استشهاد شخص وإصابة آخرين إثر قصف إسرائيلي على محيط مستشفى رفيق الحريري    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    رواية الشوك والقَرنفل.. السنوار الروائي رسم المشهد الأخير من حياته قبل 20 عاما    الفنانة نورهان: اشتغلت مدرسة إنجليزي بعد الاعتزال.. التمثيل كان يسرقني من الحياة    عاجل - "وزارة الموارد البشرية" ترد على شائعات زيادة 20٪ لمستفيدي الضمان الاجتماعي لشهر نوفمبر 2024    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    «سيدات طائرة الأهلي» يفزن على وادي دجلة في بطولة الدوري    كسر بالجمجمة ونزيف.. ننشر التقرير الطبي لسائق تعدى عليه 4 أشخاص في حلوان    عاجل - تمديد فترة تخفيض مخالفات المرور وإعفاء 50% من الغرامات لهذه المدة    بمستند رسمي..تعرف علي مواعيد قطارات «السكة الحديد» بالتوقيت الشتوي الجديد    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين في حادث انقلاب سيارة بأسيوط    عاجل- كيفية الاستعلام عن موظف وافد برقم الإقامة وخطوات معرفة رقم الحدود عبر أبشر    ثقف نفسك| 10 خطوات هامة لمن يريد الزواج.. تعرف عليها    على الحجار عن «مش روميو وجولييت»: أشكر الجمهور.. ودعوات مجانية للمسرحية    محمد كيلاني داخل الاستوديو لتحضير أغنية جديدة    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    3 مشروبات يتناولها الكثير باستمرار وتسبب مرض السكري.. احذر منها    اشتباكات عنيفة بين عناصر "حزب الله" والجيش الإسرائيلي في عيتا الشعب    وزير الدفاع الأمريكي: سنزود أوكرانيا بما تحتاجه لخوض حربها ضد روسيا    قصف مدفعي مكثف في عيتا الشعب جنوب لبنان    382 يومًا من العدوان.. شهداء ومصابين في تصعيد جديد للاحتلال على غزة    سامسونج تطلق إصدار خاص من هاتف Galaxy Z Fold 6    موقف كمال عبد الواحد من المشاركة بنهائي السوبر، والده يكشف حالته الصحية    حل سحري للإرهاق المزمن    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    النائب العام يبحث مع نظيرته الجنوب إفريقية آليات التعاون القضائي    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    إسرائيل تتوعد: الهجوم على إيران سيكون كبيرًا وسيجبرها على الرد    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    داخل الزراعات.. حبس سائق توكتوك حاول التح.رش بسيدة    عماد متعب: اللاعب بيحب المباريات الكبيرة وكنت موفقا جدا أمام الزمالك    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    أسامة عرابي: الأهلي يحتاج خدمات كهربا رغم أزمته الحالية    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    رانيا يوسف: إشمعنى كلب الهرم يتكرم وكلبي في فيلم أوراق التاروت ما حدش عايز يكرمه؟    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    أبرز المشاهير الذين قاموا بأخطر استعراضات على المسرح (تقرير)    رئيس إنبي: لجنة المسابقات ستشهد نقلة نوعية بعد رحيل عامر حسين    ارتفاع جديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 (تحديث الآن)    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء تواصل الصعود التاريخي.. وعيار 21 يسجل أرقامًا غير مسبوقة    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    ابتعدوا عن 3.. تحذير مهم من محافظة الإسماعيلية بسبب حالة الطقس    "الذكاء الاصطناعي".. دير سيدة البشارة للأقباط الكاثوليك بالإسكندرية يختتم ندوته السنوية    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    "جبران": عرض مسودة قانون العمل الجديد على الحكومة نهاية الأسبوع الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الماريناب.. جُرح لم يلتئم.. القرية تعيش مرحلة ما بعد هدوء فتنة بناء الكنيسة.. والشك يتسلل بين المسلمين والمسيحيين.. الشيخ حبيب: لم أكن محرضا وهناك مفاوضات سرية لاجتثاث الأزمة لكن هناك من يريد إفشالها

يقول الأطباء إن الجرح إذا لم يتم تطهيره جيدًا تتضاعف آثاره، وتقول النصيحة الشعبية إن «التنضيف قبل العلاج» ويقول العقل معهما: «إننا إذا عالجنا، كما كان يعالج النظام السابق، أزماتنا بطريقة سطحية ولم تصل أيادينا للجذور فلن نقتلعها وستعود الأزمة لاحقًا وأكبر مما كانت عليه».
