ظللنا لسنوات نسأل عن سر الحنكليس، فقد كان "رفعت إسماعيل" البطل الأشهر لدكتور أحمد خالد توفيق دائما ما يلقي عبارات من عينة " تلوى كالحنكليس"، "سار مسرعا كالحنكليس" ، " كأي حنكليس يحترم نفسه"، وكنا نرسل له لنسأله عن سر هذا الحنكليس، ولكن إجابته استغرقت سنوات حتى ظهرت. دارت في عقلي ذكرياتي مع الحنكليس بينما أقرأ خبر عن نفاد عنواين الإنترنت المتاحة في بداية العام القادم، نفاد 4 مليار عنوان، تخيلوا؟! عندما كان رفعت إسماعيل يتحدث عن الحنكليس، كان ذلك منذ أكثر من عشر سنوات، لم يكن أمامنا وقتها من وسيلة لمعرفة هذا الحنكليس إلا أن نسأل الدكتور أحمد خالد توفيق نفسه، فنحن لم نكن نعرف حتى المكان الذي يمكننا أن نبحث فيه عن معلومة تخص هذا الحنكليس، وكان البحث عنها، كما البحث عن أي معلومة، يشبه البحث عن "الليمور" بعيدا عن جزيرة مدغشقر. اليوم، أتحدث هنا مع من يعرفون ما هو الحنكليس، لم يعد لتجذبنا أو تثير فضولنا مثل هذه العبارات، فبكل سهولة، وبالاستعانة بالخواجة جوجل، يمكننا أن نجري بحثا عن أي شيء ولو كان " سولينودون هسبانيولي " لنعرف في ثواني كيف هي أخلاقه وعاداته بالتحديد، ولا أستبعد أن يأتي اليوم الذي أدخل فيه جوجل لأبحث عن المكان الذي وضعت فيه حذائي الذي كنت أرتديه أمس الأول، لابد وأنه سيعرف الإجابة!! ولكن الحقيقة أنا أرى أن تأثير تلك العادات الجديدة توغلت كثيرا في جيلنا وتوحدت معه، هناك من يتهمنا بعدم الصبر، ولكن هؤلاء كانوا يقضون أياما وهم يبحثون عن جزر "فيجي" في الأطلس الكبير، وكانوا يتعجبون كثيرا عندما يسمعون معلومة تخص القرد الأخضر، الأمر بحق في ذلك الوقت كان صعبا، والوصول إلى معلومة كان يتطلب أن تكون صبورا كطائر النورس عندما يريد كسر المحارة لأكل الرخوة الموجودة بداخلها. وقتهم كان كل شيء يتم بالصبر، من الآخر مفيش سربعة، الشوارع خالية مثل القطب الشمالي وقت البيات الشتوي، الخضراوات متوفرة مثل "اللاموس" في " النرويج"، إعلانات الوظائف الخالية تذكرك بهجوم قطيع من الجاموس البري على نهر "زمبيزي" الأفريقي وقت فيضانه. مجتمع في صورته السابقة يجب أن يكون هادئا بسيطا صبورا، حتى تطلعاته لابد وأنها محدودة، المتاح أمامه قليل، شبابه لم يشاهد تصارع النجمات على بساط مهرجان القاهرة السينمائي الأحمر ولا فتن بجمال وجه سلاف فواخرجي، هذا إن كان هناك الآن من ينتظر ما سبق!، كان الجمال متاحا للغالبية، ليس لأنه كان سائدا، ولكن لأن ما هو أفضل لم يكن معروفا!! الآن، كله على عينك يا تاجر، إذن المشكلة ليست فينا، المشكلة في أننا أصبحنا أكثر وعيا، نعم جيلنا أكثر وعيا، بمقاييس عصره، ولكنه لم يأخذ فرصته كاملة بعد، لا تنسوا أن في بلدنا يعتبرون الشاب هو الذي تجاوز الخمسين بقليل! البعض لا يدرك أن المسافات الزمنية بين الأجيال انكمشت جدا، بينما اتسعت الهوات الثقافية بينهم، من يكبرني بخمسة أعوام مختلف تماما عني فكرا وثقافة، في الماضي كانت الأمور تتحرك ببطء، في الماضي كانوا يتكلمون عن صفحة النيل الرائقة الخالية من الأمواج، الآن عندما أقف على الكورنيش والله بشوف أمواج! يبقى عاوزين مننا إيه؟؟ لماذا نتهم بعدم الصبر؟؟ المشكلة صدقوني ليست في الصبر، الأمر نسبي كما قال أينتشتين، ما ترى فيه تهورا، أرى فيه أنا تصرفا متزنا، وقد يراه غيري بطيئا إلى حد الملل. ولا أخفي عليكم، مثلما يفعل الحنكليس عادة، أعتقد أن جيلنا ستكون دورة عمره اقصر من الجيل السابق له، ليس صحيحا أن التقدم العلمي سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الأعمار، قد يحدث هذا في المدى القصير مع أجيال سابقة لنا، بينما نحن فلا، أعتقد أننا نستهلك سريعا، مثل كل السلع الموجودة في السوق. دعونا نفكر سويا... الخضراوات مسرطنة وإن لم تكن كذلك فهي مهندسة وراثيا أو على الأقل وضع عليها سيماد كيماوي، لا أتكلم بالطبع عن المزروعة بمياه المجاري. المياه بالتأكيد ملوثة، ولكن الحكومة تؤكد أنها مفيدة للصحة الجنسية كما أكدت الدراسة العلمية، لا أفهم الرابط بين المعلومتين ولكن هكذا وجدتهما! الجو ملوث وزي الفل، بذمتكم إمتى آخر مرة شوفتم ذرة أكسجين نظيفة في جو القاهرة الجميلة؟ الزحام تضخم ونتج معه احتقان الأعصاب وانفلاتها، يعني الضغط والسكر والذي منه. وبعد ده كله يقولوا مستعجلين!!، لازم نكون كده لأن يدوبك نلحق حاجة في الدنيا، بالمناسبة أنا لا أرى مشكلة في كل ما سبق، أنا ابنه ونشأت فيه، ولو وجدت القاهرة يوما خالية من الضجيج لرحلت عنها باحثا عن مدينة تحقق لي أحلامي في العيش الصاخب، ولو أكلت طعاما صحيا لما استطعمته، ولو شربت مياه معدنية غالبا ما ستهاجمني الحصوات. صحيح، من الذي قال أن الحنكليس صبور من الأساس؟! شريف بديع النور