بالرغم من الاختلاف السياسى الحاد بين التيار المدنى وبين التيار الدينى المتمثل فى جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفى، إلا أنه لا ينبغى على التيار المدنى أن ينتشى ويفرح لتوتر العلاقة بين المجلس العسكرى وبين الإخوان المسلمين على النحو الذى يهدد بتكرار سيناريو 1954 عندما انقلب العسكر على الدولة المدنية واستولوا على السلطة وقدموا الإخوان المسلمين كبش فداء، تكرار هذا السيناريو هذه الأيام وبعد قيام ثورة 25 يناير، بالقطع وقولاً واحداً إنما يهدد بنسف قواعد الدولة المدنية التى نصبو إليها جميعاً، دولة الحقوق والحريات، دولة المساواة وسيادة القانون، دولة تحترم الشريعة والشرعية، وأتعجب من بعض التيارات التى تترقب وتأمل وتتمنى حدوث مواجهة وصداماً عنيفاً بين العسكر والإسلاميين، ظناً منهم أن بذلك ستخلو لهم الساحة، وهذا فهم وفكر خاطئ فبرغم اختلافنا سياسياً مع جماعة الإخوان المسلمين إلا أن لهم إسهامات تقدر بقدرها فى ثورة 25 يناير، ولهم إسهامات مجتمعية وخدمية كبيرة داخل المجتمع، ثم إن العسكر إذا استخدموا القوة فى إدارة العملية السياسية واستدعوا سيناريو 54 فلن يفلت من مقصلتهم ليبرالى أو إسلامى وسيقفزون على كل شرعية اكتسبها الوطن بعد الثورة وبذلك نعود أكثر من نصف قرن إلى الوراء، وأنا هنا لا أدعو للصمت على الفكر الإقصائى الذى تستخدمه جماعة الإخوان المسلمين فى ممارساتها السياسية، ولا على محاولاتها فى الانفراد بصياغة دستور البلاد، ولكن أدعو ألا نستدرج نحو مخطط يهدد حلم الدولة المدنية حتى ولو كان على حساب فصيل يمارس السياسة مستنداً إلى المرجعية الدينية، فشرف للتيارات السياسية المدنية والليبرالية أن تكون أقلية فى ظل مناخ سياسى شفاف ونزيه وديمقراطى خير من أن تكون أغلبية فى ساحة سياسية خاوية من المنافسين وتحميها بنادق العسكر، لذلك على الجميع بالفعل أن يتعلموا من دروس الماضى ولا يعطوا الفرصة للمتربصين بالوطن للانقضاض عليه وعلى شرعيته، فبريق السلطة يراودهم، ومشهد مبارك فى القفص يقض مضاجعهم ويتحينون الفرصة المناسبة لسرقة مصر، ولكن هيهات هيهات فالشباب الذى بذل روحه ودمه من أجل إسقاط دولة الفساد والاستبداد على استعداد أن يبذلهما مرة أخرى لإسقاط آخر حصن من حصون دولة الفساد والاستبداد التى تلوثت كل مؤسساتها بالفساد، إذن هيا نسدد ونقارب ونتفق ونتوافق لبناء مصر من جديد، مصر الحرة، مصر الأخلاق، مصر العلم والتكنولوجيا، بعيداً عن براثن الذئاب وليذهبوا إلى جحورهم ويتركونا ندير وطننا بعيداً عنهم.