فى أواخر سبتمبر الماضى، فى مدينة إدفو بمحافظة أسوان تفجرت أزمة كنيسة الماريناب، كان خلاف بين المسلمين والمسيحيين من أبناء القرية على مبنى، يقول المسلمون إنه منزل لأحد المسيحيين، وإنه حاول برفقة بعض أبناء دينه تحويله إلى كنيسة، فى حين يقول المسيحيون نقيض ذلك فهو- وفقًا لحديثهم- مبنى لكنيسة يصلون فيها منذ سنوات عديدة حاولوا فقط تطويره.
أحداث القصة معروفة.. صدام بين المسلمين والمسيحيين فى أسوان امتدت آثاره إلى غضب شعبى فى الصعيد ثم تلاه صدام بين قوات الجيش الموجودة أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون بالقاهرة ومتظاهرين أقباط فى الأحداث المعروفة إعلاميًا ب«أحداث ماسبيرو» بالإضافة إلى تقديم كل طرف ما يُثبت ويدعم وجهة نظره من أوراق أو مستندات أو شهادات، إلى أن جاءت لحظة النهاية التى قرر فيها المشير حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى التدخل بحل رآه حاسمًا هو «إعادة المبنى إلى أصله».
قررت «اليوم السابع» خلال زيارة محافظة أسوان، ضمن سلسلة تقارير المحافظات الحدودية، التوجه لتلك القرية الصغيرة التى سالت على خلفية أحداثها دماء كثيرة فى أنحاء مختلفة، كان الظن، وبعضه إثم، أن عدم ذكر الماريناب كثيرًا فى وسائل الإعلام دليل قاطع على هدوء الأوضاع فيها، وجنَحت بنا المثالية إلى القول بأن القرية ستكون رمزًا للوحدة الوطنية، وأننا سنخرج منها وفى حوزتنا صور لشيخ وقسيس «يأكلان فى طبقٍ واحد» أو لصليب وهلال يتجاوران فى علم واحد أو فى لافتة تُرفع على مدخل القرية أو أحد بيوتها، وتوقعنا أن تعكس روايات أهل القرية نهاية التوتر بينهم وشفاء الجرح تمامًا، لكن كل هذا كان حلما جميلا استيقظنا منه على حقائق مختلفة كانت بدايتها كالتالى:
غُرباء مريبون
قبل التوجه إلى الماريناب بيوم وحيد، أجرينا اتصالاً بأحد شباب مدينة إدفو يسكن بالقرب من القرية المقصودة، حاولنا التنسيق معه لتسهيل المهمة بحيثُ نتمكن من رصد المشهد تفصيليا وأبلغنا صبيحة اليوم التالى أن «كل شىء تمام».
طريق طويل قطعناه من أسوان العاصمة إلى إدفو لنصطحب معنا هذا الشاب قبل أن نصل إلى الماريناب الهادئة، وهى لمن لم يزرها قرية بسيطة كغالب قرى إدفو يلفح هواء النيل أبناءها فهى تطل عليه مباشرة ليس بينهما حجاب، الطرق غير ممهدة للسيارات، أغلب تنقلات أبناء القرية على أقدامهم وبعضهم يلجأ للحمير، والبيوت من داخلها تُنبئك بحال أهلها، أثاث متواضع لكنه فى الغالب مُنمق ومتسق.
الآن، تدخل السيارة القرية الهادئة، يوصينا الشاب الأسوانى ب«ركن السيارة» فى مكان محدد بعيد عن قلب القرية، نترجل ثم نقصد المبنى المتنازع عليه، كانت الوصية الأولى والرئيسية منه إلينا ألا نذكر لفظ الكنيسة أمام المسلمين وألا نقول كلمة المبنى أمام المسيحيين.
دقيقتان فقط قطعناهما صوب المبنى، تم استيقافنا خلالهما أكثر من مرة للسؤال عن سبب حضورنا لهذا المكان، ولماذا اخترنا هذا التوقيت رغم وفاة الحادث منذ أشهر؟ وصاحبت الأسئلة اتهامات، قد تبدو منطقية، بأننا جئنا لإشعال فتيل الفتنة الطائفية مجددًا، ولم تستثغ الوجوه القليلة التى قابلتنا، وأصحابها مسلمون، مبرراتنا وأننا ما جئنا إلا للتعرف على الوضع الآن لننقل الصورة تفصيليًا عن هذا المكان.
زاد الطين بلة أن الفتى الذى رافقنا بوصفه دليلاً لنا، لا يعرف إلا أشخاصًا محددين لم يكونوا فى استقبالنا فور دخول الماريناب حتى يزيلوا الحواجز النفسية بيننا وبين أهالى القرية، وهنا تضاعفت الأزمة، فنحن مطالبون أولاً بتعريف الناس بنا ثم الفوز بثقتهم حتى يتحدثوا مطمئنين.
