أؤمن أن للبشر القدرة على الاختيار وتغيير مجرى الأحداث، وإلا ما كان الله قد حاسبهم على أعمالهم. أؤمن أن البشر ليسوا شخصيات فى فيلم تنفذ السيناريو المكتوب لها مسبقا. صحيح أن قوة العادة غالبة، غالبا، وأن ضغوط الواقع وتراكمات الماضى وسمات الشخص تشكل سلوك الفرد بل وتفكيره، لكنها لا تمنعه -إن فتح عقله واستخدم خياله وإرادته- من اتخاذ قرار يفاجئ به من حوله ويغير من مجرى الأحداث. أدعو جماعة الإخوان المسلمين إذن إلى تفتيح العقل، واستخدام الخيال والإرادة، والخروج عن نص السيناريو المكرر الذى يبدو وأننا نشاهد أجزاء منه. تحالف الإخوان مع القوى الديمقراطية المشاركة فى ثورة يناير هو طوق النجاة للإخوان المسلمين، والقوى الديمقراطية، والثورة، ومصر كلها. وهو تحالف ممكن، وتمت تجربته على نطاق صغير فى بدايات الثورة، ورأينا نتائجه المذهلة فى فبراير، داخل مصر وخارجها. يسأل المتشكك: على أى أرضية مشتركة يتم؟ وأقول على أرضية القضاء على الاستبداد، وتقليص القبضة الأمنية على المجتمع، وإعادة بناء النظام السياسى وجميع مؤسسات الدولة على أسس حديثة وعادلة وحرة، وعلى احترام الهوية الإسلامية لأغلبية الشعب المصرى واحترام التنوع داخل وحول هذه الهوية، وعلى إعادة بناء الاقتصاد على أسس المنافسة وحرية العمل والاستثمار مع حماية المجتمع وتمكين الفئات الأضعف ومكافحة الفساد، وتحسين الخدمات الأساسية: التعليم والصحة والمواصلات والإسكان، وعلى سياسة خارجية نشطة وقوية تقوم على حماية المصالح المصرية فى المنطقة والعالم، وجعل مصر مكونا رئيسيا فى النظام العالمى الجارى تشكيله. صحيح أن القوى الديمقراطية مفككة ومشعثة، وتنقسم على نفسها، ويصعب إدخالها فى إطار واحد، لكن من قال إن التحالف يجب أن يضم الجميع؟ إن أرادت بعض الجماعات الصغيرة المتناثرة الحفاظ على نقائها الثورى والبقاء خارج التحالف فلتفعل. لكن هناك أغلبية من هذه القوى أزعم أنها ترغب فى هذا التحالف، وتستطيع إقناع مؤيديها به إن احترم الأرضية المشتركة التى أشرت إليها. تحالف الإخوان مع القوى الديمقراطية -ليبرالية كانت أو يسارية- سيعالج مشكلات الجانبين ويعود عليهما -وعلى مصر كلها- بالنفع، وهذا هو أساس أى شراكة ناجحة. سيطمئن هذا التحالف عموم الشعب المصرى والعالم الخارجى إزاء نوايا الإخوان ورؤيتهم لمستقبل البلاد، وسيعيد توجيه اهتمام المواطن والسياسيين نحو القضايا الهامة الحقيقية التى نواجهها كمجتمع -قضايا الإصلاح السياسى والاجتماعى والاقتصادى- ويطرد الخرافات التى عبأت الجو وعطلت الرؤية مؤخرا، وسيحمى كلا من الإخوان والقوى الديمقراطية من مخاطر عودة الاستبداد والفاشية التى تتجمع نذرها فى الأفق. يتخوف البعض من أن مثل هذا التحالف سيغير من جماعة الإخوان ومن القوى الديمقراطية، وأقول، مع صلاح جاهين: «ده اللى يخاف من الوعد يبقى عبيط». هذا التحالف إن تم سيطور من أسلوب تفكير الإخوان والقوى الديمقراطية ويرفع قدراتهم السياسية ويخلصهم من آثار الاستبداد والعقم السياسى الذى عشناه، باختصار سينقل الجانبين نقلة نوعية للقرن الواحد والعشرين، وهو الأمر الذى شهدنا بعضا منه فى أثناء الأيام الثمانية عشر الأولى من الثورة. لقد انقسمت مصر وقواها السياسية الساعية للنهضة والإصلاح إلى معسكرين منذ بدايات الدولة الحديثة فى مصر، يمثلهما اليوم الإخوان المسلمون والقوى الديمقراطية. واستغل الحكام المستبدون وبطاناتهم هذا الانقسام وجعلوا من أنفسهم الحكم والفاصل بين الفريقين، مدعين لكل فريق أنهم هم الذين يحمونه من الفريق الآخر. وعبر قرنين من الزمان حكم الاستبداديون مصر ونكلوا بالفريقين وفشلوا فى تحقيق النهضة والإصلاح. وحان الوقت للفريقين أن يتصرفا كناضجين، ويفتحا عقليهما ويعملا خيالهما ويمارسا إرادتهما ويتفقا على كلمة سواء هى إليهما أقرب مما يعرضه أهل الاستبداد. إن تم هذا التحالف وصمد، فلن تستطيع قوة داخل مصر أو خارجها أن تقف أمامه وأمام النهضة المصرية