أعضاء الإنسان لم تعد تختلف كثيراً عن أعضاء الحيوان عندما تحولت إلى سلعة تباع وتشترى، يبيعها فقراء حرمتهم الدنيا من ملذاتها لأغنياء يرفضون مغادرتها للاستمتاع بنعيمها، صفقات باتت من العلم العام بحيث لا تحتاج دليلاً لإثباتها تتم بين طرفين بطبيعة الحال. الأول يفضل استمرار حياة أولاده وذويه عن بقائه فى الدنيا فيستبدل عمره وصحته ببضعة آلاف من الجنيهات يستكمل بها أتباعه جزءاً من حياتهم، والذين بمجرد انتهاء ثمن "السلعة"، أقصد الكلية، يبيع أحدهم أو جميعهم جزءاً من أعضائهم وهكذا. والطرف الثانى يطيل عمره مقابل جزء من أمواله يدفعها للراغب فى الموت وقد يستكمل ورثته – إن اضطروا لذلك - الحياة على حساب أبناء وأتباع الطرف الأول، وما بين البائع والمشترى يوجد الوسيط أو السمسار الذى يتمم الصفقة، وهو هنا لا يتورع أن ينهش أو يسرق الأعضاء من أجساد أطفال الشوارع متى أتيحت له الفرصة. وسط هذا الجو المظلم الكئيب الذى يتنافى وطبيعة البشر السوية وتعاليم السماء يخرج أحيانا من يعترض، يرفض ويتخذ إجراءً، تماما كما فعل رجال الشرطة فى حى السيدة زينب بالقاهرة عندما ألقوا القبض مؤخرا، وعلى غرار ضبطهم عصابة مصاصى الدماء، قبل أقل من شهر، مافيا الاتجار بالأعضاء البشرية التى تضم 4 متهمين بينهم أردنى الجنسية، وهو قائد العصابة، والذى أمرت النيابة بعد تحقيقاتها الأولية بحبسهم 4 أيام على ذمة التحقيق. بشاعة القضية دفعت "اليوم السابع" إلى استكشاف جوانب أخرى للجريمة من أفواه بعض الضحايا والمتهمين الذين كونوا مافيا لتجارة الأعضاء واستغلوا حاجة أطفال الشوارع وانتزعوا منهم أعضاءهم مقابل بضعة آلاف. قال لنا المتهم الرئيسى "عثمان أبو اسكندر"، أردنى الجنسية، إنه تعرف على المتهمة "صباح" عندما اشترى منها محل ملابس بشارع الملك فيصل بالجيزة، حيث عرضت عليه العمل معها فى تجارة الأعضاء، مشيرا إلى أن دوره كان يقتصر فقط على مصاحبة الضحية إلى أحد المعامل الشهيرة بمنطقة المهندسين لعمل التحاليل اللازمة تمهيدا لإجراء عملية نقل كليته. وأوضح عثمان أن نصيبه كان 3 آلاف جنيه على كل ضحية، نافيا أن تكون السلطات الأردنية تلاحقه بتهمة تجارة الأعضاء فى الأردن، وقال إن شقيقه يعيش بالإسكندرية، مؤكداً أن "صباح" وشخصا يدعى "م. الأسمر" هما زعيما العصابة. من جانبه قال "الأسمر" - حلاق 30 سنه - إن صديقا له عرفه على "صباح" بعدما علم أنه يمر بضائقة مالية وعرض عليه بيع كليته مقابل 15 ألف جنيه منذ سنة ونصف لم يحصل منها إلا على 8 آلاف بعدها صار سمسار يستقطب أطفال الشوارع للمتهمين "صباح" و"أبو إسكندر" مقابل 3 آلاف جنيه عن كل رأس. وأضاف الأسمر، أنه كان يقيم بشقة بمنطقة أبو الغيط فى القليوبية قبل إجراء العملية وتوجه إلى أحد المعامل الشهيرة وبعدها دخل إلى مستشفى شهير بمنطقة الزيتون لإجراء العملية وظل يطالب المتهمين بباقى المبلغ، وهو 7 آلاف جنيه، دون جدوى، وعند محاورتنا صباح أصيبت بحالة "تشنج" ولم تقدر على الكلام. فى المقابل كشف عدد من