كان الوقوف للرد على كل من يواجهنا فى مدخل القرية وقبل الوصول للمبنى المقصود «بلغة المسلمين» وللكنيسة ب«لغة المسيحيين» أمرًا خاطئًا تداركناه سريعًا لنصل بعد دقائق إلى الهدف الرئيس الذى ننطلق من عنده لنتعرف أولاً على آراء السكان المحيطين ثم تتسع الدائرة قليلاً لنعرف آراء أكثر وأكثر.
أشار الدليل إلى المبنى، وهنا كانت المفاجأة الأولى، فالكنيسة أو المنزل ما زالت مُتهدمة لم تُبن كما ورد فى قرار المشير.. أمامها تواجدت مجموعة من جنود الشرطة أظهرنا هوياتنا لهم وأبلغناهم بطبيعة عملنا فاستأذنوا أولاً فى الاتصال بقائدهم الرائد أحمد المصرى، وفور حضوره طالبنا بعدم تصوير موقع الأحداث أولاً، وتوخى الحذر الشديد عن الحديث مع كلا الطرفين «المسلمين والمسيحيين» بالإضافة إلى تحديد مدة زمنية تنتهى بعدها المهمة، وتم الاتفاق على إنجاز العمل خلال ساعة ونصف الساعة.
شريعة جديدة!
خلف المبنى المتنازع عليه توجد بيوت مسيحيى الماريناب، اشتم أحدهم رائحة الصحافة فينا دون أن يسمع حديثنا بعدما رأى كاميرا فى يد أحد الزملاء، ثم جاء مستفسرًا وعينه على الفتى الأسوانى الذى مهد لنا طريق الوصول إلى القرية.
قبل أن يوجه حديثه إلينا، صرخ فى وجه هذا الشاب قائلاً: «أنت إيه اللى جابك هنا تانى يا أستاذ محمد، حرام عليك مش كفاية».. ثم التفت إلينا ليسأل بغضب عن أسباب قدومنا، وبعدما هدأت فورته بمسكنات الإجابة وافق على اصطحابنا لنتحدث مع بعض المسيحيين، وطلب إمهاله دقائق ليمهد لهم الأمر بشرط ألا نصطحب معنا الشاب الأسوانى إلى المنازل التى سندخلها.
الآن، نبدأ العمل، المقدمات غير مبشرة على الإطلاق لكن ربما تكون خلافات شخصية أو نزعات فردية لا تعكس توجهات عامة لأبناء القرية، وربما كان الخوف من إشعال الفتنة مجددًا هو السبب الرئيسى وراء التخوف من وجودنا.
داخل منزل ملاصق للمبنى المتنازع عليه، وفى حضور 15 من أبناء القرية المسيحيين كان السؤال لماذا لم يتم بناء الكنيسة حتى الآن رغم صدور قرار من المشير طنطاوى بإعادة البناء إلى ما كان عليه، ورغم تأكيد محافظ أسوان سابقًا على الشروع فى عمليات ترميم المكان.
يجيب فوزى إبراهيم: «لا أعلم سببًا واحدًا منطقيًا لعدم البناء غير تواطؤ الجهات المسؤولة وعدم احترام القانون، وكذلك عدم احترام حقوق الأقليات فى ممارسة شعائرها الدينية» مضيفًا: «المحافظ الحالى مسؤول رئيسى عن عدم بناء الكنيسة يقول إنه لا يريد إشعال الفتنة مجددًا، ولا يعلم أن عدم تنفيذ القرارات الرسمية قد يجرنا لاحقًا إلى فتنة أكبر بكثير».
وكان محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد، أحد القيادات السابقة فى الجيش، قد اتهم أيضًا وقت اشتعال الفتنة فى مطلع أكتوبر الماضى بالتسبب فى تسخين الأجواء بسبب تصريح قال فيه إن الماريناب ليست بها كنائس والمبنى المتنازع عليه مجرد مضيفة، وأن المسيحيين خالفوا القانون.
وتابع إبراهيم: «ما قد يتصوره البعض من أن عدم البناء جاء نتيجة استجابة لضغوط من المسلمين فى الماريناب (وهم الأكثرية) أمر خاطئ للغاية وغير صحيح، لأن هناك من أهل القرية من يعلم جيدًا أن المبنى كان لكنيسة وليس لمنزل أو مضيفة كما يتردد، وهناك مسلمون عبروا لنا عن استيائهم من الأحداث السابقة ومن عدم تطبيق قرار إعادة البناء».
