للمعتمرين.. تعرف على سعر الريال السعودي اليوم    30 غارة على الضاحية الجنوبية ببيروت في أعنف ليلة منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على لبنان    مدحت شلبي يكشف مصير " زيزو" في نادي الزمالك    احتفالات كبرى بمطار البالون الطائر في الأقصر بذكرى نصر أكتوبر ال51 (بث مباشر)    ارتفاع سعر الذهب اليوم.. عيار 21 يسجل 3578 جنيهاً    والد بلعيد: الأهلي لم يجبرنا على وكيل معين.. وأمير توفيق محترم    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 6 أكتوبر    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 6-10-2024    ارتفاع عدد قتلى إعصار «هيلين» في الولايات المتحدة إلى أكثر من 227 شخصًا    الكويت.. سحب جنسية 63 شخصا بينهم مزدوجان متهمان في قضية سرقة القرن العراقية    تبون يثني على العلاقات بين الجزائر وموسكو    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»..هل الدعم «النقدي» أفضل من «العيني»؟.. عالية المهدي تجيب.. اتحاد الدواجن يكشف سبب ارتفاع أسعار البيض    عاجل.. إسرائيل تعلن الاستعداد لضرب إيران.. و«الخارجية الأمريكية»: لا ضمانات لاستثناء المنشآت النووية.. وقائد عسكري أمريكي يزور المنطقة    شوقي غريب يكشف لأول مرة سبب فشل مفاوضاته مع الإسماعيلي    مدرب مصر السابق: كنت أتمنى ضم نجم الزمالك للمنتخب    ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم الأحد    لماذا تأخر حزب الله في كشف حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين في لبنان؟    «Take My Breathe».. أفضل فيلم عربي طويل بمهرجان الإسكندرية السينمائي    برج الميزان.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: جدد أفكارك    برج الأسد.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: لا تكن أنانيا    بعد شائعات وفاته.. جورج قرداحي يوجه رساله شديدة اللهجة    ملك إسبانيا: الحرب في غزة جلبت دمارا لا يوصف ويجب أن تنتهي    انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة اليوم وتحذيرات من الشبورة المائية على الطرق السريعة    «مفيش خروج من البيت».. محمد رمضان يفاجئ لاعبي الأهلي بقرارات جديدة نارية (تفاصيل)    أحمد السقا يمازح علاء مرسي ويبعده عن ابنته ليرقص معها (فيديو)    رسميًا.. رابط منهج العلوم رابعة ابتدائي pdf والخريطة الزمنية للشرح    من دعاء النبي | اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي    44 ألف سيارة.. الحكومة تعلن مفاجأة جديدة بشأن ذوي الهمم    في ذكرى انتصارات أكتوبر.. كيف خدع «السادات» إسرائيل؟    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المساكن بمنطقة حدائق القبة    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    لتجنب التسمم الغذائي.. الخطوات الصحيحة لتنظيف وغسل «الفراخ»    شعبة الدواء تكشف عن سبب ظهور السوق السوداء    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الأحد 6 أكتوبر    «مصر للطيران» تنقل 286 مصريًا عالقين في لبنان إلى أرض الوطن.. صور    الأمن العام يداهم بؤرة إجرامية.. ومصرع 3 عناصر شديدة الخطورة بقنا    مصرع وإصابة 3 أطفال في تصادم دراجة بخارية وسيارة ملاكي بقنا    الزمالك يقترب من ضم مدافع منتخب مصر (تفاصيل)    يقي من الخرف والألزهايمر.. 5 فوائد صحية لتناول البيض    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    حدث في منتصف الليل| حقيقة تعرض البلاد لشتاء قارس.. وأسباب ارتفاع أسعار الدواجن    استئصال ورم كبير من قلب مريضة بمستشفى جامعة أسيوط    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    «المضل» في بني سويف تضم «مزامير» داود وكنوزًا زاخرة    وائل جسار: عايشين حالة رعب وخوف في لبنان.. ودعم مصر مش جديد علينا    « عز يرتفع والاستثماري يتراجع».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    مصرع طفلة وشقيقها سقطا من الطابق السادس أثناء اللهو ب15 مايو    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    أحمد عبدالحليم: الزمالك استحق لقب السوبر الإفريقي و«الجماهير من حقها الفرحة»    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توابيت غزة وصناديق البيت الأبيض.. هل تصمد ورقة بايدن أمام صفقة نتنياهو وترامب؟
