخيفة المنهارة المليئة بفقدان الأمل والثقة بالنفس، لا أعرف لماذا شعرت بكل هذا حتى قبل أن أعرف رد والدها بشكل صريح، لكن هذا ما حدث بالضبط.
وكان الرد كما توقعت، رفض والدها بشدة وطلب منها قطع علاقتها بى نهائيًّا، بلغتنى الخبر وهى لا تتمالك نفسها من البكاء، ولكنى على عكسها كنت أسمعها فى هدوء لأنى كنت أتوقع كل هذا من قبل أن يحدث، اتهمتنى بأنى لا أحبها ولا أريدها كما تفعل هى، وبأنى أتصرف بانهزامية وسلبية كما لم تعهدنى من قبل، لم أستطع أن أرد عليها إلا بالدموع، فقد أحسست بقهر لا مثيل له وقتها، فأنا فعلاً أحبها، وفعلاً أتمنى أن نصبح معًا بقية العمر، لكنى حقًّا لا قبل لى بوالدها ومادياته، وأعرف أنه يعتقد أنى أطمع فيه وفى ابنته، ولا أستطيع أن أمنعه من أن يبعد ابنته عنى رغبة لها فى مستقبل أفضل.. لا أستطيع.
مرت الأيام بعد ذلك كئيبة، فارغة، ثقيلة، فنحن لم نعتد أن نبتعد عن بعضنا البعض منذ 4 سنوات بهذا الشكل، كنت أتمزق من داخلى بين اشتياقى لها ورغبتى الحقيقية فى الارتباط بها، وبين إحساسى بأنى سأكون أنانيًّا وغبيًّا لو أصررت على ذلك، لأنه ربما سيأتى اليوم الذى ستندم فيه هى على ارتباطها بى، وبين خوفى على كرامتى ودفاعى عن نفسى أمام والدها، فأنا لم أفكر يومًا أنى سأكون فى موضع الاتهام وأنه سيتوجب على أن أدافع عن نفسى وأن أثبت صدق نيتى وأنى لست طامعًا خسيسًا.
لكنها وللمرة الثانية تقف بجانبى وتبثنى الأمل والتفاؤل من جديد، فلقد أنهت هى القطيعة وقالت لى إنها كفيلة بأن تقنع والدها برغبتها، وإنها لا تريد منى أى شىء سوى أن تتأكد من أنى متمسك بها وأنها ليست هى وحدها من تريد هذا الارتباط، لا أستطيع أن أصف لكِ فرحتى عندما سمعت منها هذه الكلمات، كانت كمن ردت إلى حياتى، تحدثنا سمعًا لمدة 3 ساعات يومها، أصف لها مشاعرى تجاهها ومشاعرى عندما ابتعدنا عن بعضنا البعض، وكيف أنى شعرت بأن الدنيا قد توقفت عندما لم تكن هى فى حياتى.. تأكدت حينها - وهى أيضًا تأكدت – من أن حبنا ليس هشًّا، وأنه يستحق العناء من أجله.
مر عامان بعد هذا الموقف، وأنا أجتهد بكل قوتى فى عملى وفى بحثى عن فرص عمل إضافية أحسِّن بها وضعى، وحبيبتى مستمرة فى ضغطها على والدها برفضها كل من يتقدم لها، لاسيما إن كان من معارف والدها، مؤكدة له على موقفها من حين لآخر، وهو أنها لن ترضى بغيرى، وأنها لن تتزوج مطلقًا إن لم تتزوجنى، ولصدقها وإخلاصها معى رضخ والدها أخيرًا، ووافق على خطبتنا بعد كل هذا الوقت، صحيح أنه أبدًا لم يبدُ سعيدًا بهذا الارتباط، وأنه اكتفى بأن ارتدينا دبلتين فقط فى حفل ضيق جدًّا فى منزلهم، إلا أن هذا لم يهمنا، كنا فى غاية السعادة يومها، وكنت أتمنى لو أستطيع أن أحضر لخطيبتى قطعة من السماء مكافأة لها على تمسكها بى، وتعبيرًا لها عن مدى حبى وإحساسى بها، كان يوم الأحلام بالنسبة لنا، الذى لم ينجح أحد فى تعكير صفوه على الرغم من تعبيرات الامتعاض وعدم الراحة على وجوه أفراد أسرتها.
