إن صعود أسهم المرشح حمدين صباحى فى الأسابيع الثلاثة الأخيرة هو بحق إنجاز تاريخى بمعنى الكلمة يحسب للرجل ولحملته المجتهدة. كانت كل التوقعات تأتى به فى المركز الخامس أو الرابع على أحسن تقدير، أعرف البعض من الذين لم يعطوا أصواتهم لحمدين رغم قناعتهم به لاعتقادهم أن صوتهم سيكون أكثر فاعلية إذا أعطوه للمرشح ذى الحظ الأوفر، وخاب هذا الظن. يزداد الإعجاب عندما نرى صعود حمدين فى هذا الزمن القياسى برغم ضعف الدعم المادى بالمقارنة بباقى المرشحين. لو أتيح لهذا الرجل دعم أكثر أو فترة أطول قليلاً فأعتقد أنه كان سيحقق مفاجأة أكبر. أما الآن فبدلاً من البكاء على اللبن المسكوب على حمدين أن يعمل أولاً على الأخذ بالعبر والدروس المستفادة. وأول درس مستفاد هو الثبات على لون وهوية واحدة، وهذا ما استطاع المرشحون الثلاثة الأوائل إثباته بمن فيهم حمدين نفسه مع الإخوان وشفيق؛ كل واحد منهم كان ثابت الأداء والتوجه ولم يحاول أحد منهم التلون أو استمالة فريق آخر، قد يغازل أفكار الآخر أو يحاول تحييده، لكن الخطر هو أن تحاول أن تطوع مبادئك لخدمة فريق آخر، فإن فعلت ذلك خسرت ثقة الكتلة الرئيسية المؤيدة لك. أما الدرس الثانى فهو أهمية التحالفات وعدم المخاطرة بالعمل المنفرد الذى يفتت القوى المؤيدة.. قد تجد تناقضًا بين هذه النقطة والتى سبقتها ولكنى لا أعنى أبدًا أن تتحالف فتتنازل عن أى من مبادئك.. تحالف مع شريك قد تختلف معه فى بعض القضايا ولكن ضمه لفريقك وكلفه بملف بكامل مسئولياته فهذا الملف هو الأقدر على قيادته.. هكذا يعلموننا فى الشركات العالمية، فلا يجب أبدًا أن يكون الفريق نُسَخًا من القائد، فقد يأتى القائد بعضو يختلف معه فى الفكر ولكنه يضيف إمكانات وقدرات تمكن الفريق من النجاح فى مختلف المهمات.. المهم ألاَّ يختلف أعضاء الفريق على المبادئ الإنسانية العامة كالأمانة والاستقامة.. لم أر أيًّا من المرشحين يحاول فى هذا الاتجاه.. كلهم طمعوا فى اللعب منفردين، أملاً فى الوصول.. ومنهم من حاول ولكنه توقف عند اختلاف الأساليب أو عدم القناعة بدور نائب الرئيس.. أرى أن التحالف يجب أن يتخطى دور النائب.. فمثلاً حمدين من الممكن أن يشارك مرشحًا رئاسيًّا آخر ويتولى ملف العدالة الاجتماعية فلا يتوقف دوره عند نائب رئيس ولكن تمتد سلطته لإدارة الملف بالكامل وما يتبعه من وزارات وصلاحيات. نفس الشىء يمكن أن ينطبق على أى مرشح آخر.. مثلاً أبو الفتوح يتولى ملف الوفاق الوطنى وما أحوجنا إليه هذه الأيام! أو يتولى الإخوان ملف العمل المجتمعى وتطوير المحليات. أما الدرس الثالث فهو أهمية العمل الميدانى فى بناء البرامج الانتخابية وحشد المؤيدين. بالرغم من البذخ فى الصرف الإعلانى فإن تباين نتائج المحافظات يدل على أن التواصل الموحّد ليس بالعامل الأساسى فى استمالة وحشد المؤيدين لصناديق الانتخابات.. حمدين يتعادل مع شفيق فى القاهرة وينتصر بجدارة فى الإسكندرية ويفوز الإخوان فى شبرا وبعض من محافظات الدلتا بينما يتصدر شفيق فى محافظات دلتا أُخرى وفى الصعيد، فى حين أن ملفات بدو سيناء لعمرو موسى صعدت به أمام منافسيه، وزيارة أبو الفتوح لمطروح كانت فعالة إلى حد كبير. يجب الإخلاص أكثر فى النزول إلى الشارع والتواصل مع الناس، ولن يقدر على ذلك شخص واحد فيجب على القائد أن يكون عنده فريق يثق فى قدراته ليرسله شرقًا وغربًا فى مختلف محافظات مصر، يعرف أنه حينما يتكلم أحدهم فإنما هو يتكلم بلسان فريق واحد.. لربما هذه النقطة هى السبب الوحيد للتفوق النسبى للإخوان عن منافسيهم، وهو بالطبع تفوق نسبى ليس كافيًا لتفعيل أغلبية مطلقة، ولكنه على الأقل مثال يحتذى. الآن وبعد أن حصد حمدين ما يقرب من خُمس الأصوات ومعه الأكثر من حب واحترام قطاع واسع من الشعب المصرى.. ماذا سيفعل حمدين؟! الكل سينتظر ويترقب.. الكل متأهب ومتشوق.. أخيرًا بارقة أمل فى قائد نتطلع له ونأخذ برؤيته! لن أقول ماذا يجب أن يفعل حمدين.. سأقول له شيئًا واحدًا فقط.. أتمنى ألا تُنصت فقط لأصوات الثوار الغاضبين من حولك فتَطغى على همس الملايين الذين وقفوا فى صفوف الانتخابات للوصول للصندوق ووضع علامة أمام اسمك.. إن صوت الثائر مهم جدًّا فى شحذ الهمم وتصحيح المسار وإيجاد الطاقة اللازمة للقضاء على الفساد.. ولكن أيضًا لا أنصح أبدًا بالاندفاع والتسرع فى تسجيل مواقف أو الميل لأى جانب على حساب الآخر.. أذكرك بأن أكثرية ناخبيك ليسوا ثوار الفيسبوك أو التوك شو ولكنهم ملايين بسطاء وجدوا فيك الخلاص من التشتت الواضح والمبالغة فى المعسكرات المقابلة. أنصحك بالتأنى البالغ وبأن تعمل على تنمية القاعدة التى بدأتها.. أنصحك بألا تتشتت أو تسعى لمكاسب قصيرة الأجل، ولكن أيضًا أنصحك بألا تغامر فى الابتعاد عن المشهد المؤثر فى خدمة الوطن.. لا تقع أسيرًا لشعبيتك فكم من أشخاصٍ غيرك غامروا فخسروا شعبيتهم رغم قوتها فى سابق عهدهم. حاول أن تتبوأ مكانًا تخدم فيه مصر، لا أقول اذهب وتحالف مع السلطة القادمة فى مصر وإن كان هذا جائزًا جدًّا وممكنًا أن ينجح إذا تم تخطيطه وتنفيذه بعناية، ولكن فقط أقول: حاول أن تبقى وسط الناس بأى عمل ميدانى يخدم الشعب، وما أكثر هذه الخيارات! فقط عليك الاختيار بعناية بما يحقق الصالح العام وما لا يتعارض مع مبادئك وهويتك التى أسرت بها المصريين.. وأخيرًا، وفقنا الله جميعًا لما يحبه ويرضاه لمصرنا الحبيبة.