الجد و الجدة والأب والأم ثم الأولاد .. تلك هى الأسرة المصرية المتوسطة .. ثلاثة أجيال متعاقبة تشكل تاريخ مصر منذ عام 45 مثلا وحتى عام 2012 أمثل أنا فيهم جيل الوسط، بالمقارنة بين هذه الأجيال الثلاثة سنكتشف تفاوتا عميقا بينهم، داخليا وخارجيا الجيل الأول جيل ثورة 23 يوليو .. جيل تربى على الفن الجميل .. أسوأ ما حدث له، كان أحمد عدويه .. بينما الأغانى الشعبية عنده تعنى حوريه حسن وعبد المطلب. شاهد عمالقة الاقتصاد المصرى أمثال طلعت حرب وعمالقه الأدب المصرى أمثال طه حسين وعمالقة فى كل مجال، كان الضوء مسلطا عليهم أكثر مما هو مسلط على الراقصات والراقصين. تربى على الطعام الخالى من الأسمدة المسرطنة والماء الخالى من الرصاص والهواء الخالى من العوادم، منازلهم مرتبه بصورة تبدو لنا مزعجه بعض الشىء لأننا لم ولن نراها فى منازلنا الجيل الأول عاصر الانتخابات أيام الملكية والتى كانت تذهب بحكومة وتأتى بأخرى ثم تطيح بالأخرى، لتأتى بالأولى فى سابقة لم نعرفها نحن من قبل بينما الملك فوق عرشه لا يتدخل كثيرا فيما يحدث. جيل منظم يعرف تماما ما يريده من الحياه .. فكل شىء له موعد محدد .. السهر بموعد والتليفزيون بموعد والمذاكرة أيضا بموعد. جيل لا يريد المخاطرة بأى شىء مما اكتسبه أثناء رحله حياته .. لا يحب تجربة أى جديد ولا يريد أن يعرف أكثر مما يحتاج، ولكن الجيل الأول كان يعتقد بأننا جيل تافه لا يعرف شيئا عن الكفاح والبداية المتوسطة .. كنت دائما أسمع من والدى أن الشاب منا يريد أن يبدأ حياته من حيث انتهى والديه .. بمنزل به معظم سبل الراحة على الرغم من أن تلك الأجهزة لم تكن متوفره لوالديه إلا فى مرحله متأخرة من العمر، ثم جيلنا نحن .. نحن بكل ما نحمل من متناقضات وعدم القدره على الالتزام بشىء .. جيلنا الذى عانى من الاضطراب العاطفى الذى يبدو واضحا فى منازلنا وتصرفاتنا فى الشارع وأثناء قيادتنا لسياراتنا .. وعدم قدرتنا على الاختيار والذى يبدو حاليا واضحا فى حالة التخبط السياسى التام فى مصر. جيلنا الذى كان مثله الأعلى الفنانيين والمطربين ولاعبى الكرة والذين سلط الإعلام الضوء عليهم بصورة جعلتنا نفكر مليون مرة فى دخول كليات القمة. جيلنا الذى تعنى الأغانى الشعبية بالنسبة له مجرد كلمات جوفاء على الحان مكرره فجه، الذى لم يعرف أبدا انتخابات حرة وكلمة شفاف بالنسبة لنا تعنى ورق رسم الخرائط. الذى لم يرى وزيرا واحدا خرج من الحكومة بصورة شريفة ثم عاد إليها أبدا، الذى لم يفكر فى أن يفعل سوى المعارضة الشفوية والتى قد يتخللها بعض الاعتقالات، جيلنا الذى أكل الطعام المسمم وشرب الماء المسمم وتنفس الهواء المسمم وعاش الحياه السياسية المسممة. هذا الجيل هو الذى خرج من تحت يديه جيل ثوره يناير .. الذى نلجأ إليه بهواتفنا الجوالة لوضع نغمة أو لكتابة اسم أمام رقم شخص نعرفه. جيل يناير .. الذى كنا ننهره بشدة حين يجلس أمام جهاز الكمبيوتر لساعات وساعات، ولا نعرف ماذا يفعل وكنا نظن إنهم يدخلون المواقع الإباحية ويسيئون استخدام التكنولوجيا ثم فوجئنا بأنهم عرفوا معنى جديد لكلمة حقوق الإنسان وحقوق المواطن والمواطنة والحرية والشفافية. الذى رفض الخضوع أمام انعدام الفرص والفهلوه والتسلق والمحسوبية. جيل يناير الذى كنا نحسبه شبابا تافها لا يريد سوى الزواج من الأجنبيات والخروج من مصر لأى دولة أجنبية ثم فوجئنا به يقف بصدره أمام الرصاص. وبين الأجيال الثلاثة فجوه كبيره جدا .. فبينما جلس والداى فى المنزل ولم يخرجا لممارسة حقهم فى الانتخابات إلا بعد تخويفهم بدفع غرامه قدرها 500 جنيه .. ذهبت أنا إلى اللجنة الانتخابية بالصدفة بعد يوم عمل بينما قام أبنى بالذهاب مبكرا مع أصحابه لتنسم أولى نسمات الحرية وظل واقفا هناك يشاهد ويتعلم ويرشد الآخرين إلى لجانهم. وبينما أقف عاجزا أمام مسائل الرياضيات الحديثة التى تدرسها أبنتى الصغرى فى المدرسة ولا أفهم منها شيئا تقوم أبنتى الأكبر منها بشرحها لها بسهولة ويسر وأنظر إليهما وأشعر بأنهما يتحدثان بلغة لا أفهمها .. وعلى الرغم من روعة تفكير الجيل الأول وخبرته وتربيته الجادة وقدرته على التحمل، إلا أن المستقبل الآن يتجه إلى حيث المزيد من التفتح والتكنولوجيا والتعقيد .. فجوالى الذى أفهمه عندما أفتح قائمته أجد عددا لا يزيد عن 12 نافذة أعرف كيف أستخدمها بينما الهواتف الذكية مثلا بها نوافذ تزيد عن ال 30 نافذة .. أقف حائرا أمامها. المستقبل يتطور بسرعة كبيرة وإذا أردنا أن يكون لنا مكانا على أرض هذا المستقبل وليس تحت أرضه فلا يجب أن ننظر إلى الخلف. لا يجب أن نأتى بجيل سابق لنا ليحكم الجيل التالى لنا .. لو فعلنا هذا فسوف يعود بنا الزمن للوراء، ليس إلى حيث الزمن الجميل والهدوء بل إلى الجلوس فى منازلنا فى انتظار توقيع غرامة مالية كبيرة علينا لنمارس حقوقنا الطبيعية.