جاءت الفترة التى بعدها محملة بالمشاكل والنقاشات، فطبعًا لم يرضَ والدها بأىٍّ مما عرضته كشبكة أو مهر أو مكان للسكن لابنته، لم يكن يرى لكل ما أقول قيمة أو نفعًا، مهما حاولت أن أحمل نفسى وأهلى فوق طاقتنا، إلا أن هذا لم يكن أبدًا يعجبه أو يرقى لمستواه، حتى أنه قرر بمفرده قرارًا ديكتاتوريًّا وهو أن ابنته ستتزوج وتعيش معه فى البيت نفسه، بحجة أن البيت كبير وأنه سيخصص لها جناحًا كاملاً خاصًّا بها، وأخبرنى بأنه لا يريد منى شيئًا، وأنه هو من سيقوم بتجهيز كل شىء من الألف إلى الياء، لأنه لا يريد لابنته أن تنزل عن المستوى الذى اعتادته طوال عمرها.. جرحنى هذا القرار بشدة، وشعرت بدونية نظرة والدها لى كما لم يحدث من قبل، إلى هذه الدرجة هو يرى أنى لا أستطيع أن أوفر لابنته أى شىء؟ إلى هذا الحد يرانى ضعيفًا ويرى إمكانياتى هزيلة؟ هل جاء علىَّ الوقت الذى يتكفل "حماى" فيه بابنته وبى معها، بينما هى فى عصمتى أنا؟ أنا لا أقبل على نفسى هذا الوضع، وهذا أكبر دليل على أنى لا أطمع فيه ولا فيها، وأنى أريدها هى، وأريد أن أتحمل مسئوليتها كاملة مهما كلفنى الأمر من جهد، ولكنه لا يريد أن يسمع أو يفهم.
مررنا بفترة أخرى من المشاحنات حول هذا الأمر، انتهت بأن أقنعتنى خطيبتى بأن نوافق على هذا الوضع مؤقتًا، ثم ننفصل بحياتنا بعد ذلك بعد أن تصبح زوجة لى، حينها لا يستطيع أحد أن يجادلنى فى رغبتى، خاصة أننى كنت أخطط فعلاً للسفر إلى الخارج للدراسة والعمل، وعدتنى بأنها هى نفسها ستعارض هذا الوضع سريعًا، لكن بعد أن نتزوج وينتهى الأمر، وبعد أن تصبح لنا حياتنا الخاصة، عارض والداى أيضًا هذا الوضع بشدة، وقالا لى: أبدًا لن تستقيم الحياة بهذا الشكل. وأكدا أننى سأشعر بالإهانة حتمًا فى هذا المنزل، إلا أنه لم يكن هناك حل آخر لكى يتم الزواج، فوافقت على مضض.
كل ما مضى ليس هو المشكلة، فالمشكلة لم تأتِ بعد، والتى إن كانت رويت لى من قبل لما كنت لأصدقها يومًا، فقد حدث ما لم نكن نتوقعه جميعًا، تعرضت خطيبتى لحادث سيارة كاد أن يودى بحياتها، ولم أعرف به إلا من أختها الصغرى بعد أن أخذها والدها وسافر بها إلى لندن مباشرة بعد الحادث، كدت أجن عندما أخبرتنى، فهى لا تعرف تفاصيل تخبرنى بها، ووالدها لا يرد على تليفوناتى ليطمئننى، وكأنها لا تخصنى، ولا أستطيع أن أفعل أى شىء وهى بعيدة عنى فى بلد آخر، فكرت أن أسافر لها، ولكن والدى عارضنى لأنه لا يوجد ما يغطى نفقات سفرى وإقامتى هناك، ولأنه يرى أنى لن أضيف شيئًا أو أغير من شىء إن سافرت.
لم أتوقف عن الاتصال بوالدها ليل نهار، حتى رد على بعد ثلاثة أيام بغضب شديد، وكأنى أنا السبب فيما حدث لابنته، وقال لى بالحرف الواحد: "بنتى كانت فى غيبوبة بقالها يومين وفاقت منها مش فاكرة أى حاجة، ارتاح أنت كمان وانساها وابعد عنا بقى". ثم أغلق السماعة فى وجهى!!... لم أهتم كثيرًا بعدائيته وقتها وداومت على الاتصال بأخت خطيبتى الصغرى لأتأكد من صحة كلامه، وللأسف أكدت لى ما سمعت، وقالت لى إن الطبيب أخبر والدها بأن أختها تعانى من فقدان ذاكرة قد يكون مؤقتًا بسبب الحادث، وقد يستمر إلى ما لا نهاية.. لا أحد يعرف.
