رصدت مؤسسة كارنيجى الأمريكية للسلام الدولى حالة الغموض القانونى والكثير من التعقيدات الدستورية التى تواجه مصر، مع اقتراب نظر المحكمة الدستورية العليا فى مدى دستورية القانون الذى تم على أساس انتخاب مجلس لشعب، وكذلك دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية المعروف باسم قانون العزل السياسى، وحذرت من أن إصدار المحكمة الدستورية حكمها فى قانون انتخاب مجلس الشعب قبل تشكيل تأسيسية الدستور يدخل مصر فى عقدة دستورية خطيرة. وقال ناثان براون، الخبير بالمركز وأستاذ العلوم السياس بجامعة جورج تاون الأمريكية إنه على مدار الأشهر القليلة الماضية، أصيب المصريون بالذهول بسبب سيل من الخلافات الدستورية والصراعات القانونية الغامضة لكنها منذرة بالخطر، والأحكام القضائية شديدة الأهمية التى تعيد تكوين العناصر الأساسية للنظام السياسى، وجرى بشكل كامل، تعطيل الآليات القانونية التى وضعت بعناية، والتى تهدف إلى تحقيق عدالة صارمة، ولكن موثوقة، إلى درجة أن تروسها وأجهزتها تدمر بطريقة عبثية غير متماسكة الهيكل السياسى المصرى. ويرى براون إنه لا يوجد لاشىء خطير تماماً يحدث الآن، فقد صمدت العملية الانتقالية فى مصر، لا بل إنها تعززت أحياناً، بسبب سلسلة من التطورات القانونية والقضائية المدهشة، إلا أن الارتباك لا يزال هو سيد الموقف، وربما يكون هناك المزيد من المفاجآت بانتظارنا. فقد انتخب المصريون برلمان لا يعرف ماهية موقفه الدستورى، ومُنحوا إعلانا دستوريا مؤقتا ملئ بالتحفظات الغامضة التى أدت إلى محاولات حزبية لملء الفجوات.. كما أن بعض أهم القرارات السياسية فى مرحلة ما بعد الثورة كحل الحزب الوطنى وحل جمعية تأسيس الدستور وتغيير سياسة الخصخصة الاقتصادية فى عهد مبارك، تقوم بها محاكم تبنى أحكاما جريئة على أساس نصوص تشريعية واهية، وفى الشهور التى تلت سقوط مبارك، بدا أن المحاكم مستعدة لتسريع بعض التغييرات الثورية، وفى الأشهر القليلة الماضية بدت تلك المحاكم وكأنها تحاول الضغط على الفرامل بدلا من ذلك. ويمضى براون قائلا إنه بالنسبة لمن هم فى حاجة إلى اليقين، سيبدو أن الأمور ستصبح أسوأ قريبا، حيث أن أحمد شفيق، أحد المرشحين فى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية يحيط الغموض القانونى بموقفه من الترشح، ويتوقع الكثير من المراقبين القانونيين أن تبطل المحكمة الدستورية العليا القانون الذى انتخب بموجبه البرلمان الحالى. ولو حدث ذلك، فإنه لن يضطر المصريون فقط إلى العودة إلى صناديق الاقتراع، بل سيشهدون أيضا قذف النظام السياسى الذى يعاود الظهور ببطء إلى حالة من التشوش والارتباك. وينقل خبير كارنيجى عن بعض المراقبين المطلعين قولهم إن المحكمة الدستورية ستجد صعوبة فى تجنب إصدار حكم ضد قانون الانتخابات، حيث أنها ستجد صعوبة فى التبرؤ تماما من المنطق الذى استخدمته فى حالات مماثلة جدا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة. لكن الأمور مختلفة الآن عما كان عليه فى الماضى، فعندما تم تجاهل البرلمان الضعيف فى النظام السابق، لم يفتقده أحد. لكن البرلمان الحالى أكثر استقلالا، وحله سيكون له انعكاسات سياسسية حاة قد تقود المحكمة الدستورية العليا إلى إيجاد سبب لمعارضته. من ناحية أخرى، حذر كارنيجى من أن إصدار المحكمة الدستورية العليا لحكمها فى دستورية قانون الانتخابات قبل تشكيل الجمعية التأسيسية يعنى إدخال البلاد فى عقدة دستورية معقدة للغاية. حيث إن الإعلان الدستورى يتطلب أن ينتخب أول برلمان الجمعية، ولو تم حل البرلمان قبلها، فإن العملية الدستورية برمتها ستكون محل حيرة وارتباك أعمق. لكن لو انتظرت المحكمة الدستورية العليا إلى ما بعد تشكيل البرلمان من جديد، فإن المخاطر ستكون أقل، فعندما قامت المحكمة الدستورية بحل الجمعية التأسيسية، أوضحت أنها تعتبر التصرفات التى قام بها البرلمان بالفعل لا تزال سارية المفعول، لذلك ربما تكون الجمعية قادرة على مواصلة عملها دون عائق بسبب حل البرلمان الذى ينتخبها، غير أن وجود عملية صياغة دستور يبدأها برلمان تقرر فى وقت لاحق أنه غير دستورى، سيكون أمراً شاذاً وغريباً، فى الحد الأدنى، وسيشكك فى شرعية أى وثيقة. ويمضى التقرير فى القول إنه من الواضح أن الإسلاميين عموماً، وجماعة الإخوان تحديداً، مذعورون من أنه سيتم حل البرلمان الذى يسيطرون عليه حالياً، وأن من الضرورى إجراء انتخابات جديدة. فقد أوضح زعماء جماعة الإخوان المسلمين أن ذلك كان سببا لقرارهم بنقض تعهّدهم بعدم تقديم مرشّح للانتخابات الرئاسية. إذ وضعوا نصب أعينهم أيضاً المحكمة الدستورية نفسها. وتطرق الخبير الأمريكى إلى الحديث عن المعركة الأخرى المتعلق بدستورية ترشح أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية، وقال إنه غير المحتمل أن تشكك المحكمة الدستورية فى أعمال لجنة الانتخابات الرئاسية، إذ يرأس اللجنة رئيس المحكمة الدستورية المتقاعد، وتضم رئيسها الجديد أيضاً، كما أن المدير الإدارى للجنة هو من المحكمة الدستورية، وعندما رفضت اللجنة تنفيذ القانون، فعلت ذلك بقدر ضئيل من المعرفة الأساسية بميول بعض قضاة المحكمة الدستورية، ولكن إذا كان ثمّة درس يمكن أن يستفاد من العام الماضى، فهو أن أى نتيجة قضائية ممكنة.