الحياة مليئة بتفاصيل متلاحقة وبالأحداث والأشخاص فتأخذنا بعيدا عن أهم ركن فيها، وهو الركن الشخصى الذى يمثل علاقتنا مع أنفسنا من خلال الجسد والعقل والروح، بمعنى آخر من خلال الصحة الجسدية والفكرية والنفسية والروحانية، فبصلاح الجسد أى الصحة يصلح العقل أى التفكير ويصلح السلوك والتصرفات وتسمو الروح بالنوايا الصالحة الخالصة لله. فهذه المنظومة المتكاملة من تنقية الذات وتنميتها هى الطريق إلى النجاح والتكامل، ولذلك فى بعض الأحيان نحتاج إلى وقفة مع النفس لنقيم ونفهم أنفسنا لندرك واقعنا الحالى، ونحدد ما نريد أن نصل إليه فى المستقبل، وما نقبل من أنفسنا ونرضى عنه ونريد أن نستزيد منه، وما لا نقبل من أنفسنا ونرفضه ونريد أن نغيره، أى مواطن الضعف والقوة فينا من سلوكيات وأفكار ومشاعر ونوايا. وفى شهر رمضان الكريم فرصة روحانية من السماء وصفاء وجدانى لا نجده فى أى شهر من شهور السنة يساعدنا على تحقيق هذه الوقفة مع الذات، فنحن فى أشد الحاجة إلى أن نفهم أنفسنا أولا كى نكتشف حلمنا، ولكن هل ما زلنا نتذكر كيف نحلم؟ أم يجب علينا أن نتعلم معنى وكيفية الحلم من جديد. هل ما زال فى إمكاننا الحلم والتمنى ووضع الأهداف وتحقيقها؟ أم هذا الحلم أصبح حلما محال التحقيق، وإذا كان الحلم ممكنا، فكيف أضع الهدف وأخطط له وأنفذه؟ وهل كل الأحلام ممكنة؟ أم يجب أن يكون لها معايير خاصة كى تكون ممكنة.. وللخوض فى إمكانية ومشروعية الأحلام يسأل كل فرد فينا نفسه عدة أسألة ثم يجاوب عليها فيجد طريقه إلى الحلم، فدعونا نحلم لأنفسنا بالأفضل. فالسؤال الأول الذى نبدأ به رحلة حلمنا، ما هو الهدف الذى أريد تحقيقه؟ فكى يكون الحلم ممكنا يجب أن نحلم بهدف واضح ومحدد، بمعنى أن أعرف ما أريد أن أحققه، وأراه أمامى رؤية تجعلنى أستطيع أن أضع خطوات محددة للوصول إليه. فكلما وضح الهدف كلما أصبحت خطوات تحقيقه بسيطة ويسيرة. والسؤال الثانى الذى يلازم الأول هو، ماذا يعنى لى هذا الهدف ليعرف كل واحد منا أهمية هدفه فى حياته، وبالتالى يكون الدافع لتحقيقه واضح والحافز على الاستمرار فى العمل دائما أمام عينه فلا يكل أو يمل عن مواصلة الطريق حتى نهايته. والسؤال الثالث والذى يكون بمثابة المقياس والمعيار والمرشد، هو متى أريد تحقيق هذا الهدف؟ وفى أى فترة زمنية؟ وكيفية تحقيقه؟ وما هى نسبة الجودة التى أريد تحقيقها؟ فعندما أحدد الهدف ويكون هدفا قابلا للقياس فحينها أستطيع أن أقيم هدفى، وأستطيع أن أقيس مع مرور الوقت الكم الذى حققته فى هدفى وكيفيته والفترة الزمنية التى استغرقها، وبالتالى أتمكن من الإجابة على السؤال الرابع. الذى يتلخص فى كلمتين: "قابلية التحقيق"، بمعنى هل يستطيع الإنسان تحقيقه؟ أى أن هذا الهدف غير محال حتى لا نكون مثل دون كيشوت: الرجل الذى حارب طواحين الهواء. وعند التحقق من إمكانية تحقيق الهدف تبدأ عملية التخيل الابتكارى بمعنى أنك تتخيل نفسك وأنت محقق هذا الهدف، وتكون صورة ذهنية واضحة لنفسك بعد تحقيقك للهدف، وتشعر بالأحاسيس التى ستتلازم مع تحقيقك لهذا الهدف، وتجعل هذا الهدف يؤثر على كل جوانب حياتك وتستشعر الحالة النفسية والشعورية والوجدانية كأنك فعلا حققت هدفك، وبهذه الطريقة تقوى الحافز والدافع من الناحية الشعورية، وبالتالى تجد نفسك وبكل كيانك وجوارحك تنجذب نحو الهدف أكثر فأكثر وتجذبه إليك. وتنتقل إلى المرحلة التالية وهى المسئولية الكاملة، وبالتالى إلى السؤال الخامس: ما هى مسئوليتى تجاه حلمى وكيف أكون أنا المسئول عن تحقيق هذا الحلم؟ فأنت المسئول عن حلمك وعن تحقيقه وعن جعل حلمك مثاليا لا ينافى الأديان والأخلاق والعرف والتقاليد. وبالتالى ستمسك أنت بزمام حلمك ولن تعطى فرصة للآخرين على التأثير بالسلب على تحقيق هدفك، أو تعلق أخطاءك أو حتى المشاكل التى تواجهها فى تحقيق الهدف على شماعة غيرك، لأنك أنت المسئول أولا وأخيرا، حقيقى أنك ليست مسئولا عن العقبات والمشاكل التى تحدث، ولكن أنت مسئول عن كيفية مواجهتها والتفاعل معها، ووضع حلول لمراحل وخطوات حلها. وبالتالى يكون توجهك نحو هدفك فى تنمية ذاتك دائما فى إطار من المنطق والعقلانية والتنظيم والتنسيق الزمنى، ويأتى السؤال الأخير فى الترتيب، ولكنه ليس الأخير فى الأهمية متى أريد تحقيق الهدف وخلال أى فترة زمنية؟ فوضع تاريخ محدد لإنهاء وتحقيق الحلم من أهم شروط النجاح. فأنت هكذا تضع لهدفك الشخصى حدا زمنيا كى تحققه ولا تتركه بدون تحديد، فعندما تقول أريد أن أحصل على شهادة الدكتوراه خلال خمسة سنوات يختلف مجهودك وتركيزك عن تحديدك عشرة سنوات أو خلال عمرك، فيجب أن تحدد الهدف ومعه تحدد الزمن كى يتزامن تنظيمك للجهد مع الوقت فتصل لحلمك فى الوقت الذى ترتضيه وتجده مناسبا لك ولإمكانياتك وظروفك. فهكذا نحلم لأنفسنا بأنفسنا ولنجعل علاقتنا مع أنفسنا علاقة حب وسلام وتوافق، لنستطيع أن نحدد الأهداف ونضعها نصب أعيننا ونسعى إلى تحقيقها حتى نجعل الحلم حقيقة. فاحلم ولا تكبل أحلامك بقيود ولكن منطق حلمك وأجعله فى أطر المعقول والممكن تجد الأحلام باتت ممكنة.