ظلت خطيبتى فى المستشفى فى الخارج لمدة شهر ونصف الشهر، لم أكن أعرف أخبارها إلا عن طريق أختها التى سافرت إليها بعد فترة، لم أستطع أن أكلمها غير مرة واحدة ولبضع دقائق لم أفهم فيها منها شيئًا، وانتظرت حتى عادت إلى القاهرة، وجريت إلى بيتها لأراها، إلا أن والدها قابلنى وطردنى بلباقة، قال لى إن ابنته قد انتهت تقريبًا، وبالتالى فإن كل علاقة لها – ولهم - بى قد انتهت، وإنه يجب أن أختفى من حياتها لأنها حتى وإن رأتنى فلن تعرفنى، وإنه يجب أن أفعل ذلك لمصلحتها، لأننى وإن اشتغلت بقية عمرى فلن أستطيع أن أتكفل بمصاريف علاجها الذى لا أحد يعرف متى سينتهى.
لم أصدقه ولم أسلم بكلامه، كنت متأكدًا من أنها ستعرفنى إذا رأتنى، وأنى قادر على أن أرد إليها ذاكرتها على الأقل فيما يتعلق بعلاقتى بها، دبرت بمساعدة أختها لقاءها خارج المنزل، وكنت أتلهف لرؤيتها وللحديث معها بشدة، فنحن لم نلتقِ منذ أكثر من شهرين، كنت أريد أن أطمئن عليها وأن أراها بعينى وأسمعها بنفسى، ذهبت للموعد ومعى كل شىء تحبه، نوع الورد والشيكولاتة والعطر الذى كانت دومًا تفضله، ولكنها لم تتذكر أيًّا من هذا ولم تتذكرنى فعلاً.. صدمت صدمة عمرى، إنها حقًّا لا تعرفنى، تتحدث إلى بعيون تائهة وبلسان متلعثم، وتنظر إلى أختها من حين لآخر حتى تؤكد لها ما أقوله وما أحكيه عنى وعنها، نظرت إلى يدها فلم أجد دبلتى، هالنى ما رأيت، أشفقت عليها، وخفت على علاقتنا، تحدثت إليها طويلاً، كلمتها عن كل شىء وعن أى شىء يذكرها بى، لكنى لم أتلقَّ منها سوى أنها تشعر بأنها رأتنى من قبل.. فقط.. وهذا كل شىء!!
اتصلت أختها بى بعد هذا اللقاء بيوم، وقالت لى إن والدها ثار جدًّا وعنفها عندما علم بالأمر، وذلك عندما سألت خطيبتى أهلها عنى وعما إذا كنت خطيبها فعلاً أم لا، فرد عليها والدها بأنى كنت قد تقدمت إليها قديمًا وأنه لم يوافق وأن هذا الأمر قد انتهى منذ زمن ويجب ألاَّ تشغل بالها به، ثم كان أن اتصل والدها بنفسه بى - وهذا تنازل منه لم أعتد حدوثه - وقال لى بلهجة أقرب إلى التهديد: ها قد تأكدت من أننى لا أكذب عليك، وأن ابنتى لا تذكرك فعلاً ولا تذكر أى شىء. وقال إنه يجب علىَّ أن يكون لدىَّ بعض (الكرامة) وأبتعد عنها إلى الأبد. لم أتحمل كلماته وحكيتها لوالدى الذى فاجأنى هو الآخر بتأييده رأى "حماى"، وطلب منى أن أبتعد عنها وأن أنسى هذا الموضوع وكأنه لم يكن.