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 07 - 2024

الحَرثُ فى غزَّة والحصاد فى واشنطن. بصورةٍ أو أُخرى صارت الحربُ هنا طرفًا فى الانتخابات هناك، وسواء يعرفُ خَصْمَا الميدان ذلك أو يجهله أحدُهما؛ فإنَّ طرفى اللعبة السياسية يعيان أهمية الورقة ويستثمرانها بقصدٍ واضح. لا يهمُّ ما إذا كان صاحبُ «الطوفان» أراد أن تمتدَّ أمواجُه لأسوار البيت الأبيض أم لم يُرِد؛ فالحال أنَّ القطاع وُضِع على الطاولة بين بايدن وترامب، وكلاهما يعرف أثرَ الجبهة البعيدة ماديًّا ومعنويًّا عن الأمريكيين، والقريبة فى الوقت نفسه لدرجة أنها قد تُغيِّر الحظوظَ والتوازنات، وتُحدِثُ فى السباق ما لم يكن مُعتادًا ولا فى الحسبان. والظاهر أنَّ الفصائلَ لم تضع يدَها بعد على المُعادلة؛ بينما يهضمها نتنياهو ويُحسِن توظيفَها لخدمة أجندته، حتى أنه صار واحدًا من أبرز مُحرِّكات المشهد وعناصره الدعائية، يُغازله مُنافسٌ فيسترضيه الآخر.
استحقاقُ الخامس من نوفمبر له ظروفٌ مُغايرة لكلِّ سوابقه. وصحيح أنه يدورُ فى مناخٍ استقطابىٍّ شديد الاحتشاد داخليًّا، ومُناكفاته الأساسية تبدأ من عمر بايدن وتنتهى إلى إدانة منافسه جنائيًّا، وبينهما حرب أوكرانيا واللاجئون ودعوات الإحلال بآخرين أكثر شبابا أو أقل تمرُّدًا على النظام؛ إلَّا أن احتمال أنْ يسيرَ السباقُ بحالته الراهنة يُقلِّص قيمةَ بعض النقاط ويُعزِّز غيرَها، ومسألة إسرائيل واحدةٌ من العناوين التى لا تبهت أو تتراجع أهميَّتُها لدى الحزبين وجماهيرهما، ويزيدُ تلك المرَّة أنها تتشابكُ مع مروحةٍ واسعة من المسائل الجدليَّة، أهمّها استقرار الشرق الأوسط واتّصاله بالمصالح الحيوية للبلاد، وأكثرها إزعاجًا ما يخصّ إيران والميليشيات الرديفة، وانعكاسات ذلك على حزمةٍ من الشواغل العريضة، طرفها عند مدخل البحر الأحمر والآخر يتّصل بالوجود الأمريكى فى سوريا والعراق.. وباختصار؛ فإنَّ نقاط الصراع على عقول الناخبين ضبابيّة ومُتشابكة؛ والحرب الإقليمية الراهنة قد تكون الضوءَ الكاشف، أو الخردلةَ التى تُرجِّح الميزان.
لا معنى للبكاء على اللبن المسكوب؛ إنما من نافلة القول أن نُؤشِّر إلى الخطأ التكتيكى فى موعد الطوفان، ناهيك عن أخطاءٍ أُخرى فى التفاصيل وإدارة التداعيات. لقد وقع على تخومٍ زمنيّة حَرِجة؛ لكنَّها لم تخلُ من فُسحةٍ مُريحة ليُرتِّب الغريمُ أوراقَه، ويُهندِسَ برنامجه بما يُناسب الحال والاستقبال. من ناحيةٍ، مثّلت الهجمةُ طوقَ إنقاذٍ لحكومة الليكود، وكانت تُواجه موجةً عاتيةً من الغضب الشعبى والسياسى، على خلفية خطَّة الإصلاح القضائى وتقويض صلاحيات المحكمة العليا، أمَّا الضغط الأقسى فتَأتَّى من فاصل الثلاثة عشر شهرًا عن الانتخابات الأمريكية، ما أتاح لبايدن أوَّلاً أن يُعبِّر عن صهيونيته العميقة بكل الصور الجارحة؛ ثمَّ نقل المسألةَ لنطاق المُزايدة مع الجمهوريين بمُيولهم العدوانية؛ لا سيِّما ترامب الباحث عن كلِّ أوراق القوَّة والأفضليّة المُمكنة، فضلاً على أنه قدَّم لإسرائيل ما لم يُقدِّمه سواه، لناحية الدعم المُفرط أو نقل السفارة للقدس والاعتراف بضَمّ الجولان ورعاية اتفاقات إبراهام، والأهم رَدع المحور الشيعى وبَتر أطرافه الفاعلة كسليمانى، والخروج من اتفاقه النووى الذى أبرمه أوباما، راعى مُنافسه وشريكه فى الإدارة السابقة.
