سافر الرئيس إلى السعودية، ثم حضرت الوزيرة الأمريكية، وظهر القلق فى الحالتين على الوجوه المصرية. ما دلالة السفرة الأولى للرئيس؟ وما تداعيات الزيارة الأولى للوزيرة؟ المخلصون فى مصر كثر، والمتظاهرون لم يخفوا مشاعرهم سواء على أبواب السفارة أو حول القصر الجمهورى. ماذا تريد مصر من السعودية ومن أمريكا؟ وماذا يريدان منها؟ يستحق الأمر أن نتناوله بهدوء، فمصر قد أصبحت الآن بلداً ديمقراطياً يستند رئيسها إلى إرادة شعبية انتخبته وجاءت به إلى السلطة. إذن الرئيس لا يحتاج إلى جهة خارجية تسانده، ولا إلى مباركة أمريكية تثبته وتدعمه. لم تعد هناك حاجة بالرئيس إلى قوة يرتكن إليها غير قوة الشعب، ولم يعد النظام يبحث عن حلفاء فى الخارج غير حلفائه من الشعب، وعلى ذلك أظن أن الرئيس مرسى يشعر بأنه قوى وقوته من قوة الشعب، ويشعر بالثقة فى المستقبل من منطلق أن الشعب معه ويتطلع إليه قائداً للمسيرة، وحارساً عليها أيضاً. ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن الواجب علينا التخلص من الحساسية فى التعامل مع الدول والقوى الأجنبية والعربية، ونفتح صفحة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهذا ما يتعيّن على رجال الرئيس أن يعكفوا على التفكير فيه والتحضير له والسعى إليه.. فلا الرئيس يحتاج إلى السطوة الأمريكية ولا هو يبحث عن الثروة الخليجية..فمصر اليوم قامة كبرى بين دول المنطقة، ومصر اليوم هى الديمقراطية الأكبر فى الشرق الأوسط، وبات على العالم أن يكف عن النظر إلى إسرائيل، باعتبارها واحة الديمقراطية الغالية فى المنطقة، لأن مصر استطاعت أن تخرج من رحم استبداد طويل ومن عهد فساد أطول لتصنع نموذجاً ديمقراطياً يحتذى، وعلى الجميع احترامه وحمايته والدفاع عنه. هذا هو المنطق الآن يا سيادة الرئيس. لقد ودعنا السجن والسجاّن وخلعنا رداء الظلم والطغيان، وأقمنا الديمقراطية على بنيان، وعليك يا سيادة الرئيس أن تتعامل مع السفيرة ومع الوزيرة باعتبارك النموذج والمثل، وعلى الأمريكان أن يقدموا العون مثنى وثلاث ورباع لاجتياز الصعاب وتكملة المشوار. أما عن دول المنطقة يا سيادة الرئيس، فكلهم أخوة عرب ومسلمون، ومصر لهم شقيقة كبيرة قوتها قوة لهم، ونهضتها نهضة لهم، وإذا كانت الشقيقة تساند الأشقاء فهذا هو منطق الأشياء بلا من وبلا رياء. عليك أن تستحضر مفهوم التكامل العربى والإسلامى وتستند إليه فى مسيرة ناهضة بإذن الله. وملايين المصريين الذين يساندون النهضة السعودية لا تقل أهمية وضرورة عن ملايين الدولارات النفطية الواجب توظيفها للنهضة العربية. وطبيعى أن الكبيرة أمريكا تبحث عن توظيف لدول المنطقة بما يخدم مصالحها.. ولا بأس من ذلك شريطة أن تكون مصالحنا حاضرة ياسيادة الرئيس بمنطق الأصدقاء وليس بمنطق التابعين.. اللهم آمين.