أنا أفكر وحدى منذ أكثر من أسبوعين، أنا أحبها ولا شك عندى فى ذلك، ولا أرى سعادة لى بدونها، ولكن ماذا على أن أفعل؟ أين الصواب؟ هل أتمسك بها رغم أنف الجميع؟ وماذا لو ظلت هكذا ولم تتذكرنى؟ هل سيظل حبها لى وتمسكها بى أم أن كل شىء قد انتهى إلى الأبد؟ هل سأنجح فى تذكيرها بنفسى وبعلاقتنا وبحبنا، أم أنى سأكون كمن (يؤذن فى مالطة) دون أى جدوى؟ هل سأظلمها إن استمر ارتباطى بها، أم أنى حقًّا سأظلمها وأخذلها إن تركتها بعد كل هذا؟ هل سأشكل فارقًا فى حياتها إن تركتها أو إن استمررت معها؟ وماذا لو عادت لها ذاكرتها؟ هل ستعود لسابق عهدها معى وتعتبرنى خائنًا لها إن ابتعدت عنها، أم أن مشاعرها تجاهى وإحساسها بى سيتغيران بعد هذا الوقت؟.. آلاف الأسئلة التى بلا إجابة، فى رأيك أنتِ كيف لى أن أتصرف؟
وإليك أقول:
قصتك غريبة جدًّا فعلاً، قد تظنها فيلمًا سينمائيًّا، ولكننا يومًا بعد يوم ومع الوقت نكتشف أن الواقع يكون أغرب من الخيال أحيانًا.
لو سألتنى عن رأيى الشخصى حول حب الجامعة، أو ارتباط من هم دون العشرين عمومًا، فسأقول لك إنى متأكدة من أنه ليس بالحب الناضج الذى يكفى وحده لقيام بيت وحياة، والتجارب الفاشلة حولك كثيرة، إنما ينجح منها فقط الحالات التى تتواجد فيها بقية العناصر اللازمة لإنجاح الزواج بشكل صحيح، كتوافق الطباع بين الطرفين، والتوافق الاجتماعى والمادى، والتقارب الثقافى ومستوى التعليم.. كل هذا إلى جانب الحب، أو دعنى أسمِّه (الانجذاب) بين الطرفين، هو ما يصنع زواجَا قويًّا وعلاقة ناجحة مستمرة، لا تصدق من يقول لك إن الحب يصنع المعجزات. ولا من يتوهم ويوهمك بأنه بالحب وحده تستقيم الحياة، لأنه على أرض الواقع هذا ليس بصحيح، ولأن تلك المشاعر (المتأججة) التى توجد فى هذه الفترة لا ترقى غالبًا إلى كونها حبًّا حقيقيًّا يقف أمام صعاب ومشاكل الحياة.
لهذا أنا لن أجادلك فى أنك تشعر بأنك تحب هذه الفتاة، ولا فى أنها تحبك - كما هو واضح جدًّا - ولا أستطيع أن أنكر مشاعر أىٍّ منكما، لكنى أتخوف من أن هذه المشاعر (وردية جدًّا) و(خيالية جدًّا) و(رومانسية جدًّا)، خالية من أى مسئولية، وغير مؤهلة لمواجهة أى صعاب، شأنكما شأن أى حبيبين فى مثل هذه المرحلة العمرية، فهذا ليس عيبًا بكما، وإنما هى طبيعة المرحلة، أضف إلى هذا كون علاقتكما أنتما بالتحديد ستواجه تحديًا صعبًا وهو (الهوة المادية) كما سمَّيتها أنت بنفسك، وبالتالى فأنا لا أتوقع لعلاقة مثل هذه أن تكون سلسة إطلاقًا، أو أن تنعم بالهدوء والاستقرار لفترات طويلة، فالماديات بشكل خاص قادرة على خلق مشاكل كثيرة، سواء من جهة والد خطيبتك وأسرتها على أساس أنهم يريدون الحفاظ على مستوى ابنتهم وعدم حرمانها من خير أهلها، أو من جهة خطيبتك نفسها التى تعتقد الآن أنها ستسعد بالتضحية بالرفاهية والراحة والمستوى الذى اعتادته، وتظن أنها لن تحن أو تشتاق إلى ذلك يومًا، وأنها لن تندم على ما أصبحت فيه مقارنة بوضعها السابق، أو مقارنة بأخواتها أو قريباتها أو حتى صديقاتها من المستوى نفسه، أو من جهتك أنت كرجل لا يقبل على كرامته أن يعيش هو وزوجته و(أولاده) فى المستقبل عالة على "حماه" أو على أهل زوجته.. كل هذه الأمور معقدة وليست بالهينة، وكفيلة بتعكير صفو أى حياة مهما كانت بدايتها الرومانسية والعاطفية.