لا يشكُّ الإسرائيليون، ونتنياهو بالتحديد، فى ولاء بايدن لدولتهم. لقد سارت الأمورُ معه فى شهور الحرب الأُولى على أفضل ما يكون، وتمتَّعت الحكومةُ اليمينيّة على تطرُّفها الشرس بمظلَّةٍ غير مسبوقة، وواكبتها الإدارة فى كلِّ المحطات، بالسلاح والسياسة، ولم يقعْ الشِّقاق إلَّا بعدما اقتربت عتبةُ الانتخابات، وتصاعدت احتجاجاتُ الجامعات، واستشعر الرئيس خطورةَ الموقف على الشريحة التقدُّميّة من حاضنته، وبين الشباب والأقليات والولايات المُتأرجحة. والمعنى أننا لسنا إزاء خلافٍ عميق؛ بل نزاع على التكتيك والأولويات، وحال عبور محطَّة الاختبار الرئاسى ستعودُ المياه لمجاريها، بعدما يتحلَّل العجوز بايدن من ضغوط الشعبية واسترضاء الناخبين. وهنا تبدو مُغامرة زعيم الليكود مدفوعةً بالرغبة فى ابتزاز السلطة القائمة لآخر قطرة، ثمَّ ترويض تاليتها وتأهيلها لمزيدٍ من التنازلات.
البلدُ الذى يحكمُ العالمَ مُنفردًا لأكثر من سبعة عقود، ويبدو صامدا أمام المُناكفات الروسية الصينية على احتكار قمة الهرم وتدجين النظام الدولى لصالحه، يُساقُ فى جانبٍ آخر على صورة التابع ضخم الجثّة؛ إذ يمضى مشبوكًا فى القاطرة الإسرائيلية الضئيلة حَجمًا وعَزمًا وفاعليّة.. لحساباتٍ استراتيجية صارت المُؤسَّسات العميقة رديفًا دائمًا للصهيونية، وبحسبة المنفعة طُوِّعَت النخبةُ السياسية لإملاءات المراكز المالية وجماعات الضغط، فترسَّخت القناعة بأنه لا سبيلَ للسلطة دون الرقص على إيقاع تل أبيب. الأسابيعُ الأخيرة شهدت إنفاق 20 مليون دولار لإسقاط نائب واحد أمام منافسه فى تمهيديَّات الكونجرس، والرؤساء أكثر حساسيةً واستشرافًا للتقلُّبات. لهذا استغلَّ ترامب الورقةَ فى مُناظرته الأُولى مع بايدن، واتَّهمه بأنه فلسطينى سيِّئ يقسو على الحليف ولا يُحبّه الأعداء، بينما انقلب الأخيرُ على مواقف تصحيحيّةٍ سابقة، دعا فيها لوَقف الحرب فورًا وبدء مسارٍ تَسْوَوى يقود لترتيباتٍ غزِّية طويلة المدى. إنها اللحظةُ الحاسمة تفرضُ نفسَها، ولا يُؤمَلُ فيها أن تكونَ واشنطن راشدةً فى الخطاب أو المُمارسة؛ إذ لن يخرُجَ السياقُ عن مُزايدةٍ جمهوريّة صارخة، تعقبها وساطةٌ ديمقراطيّة خافتة، إنما من دون فواعل حقيقيّة تُغيِّر القواعدَ القائمة أو تدفعُ الجبهةَ بعيدًا ممَّا آلت إليه. أى أنَّ فريقَ الرئيس يُحاول إلقاء الفحمَ خارج النار، بينما ينفخُ مُنافسُه مع اتِّجاه الريح، ويقفُ الصهاينة حُرَّاسًا لألسنة اللهب، والضامنُ لعَدَم اتِّساع الحريق؛ ألَّا يُمنَعُوا من إبقائه مُشتعلاً.
