المضحكات المبكيات فى بلد العجائب لا تنتهى! أحدثها ما خرجت به النشرات الصحفية الحكومية بمانشيتات رئيسية عن تصفيق النواب وإشادتهم بالسيد وزير العدل عندما قرر التراجع الجزئى فى مواجهة الطوفان الشعبى ونذر الحريق، عن مشروع الرسوم القضائية المشؤومة الذى تقدم به .. لا تتعجب فأنت فى مصر بلد العجائب!.. نعم إنهم يصفقون للوزير الذى كاد أن يدمر مصر بمشروعه الذى نزل علينا كصاعقة تهدد أمن وأمان الوطن وحق مواطنيه فى الحياة ذاتها. بكل بساطة أصبح تراجعه الجزئى بطولة ومكرمة يثاب عليها ! .. وكأنى هنا استعيد منظر نائب موقر فى برلمان المحروسة وقف يرقص عشرة بلدى فى سعادة وتحية لزعيم الهزيمة المخزية عام 67 ، بعد تدمير الجيش واحتلال الأرض، وبينما دماء الشهداء لم تكد تجف على أرض سيناء !.. لم يسائل هؤلاء المصفقون أنفسهم ترى كيف تحكم مصروكيف يتم اختيار الوزراء وكيف تقاس كفاءاتهم وقدراتهم على حسن اتخاذ القرارات بعد تقدير الأمور؟ ، ... وترى هل أجرى ذلك الوزير أى حسابات أو تقديرات للآثار المترتبة على النحو الذى يليق بوزير فى حكومة مصر العراقة قبل أن يخرج علينا بتلك التعديلات الكارثية التى روعت الآمنين وهزت استقرار المجتمع ، والتى يصفها الوزير بحصر لفظه بأنها أحدثت هلعاً وفزعاً !!!.... فماذا يكون جزاء الوزير الذى يتسبب بسوء تقديره فى إحداث فزع عام وتهديد لأمن واستقرار المجتمع آيته مظاهرات وإضرابات واعتصامات واستنفار لقوات الأمن ؟ ... الإشادة والتصفيق أم سحب الثقة والإقالة؟ ... لقد سبق له أن نجح فى تمرير مشروعه من مجلس الشورى (مجلس الحكماء الموقر) ومن بعده، من اللجنة التشريعية بمجلس الشعب فى سهولة ويسر. كما وافق على هذا المشروع مجلس القضاء الأعلى والمجلس الخاص بمجلس الدولة كما ورد بجريدة الأخباربتاريخ 13/2/2009 .... ولم يحدث إلا بعض الاعتراض من المهندس أحمد عز الذى طالب بوضع حد أقصى للرسوم النسبية، وهو ما رفضه الوزير أولاً بإصراره مؤكداً أنه لن يخالف الدستور أما المهندس عز فقد توعد بأنه لن يمرره !! ...وعاد بعد ذلك المهندس عز وأعلن موافقته بلا شروط ! ، ثم يأتى الوزير بعد التراجع ويعرض هو من نفسه وضع حد أقصى للرسوم كما سبق أن طلب المهندس عز !!! .. هل فهم أحد أى شىء من حزمة التناقضات تلك؟.. أنا لم أفهم شىء! ياللمأساة .. إن البرلمان يختلف عن سوق للخضار يبدأ الفصال فيه حول سعر الكيلو من 100 جنيه وتنتهى الصفقة بسعر جنيه واحد بعد الفصال، ولأجل خاطرك وخاطرى!! .. يا سادة تذكروا أن هذه مصر العريقة .. مصر الحضارة والتاريخ وليست إحدى جمهوريات الموز. ... هذه العشوائية لا تليق. يبقى أن الأزمة لم تنته كما تزعم الصحف الحكومية ، فمازالت الكارثة الكبرى قائمة وهى تعديلات المادة التاسعة التى مازالت – بعد التخفيض والتنازل الذى قدمه الوزير- تجعل ما يحصل من رسوم من المدعى عند قيد الدعوى يصل 25 ألف جنيه ( نصف الحد الأقصى إن كان ما فهمته من المنشور بصحف الحكومة صحيحاً)، وهو أمر فادح الظلم والإجحاف والمخالفة الدستورية، حيث إنه قبل صدور حكم نهائى يحدد خاسر الدعوى وقيمة الرسوم، فإنه يكون من قبيل الغصب والاستيلاء غير المشروع على أموال المدعى أن يلزم بأداء أى نسبة من تلك الرسوم، وهو ما ندعو الله أن يهتدى فيه وزير العدل إلى وجه الحق والعدل والمنطق، ويضع حداً أقصى لما يسدد من الرسوم النسبية لحظة قيد الدعوى لا يتجاوز مبلغ 200 جنيه .