كل هذا كان سابقًا، أما الآن ومع الوضع الجديد فأنت فقدت أقوى داعم لك لاستمرار هذه العلاقة، وهو خطيبتك نفسها، فمن الواضح أنها كان لها دور فاعل وأساسى فى إتمام ارتباطكما واستمراره رغمًا عن الظروف، ولا شك أنها هى من كانت تقويك وتعينك وتسهل لك الأمور، أما الآن فهى نفسها لم تعد موجودة، فماذا أصبح لدينا الآن؟.. لديك علاقة مهددة بفارق مادى واجتماعى كبير، ولديك عائلة لا تحبك ولا ترضى بارتباطك بابنتها، ولديك خطيبة فاقدة لكل مقومات التعاون والدعم.. كيف ستستمر؟
أنا أعرف تمامًا أنك تفكر فى أن تركك لها الآن قد يعد تخليًا عنها فى وقت محنتها، ولا أستطيع أن أقلل من شأن هذا، لكن كيف السبيل للاستمرار بهذه الظروف؟ قد تعود لها ذاكرتها سريعًا، وقد تعود بعد فترة طويلة، وقد لا تعود.. الله أعلم، كيف ستراها وستقابلها وستفكر معها فى ارتباطكما أو فى غيره وأنت ممنوع من لقائها؟ هل ستدخل منزلهم عنوة، أم ستعتمد على اللقاءات السرية التى سترتبها لك أختها أو غيرها؟.. لن يستقيم الوضع أبدًا بهذا الشكل، سامحنى لو بدوت وكأنى أحبطك أو أضع لك العراقيل، ولكن هذا هو الواقع بكل أسف.
أنا لا أرى طريقًا لإتمام زواجك بهذه الفتاة غير أن تفعل كل ما فى وسعك لتسافر وتكمل دراستك وتحصل على فرصة عمل بالخارج كما كنت تخطط، وفى أسرع وقت، ففى هذه الحالة ستتمكن من أن تصبح فى مستوى مادى معقول يوفر لكما حياة كريمة لا تفتقر إلى الرفاهية والبحبوحة، بحيث ترضى أنت عن نفسك كرجل مسئول عن بيته وزوجته، وترضى هى أيضًا عن حياتها التى لم تنحدر بقسوة بعد أن فارقت بيت أهلها، فى هذه الحالة فقط يمكن لحبكما أن يواجه بعض الصعوبات والمشاكل من قبل الأهل، فأنتما معًا وبعيدان عن مصدر الضغط، وتكبران وتنموان علميًّا واجتماعيًّا وماديًّا مع الأيام.
قد يجبرك والدها على الابتعاد عنها حاليًّا، ومن المؤكد أنه سيقطع كل طريق للتواصل بينكما، وقد تجد نفسك مجبرًا على الابتعاد وعلى الفراق، لكن الأمر يتوقف كثيرًا على نيتك وعلى رغبتك أنت الداخلية، فأنت وحدك تعرف أنك لم تتركها بسبب مرضها أو تخليًا عنها، وإنما ابتعدت عنها سماحًا لهذه الفترة بأن تمر، وكسبًا للوقت لعلك تستطيع أن تبدأ أنت حياتك المهنية، وأن تضع قدمك على طريق بناء نفسك فى هذه الأثناء، فأنت ستبتعد جسديًّا لكن لا تفقد كل صلة بها، حتى وإن كان عن طريق الاتصال بأختها من حين إلى آخر، حتى تكون على علم بكل تطورات حالتها وكل مستجدات الأمور، كى تتمكن من العودة والتدخل فى الوقت المناسب، بعدما يصبح لديك ما تعتمد عليه فى الوقوف أمام رفض هذه العائلة.
الوضع ليس سهلاً، ولا التعامل معه سيكون سهلاً، ولا حتى نصيحتى لك هى الأخرى سهلة، ولكنه اختبار قوى لعلاقتك بهذه الفتاة ولرغبتك الحقيقية فيها، أعانك الله عليه.
للتواصل مع د. هبة وافتح قلبك:
h. yasien@youm7. com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.