دخل نتنياهو على خطِّ الانتخابات علنًا قبل أسابيع، وبالتحديد عندما صعَّدَ اللهجةَ وأخرج خلافات الكواليس للواجهة. وقتها بثَّ مقطعًا مُصوَّرًا يشكو فيه تقويضَ جهوده الحربية بتعطيل شحنات الأسلحة، والواقع أنها شحنةٌ واحدة من القنابل الثقيلة أُرجِئَت قليلاً، ولا تُؤثِّر فى خططه الجارية عند رفح أو بقيَّة أرجاء القطاع. ربما التفسير الوحيدُ للموقف أنه التحق بحملة ترامب، وكانت الرسالة جزءًا من برنامج الدعاية المُتَّفَق عليه. وتردَّد بالفعل أنَّ اثنين من فريقه زارا تل أبيب، واتّفقا مع حاكمها على عرقلة خطَّة بايدن التى أعلنها أواخر مايو، واستصدر بها قرارًا من مجلس الأمن لاحقًا. بعدها مُباشرةً نَشَط فرعُ الحزب الجمهورى فى العاصمة العبرية، وابتُدِئ نشاطٌ دعائىٌّ يُصوّر الرجلَ الطامح فى العودة للبيت الأبيض صديقًا وحيدًا لإسرائيل، غمزًا لمنافسه من قناة بحثه عن صفقةٍ لتبادُل الأسرى. النزاع هنا على نحو نصف المليون صوت لإسرائيليين مُزدوجى الجنسية، يميلون تقليديًّا للديمقراطيين عكسَ نُظرائهم فى البيئة الأمريكية، والمطلوب توحيد الصوت اليهودى فى الداخل والخارج، ليكون العطاءُ ظاهريًّا على بطاقة الاقتراع؛ إنما ينصرف من ورائها لزعيم الليكود، وهو فى كلِّ الأحوال ليس محلَّ إجماعٍ منهم حاليًا.
مُعضلة الفريق الرئاسى أنهم يُديرون المعركةَ بمُرشَّحٍ خَرِف، وإن كانت مُؤشِّرات الاقتصاد فى صَفِّه؛ فإنَّ الهجرة وتآكُلَ المكانة ونزاعات أوروبا وغيرها تلعب لصالح غريمه الشعبوىِّ اللاذع. ثمَّة أمورٌ لا يُمكن تعويضُها كما فى مسائل انسحاب أفغانستان، وانفلات الحدود وإيران، والخفّة مع موسكو وبكين؛ لكنَّ المشهدَ الغائم فى الشرق الأوسط ما زال فى مُتناوَل الاستدراك. من هنا يلعبُ المُخطِّطون للسياسة والرئاسة على إبرام الصفقة فى المدى المحدود قبل مُؤتمر الحزب، أو فى أسوأ الظروف قبل مُناظرة سبتمبر، وإلحاقًا على ذلك يسعون لامتصاص أثر الدعوة الجمهورية لنتنياهو بمُخاطبة الكونجرس، عبر الترتيب للقاء الرئيس فى البيت الأبيض، والغرض ترويض المدعوّ بورقةِ الاستقبال حتى يُرشِّدَ حديثَه، وسَحبُ البساط من تحت أقدام الصقور المُناوئين فى المُؤسَّسة التشريعية، وتحييد أثر الحدث وما قد يتبعه من مُزايدةٍ ودعايات.