الضحايا تفاصيل مثيرة عن إمبراطورية تجارة الأعضاء وقال "محمد. ع"، سودانى الجنسية 35 سنة، مقيم بمصر منذ 6 أشهر، أنه تعرف على المتهم الأردنى "عثمان" بالإسكندرية عن طريق سمسار وعرض عليه بيع كليته مقابل 8 آلاف دولار، ونظرا لمروره بضائقة مالية وافق وسافر مع المتهم إلى القاهرة وأقام بشقة فى منطقة المقطم لمدة 10 أيام أجرى خلالها التحاليل والأشعة بأحد المعامل، ولكن شاء القدر أن تداهم الشرطة الشقة وتقبض على المتهمين قبل بيع كليته بيوم واحد. كما أكد ضحيتان أردنيتان أنهما تعرفا على المتهم الرئيسى "عثمان" عن طريق صديق لهما وعرض عليهما بيع كليتيهما مقابل 200 ألف دولار لكل منهما، لكنه نصب عليهما وسلمهما 6 آلاف دولار فقط. وبسؤال الشاهد "محمد. س"، 24 سنة بائع متجول، أكد أن سمسارا علم أنه يمر بضائقة فعرض عليه بيع كليته مقابل 15 ألف جنيه، لكنه رفض وأبلغ قسم الشرطة، وأشار إلى أن "صباح" وشريكها "الأسمر" كانا يترددان على جامع السيدة ويستقطبان أطفال الشوارع ويتفقان معهم على بيع كلاهم مقابل 15 ألف لكل منهم بعدها يحتجزونهم بشقة فى المقطم حتى الانتهاء من عملية النقل. وأكدت تحريات المباحث أن "صباح" أجرت 50 عملية شراء كلى من أطفال الشوارع والضحايا التى كانت تحتجزهم بالمقطم بمعاونة "الأسمر" كما أكدت التحقيقات أن المتهمين كانوا يحصلون من الضحايا على بطاقتهم الشخصية لعمل محضر فى أقسام الشرطة برغبة الضحية فى التبرع بكليته، وبعد ذلك يحصلون على موافقة وزارة الصحة التى لا تمنع التبرع مادام بموافقة المتبرع. التحريات كشفت أيضا أن المتهمين كانوا يحصلون على توقيع الضحية على إيصالات أمانة حتى لا يضمنون عدم اعتراضهم فيما بعد، وكان يتولى المتهم الأردنى تسليم الضحية إلى الأطباء فى المستشفيات وبمداهمة شقة المتهمين عثرت الشرطة داخلها على 12 بطاقة شخصية كان أصحابها قبلوا التبرع بأعضاء من أجسادهم. البداية كانت بتلقى قسم شرطة السيدة زينب بلاغاً من "محمد.س"، 24 سنة بائع متجول، محكوم عليه فى قضية تسول بالحبس 3 أشهر، والذى أكد أنه أثناء تواجده بالقرب من مسجد السيدة زينب تقدم إليه شخص وعرض عليه بيع كليته نظير 15 ألف جنيه، فانتقل المقدم محمد محمود الشرقاوى رئيس وحدة مباحث القسم تحت إشراف العقيد أحمد خيرى مفتش المباحث، وتمكن بإرشاده "محمد" من ضبط المذكور، وتبين أنه "رجب.ج"، 27 سنة، سمكرى محكوم عليه فى قضيتين متنوعتين. كما ضبط رجال المباحث المتهم الأساسى "عثمان. م"، 36 سنة، أردنى الجنسية، مقيم فى المعادى ومحكوم عليه فى قضية تبديد، ومطلوب ضبطه من قبل السلطات الأردنية لاتهامه فى الاتجار بالأعضاء البشرية، وبمواجهته أقر بمضمون ما سبق، وأرشد عن اثنين آخرين من معاونيه تم ضبطهما وبصحبتهما "هاشم. م.أ"، 21 سنة عامل مقيم بالبحيرة، حال تجهيزه للتبرع بكليته، وبمواجهتهما أيدا أيضا ما سبق. بإحالة المتهمين إلى نيابة السيدة زينب أمرت بحبسهم 4 أيام على ذمة التحقيق بعد أن وجهت لهم تهمة الاتجار فى الأعضاء البشرية.