بعد أيام قليلة من عملى فى جريدة الشعب، نهاية 1987، اصطحبنى مدير تحرير الجريدة، الصديق العزيز طلعت رميح للقاء الدكتور محجوب عمر الذى أسس قسم الشئون العربية فى جريدة الشعب، حيث كان يعمل معه مجموعة من الشباب الصحفيين منهم، طارق حسن ومحمود بكرى وأشرف راضى والصديق أحمد مصطفى الذى انتقل للعمل بهيئة الإذاعة البريطانية فى لندن منذ سنوات. كان محجوب عمر قد عاد من بيروت إلى القاهرة قبل سنوات، وافتتح مقرا لمركز الدراسات الفلسطينية، كان يمارس عمله بشكل مؤقت من دار الفتى العربى بجاردن سيتى قبل أن يؤسس مكتبا مستقلا للمركز بعد ذلك. حين أتذكر هذا اللقاء الآن أدرك جيدا أن محجوب عمر، غير حياتى أنا وكثيرين ممن كان لهم شرف العمل معه فى محطات مختلفة من حياته، محجوب عمر هو الاسم الحركى لمواطن مصرى صعيدى ولد فى حى السبتية بالقاهرة، اسمه فى شهادة الميلاد رؤوف نظمى، أما محجوب عمر فهو الاسم الحركى الذى حصل عليه منذ كان فى الحركة الشيوعية قبل ثورة يوليو 1952، وعندما خرج من المعتقل ليسافر إلى الجزائر ويعمل فى تطبيب جرحى الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى، وهناك عرف باسم آخر وهو الحكيم أى الطبيب. غادر محجوب عمر الجزائر بعد انتصار الثورة الجزائرية، وذهب إلى الأردن ليلتحق بحركة فتح، ويصبح أحد المناضلين البارزين فى الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلى، ثم غادر عمان مع المقاومة إلى بيروت بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970، ليشارك فى تأسيس مركز الدراسات الفلسطينية فى ضاحية الفكهانى فى بيروت، وهو المبنى الذى قصفته طائرات الاحتلال الإسرائيلية وخرج منه محجوب عمر ليودع رفاقا نالوا الشهادة فى هذه الغارة. لم تطل إقامة منظمة التحرير الفلسطينية فى بيروت، وخرج المقاتلون بعد الاجتياح الإسرائيلى للبنان إلى تونس، ومن هناك كان رفيقا للرجل الثانى فى المنظمة خليل الوزير أبو جهاد الذى خطط وأشعل الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1988، وكان الحكيم قاد عاد إلى القاهرة ليشكل مع آخرين منهم الدكتور قدرى حفنى والسفير طه الفرنوانى والكاتب الصحفى الراحل لطفى الخولى، اللجنة الوطنية لدعم الانتفاضة الفلسطينية وكان من حسن حظى أن أشارك فى اللجنة الإعلامية لدعم الانتفاضة الفلسطينية بالقاهرة. عاش محجوب عمر حياة مليئة بالأحداث، وتعرض قبل سنوات من وفاته لجلطة أثرت على حركته، لكنها لم تؤثر على تركيزه، وحينما كنت أجلس إليه أتعلم منه سألته مرة: لماذا لا تكتب مذكراتك ياحكيم .. يمكننى أن أحضر إليك عدة ساعات كل يوم وتملى على وأنا أدونها.. فجاء رده ساخرا: ليس لدى ما أكتبه.. هذا الرجل الذى شارك فى الحركة الوطنية المصرية.. وفى ثورتين، واحدة منها هى الثورة الفلسطينية كان قريبا من رئيسها ياسر عرفات طوال سنوات عديدة ومع ذلك كان يرى أنه قطرة فى بحر هذه الثورة، وبالتالى لا يجوز له أن يكتب مذكراته لأن هناك من هم أهم منه.. الأهم فى رأى محجوب عمر هم الفدائيون المجهولون الذين ضحوا بحياتهم من أجل القضية الفلسطينية العادلة. رحل محجوب عمر عن دنيانا السبت الماضى، ونعاه الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى بيان رسمى، وبكاه زملاء النضال، وتلاميذ فى مصر وتونسوالجزائر ولبنان والأردن ترك فى كل واحد منهم أثرا كبيرا فى حياته وشخصيته.. مع السلامة يا حكيم.