لم يكن بايدن مُرحِّبًا بالحكومة الصهيونية ورئيسها؛ حتى أنّه خرقَ العُرف الثابتَ باستقبال كُلِّ مُكلَّفٍ جديد فى البيت الأبيض، ولم يفعلها حتى إبان وجود نتنياهو فى آخر جمعيّة عامّة للأُمَم المُتّحدة. إنه اليوم ينزلُ عن الشجرة العالية، ويُقدِّم تنازلاتٍ لم يُفكِّر فيها مُسبَقًا، وفى المقابل ردَّ الضيفُ التحيّة ظاهرًا، وأرسل وفدًا أمنيًّا للتفاوض على صفقة التهدئة بعد تعقيب «حماس» الأخير على نُسختها المُعدَّلة. ذهب رئيس الموساد ديفيد برنياع وفريقه للدوحة وعادوا فى اليوم التالى، مع وعدٍ باستكمال الحوار على عناصر الورقة والردود. والحال أنَّ المشهدَ لا يحملُ من المُفردات ما يشى بتغيُّرِ المواقف، وقد لا يعدو الأمر أن يكون مناورةً لشراء الوقت، وتمرير موعد الزيارة دون اضطرارٍ للتنازُل أو تقديم تعهُّداتٍ لا ينوى الوفاء بها. والخلاصةُ هنا أنه يُجارى الإدارةَ الأمريكية بأقلِّ قدرٍ من الأعباء، وسيعود بمزايا غَسل السُّمعة وتجديد الدعاية أمام المُشرِّعين، ووَهج المكتب البيضاوىِّ ورمزيّته السياسية والمعنوية، بينما سيجدُ بايدن كفَّيه فارغتين تقريبًا من أىِّ شىءٍ ذى قيمة، ولو بمقدار الوصمة الأخلاقية المُتأتِّية عن الاستقبال والمُصافحة.
النزاعُ الآن على صناديق الأصوات لا توابيت الموتى؛ فالمعركةُ الانتخابية تقدَّمت على نظيرتها الحربية، والطرفان الأمريكى والإسرائيلى مَعنيَّان بحسم السباق السلطوى أكثر من تقرير مصير المقتلة الشعبية.. نتنياهو يحاولُ توظيفَ الورقة الجمهورية ضد الديمقراطيين، ثمَّ يأخذُ التنازلات من حاكم اللحظة لاستخلاص أضعافها من حاكم المستقبل. والإدارةُ الحالية تبدو هشَّةَ الرؤية وضعيفةً فى أوراق اللعب؛ إذ بعد تعريض الحليف بها فى فيديو الأسلحة استدعت وزيرَ دفاعه لتجفيف بِركة العداوة والاتفاق على مُستقبل الجبهة، وأهمّ عناصره إبقاء الشمال عند توتُّره القائم دون تصعيدٍ مع حزب الله. وبعدما ردَّت «حماس» على المُقترح تلقَّف الطرفان ورقتَها بالتهليل، فقال الأمريكيِّون إنها إيجابيّة، وقال جنرالات إسرائيل إنهم أقربُ للاتفاق من أىِّ وقتٍ مضى، بينما عقّب رئيسُ الحكومة برفضٍ قاطع لأىِّ التزامٍ مكتوب بتمديد المفاوضات غير المُباشرة والعبور بين المراحل. وإجمالاً يبدو السياقُ غائمًا؛ إذ كان جالانت أكثر المُتشدِّدين فى فَتح الجبهة اللبنانية بضربةٍ استباقية، واعترض رئيسُه وزعيمُ حزبه بعد الطوفان مُباشرة، وهو على العكس اليوم يميلُ للتصعيد بينما يُعارضه الجنرال. ولا يمكن هنا الالتفات عن إشارات الشَّرخ العميق بين المستويين السياسى والعسكرى، إنْ فى تنازُع الرُّؤى بشأن الجبهتين ومستقبل غزة، أو فى سابق الإعلان عن هُدنةٍ تكتيكية فى رفح بدون عِلم الحكومة، وتكرار التجاهل مُؤخَّرًا بإطلاق مجموعات من الأسرى بقرارٍ أمنىٍّ مُنفرد.. فكأنَّ طرفًا فى تل أبيب يلعبُ لصالح ترامب، وآخر يُجرِّب كلَّ الأوراق المُمكنة لمُؤازرة بايدن، ولا يلغى هذا الاحتمال أن يتراجع الجيش بين وقتٍ وآخر؛ ليؤكِّد احترامه لأهداف الحرب وانضواءه تحت سقف الإدارة السياسية.
إبرامُ الصفقة اليوم قد يراه الفريقُ الرئاسىُّ إنقاذًا للولاية الثانية؛ فالمرحلةُ الأُولى ستّة أسابيع تُغطِّى مُؤتمر الحزب، والانتقال للثانية ينهى أكتوبر فى ظلال التهدئة، ما يعنى إنقاذَ يوم التصويت من أثر الحرب وضجيج تل أبيب. أمَّا تسييل الوقت على طريقة نتنياهو فيمنحُ ترامب مزيدًا من الفُرصة لاستغلال الأزمة، ويضعُ الاستحقاق تحت نيران القصف المُتبادل مع حماس وحزب الله، فضلاً على احتمالات توسعة الحرب وتداعيات التهديد الإيرانى بالانخراط فيها. وبعيدًا من مُتغيِّرات طهران بفوز الإصلاحى بزشيكان بالرئاسة؛ فالقرارات الاستراتيجية فى عُهدة المرشد، والتركيبة الجديدة تُرخى ستارًا رماديًّا لا يسمح بتوقُّع ارتدادات المحور، وبالتبعية تصبحُ المُغامرة أقربَ إلى المُقامرة واللعب بالنار. إنه صراعٌ مع الزمن فى واشنطن، ومع المنطق فى الشرق الأوسط؛ إذ يلعب بايدن فى الوقت الضائع لإحراز ما عجز عنه طوال تسعة أشهر خارج الضغوط، بينما يُلاقى المُمانعون أعداءهم التوراتيِّين على مهمَّة إسقاط الإدارة الديمقراطية وتصعيد بديلها الجمهورى، وتقضى المصلحةُ أن ينحازوا للعكس. ربما لهذا تراجعت حماس جزئيًّا عن بعض مواقفها؛ إنما بالفلسفة نفسها يُمكن القول إنه عودةٌ للملعب بعد صافرة الحَكَم، وبحثٌ عن الميقات الفلسطينى بعدما فرضَ نتنياهو توقيتَه على المباراة.
كان لقاءُ البيت الأبيض فى السابق يصلُح إغراءً كافيًا لنتنياهو؛ لكنه اليوم يأتى بعدما توافرت البدائلُ ولم يعد فى حاجةٍ لبايدن أصلاً. والمُعضلة أنَّ حلقته استحكمت إلى حَدٍّ خانق، ولن يُقدِمَ على ما يعُدّه تنازُلاً قد يُطيح حكومته ويُخرِجه من المجال السياسى، على صورة الفاشل الفاسد وليس كملكٍ يهودىٍّ كما يرى نفسه دائمًا، وهكذا فإنّه لن تُطوِّعه الإغراءاتُ ولن تردعه الخطوطُ الحُمر. لقد أجبرَ واشنطن على تهديد تيَّار المُمانعة بأنها ستقفُ بجانبه فى أيَّة مواجهة شاملة، ولم يعبأ بعدها بتلميحات بعض جنرالاتها أنهم لن يتمكَّنوا من حمايته تمامًا حالَ الصدام مع حزب الله، وبعدما كان الأمريكيِّون يُوفِّرون غطاءَ السياسة والقوَّة له تطوُّعًا، صاروا يتقافزون اضطرارًا فى مَجمَرته المُشتعلة؛ وإمَّا أن يحتملوا الاحتراقَ البطىء أو يعبروا خارجَها تاركين المكان لبديلٍ جديد.. سيقولُ البعضُ إنَّ الضغوطَ اليومَ جادّةُ أكثر من السابق؛ إنما العبرةُ بالأثر، وبعضُ القوَّة قد تُعطى معنى الرخاوة إنْ تأخَّرت أو أطلَّت فى أوانٍ غير مُناسب، ومن المُستحيل إقناع ذئب تل أبيب العجوز بأن يرتدَّ عربةً فى آخر القطار الأمريكى، بعدما نجح فى أن يُنصِّبَ نفسَه قاطرةً تقود أمريكا بكلِّ ما فيها.. لا غضاضةَ فى توزيع الابتسامات، ومُمارسة هوايته فى التقافز بين عقارب الساعات، وبينما يشربُ نخبَ المودَّة المفقودة مع بايدن، يُلوِّح من داخله للعجوز الساذج، ويتحضَّر للرقص فى حفل تنصيب ترامب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.