«إلى أى مدى تأثرت العلاقة بينكم وبين المسلمين بعد الأحداث؟ وهل عادت إلى ما كانت عليه قبل نهاية سبتمبر؟».. تساؤل أجاب عليه فوزى كامل قائلاً: «الحديث انقطع بيننا وبين كل من شارك فى هدم الكنيسة أو إحراقها، والعلاقة، كما ترى، بها قدر من التوتر ولكن مع فئة محددة وعدد قليل من مسلمى الماريناب وليس جميعهم» وتابع: «قبل الواقعة، كانت الماريناب قرية هادئة وكنا نعيش فى سلام وأمان كأغلب قرى أسوان فنحن (مسلمين ومسيحيين) نريد أن نعيش سويًا ونربى أبناءنا فى جو نقىّ ليست به مشاحنات، ولكن بعد الواقعة تغير كل شىء، ولم يلتئم جرحنا حتى الآن لأننا نشعر بظلم واضح لعدم قدرتنا على الصلاة فى الكنيسة».
ويقص عماد رومانى واقعة حدثت أثناء احتفالات المسيحيين بعيد الميلاد الشهر الماضى قائلاً: «فى كل عام كانت الكنيسة تمتلئ عن آخرها بالمصلين سواء من أبناء الماريناب أو القرى المجاورة، وفى العام الحالى فكرنا أن نصلى داخل الكنيسة أيضًا فى الأماكن التى لم تتهدم، لكننا فوجئنا بقلة من المسلمين ترفض أن نصلى وتبلغنا أن علينا التوجه إلى دير أبو حاجر (دير فى منطقة تبتعد قليلاً عن الماريناب) فقطعنا المسافة إلى أبو حاجر نحن وأبناء القرى المجاورة التى كانت تصلى معنا سابقًا فى الكنيسة، وبعد انتهاء الصلاة (فى ساعة متأخرة من الليل) عدنا إلى القرية، وكان الجو شديد البرودة ما ترتب عليه إصابة أكثر أبنائنا ب(برد شديد) لنذهب بهم صبيحة يوم العيد إلى العيادات الصحية».
يتابع رومانى: «اللى عايزين نعرفه إحنا لينا حق نصلى هنا ولا لأ؟ وليه ما اتنفذش قرار إعادة البناء ولا هو مفيش قانون فى البلد».
يلتقط منه فوزى إبراهيم طرف الحديث مجددًا ويقول: «تعلمنا منذ الصغر أن القرآن يقول «لكم دينكم ولى دين»، ونعلم تسامح الشريعة الإسلامية مع أتباع الديانات الأخرى لكن ما يحدث معنا هنا أمر لا علاقة له بتعاليم الإسلام «ولا حتى كان بيحصل فى عصر الجاهلية».
ويتساءل رومانى بمنطق قد يبدو سديدًا: «فى أى دولة أوروبية، ماذا سيكون شعور المسلمين إذا أصرت السلطات على إغلاق مسجد من مساجدهم؟ وماذا سيكون شعورهم إذا صدر قرار بإعادة المسجد ثم لم ينفذ» وأجاب: «سيشعرون بظلم وقهر واضطهاد وهذا ما نشعر به الآن، خاصة أننا ندرك جيدًا أن القانون غائب وغير مفعّل منذ أحداث الثورة التى لم تأت علينا حتى الآن بخيرٍ نذكره».
وتساءل رفعت عياد عن أسباب استمرار محافظ أسوان فى منصبه رغم التوصيات الكثيرة التى خرجت من اللجان المستقلة التى تابعت الحادث ومن المنظمات الحقوقية بضرورة إقالته لأنه متسبب فى الفتنة، وأضاف: «هل لأنه كان من قيادات الجيش وأحد المقربين من أعضاء المجلس العسكرى يستمر فى منصبه رغم أنوف أبناء محافظته؟».
قطع حديثنا مع الأقباط اتصال من الرائد أحمد المصرى المسؤول عن تأمين موقع المبنى المتنازع عليه، طالبنا فيه بالخروج سريعًا من المنزل الموجودين به دون ذكر السبب، ثم جاءت امرأة مسيحية عجوز قالت إن بعض المسلمين تجمعوا عند مدخل شارع الكنيسة وإنهم ينتظروننا متحفزين».
وقبل انتهاء حديثنا مع مسيحيى الماريناب نالت اتهاماتهم الشرطة وقالوا «إنها منحازة للمسلمين مدللين على ذلك بأمور كثيرة على رأسها طلب الضابط المسؤول عدم تصوير المبنى المتهدم».
6 أبريل و25 يناير
الآن، تتبدل الوجوه، على بعد خطوات قليلة للغاية من المنزل الذى تواجدنا فيه، التقينا الرائد أحمد المصرى ناشدنا بسرعة إنجاز العمل وتوخى الحذر، وأبلغنا أن حالة من الغضب انتابت بعض المسلمين فور علمهم أن صحفيين جاءوا للماريناب وزاد غضبهم «لأنكم بدأتم الحديث مع مسيحيين مجاورين للمبنى المتنازع عليه على حد قوله».
عاد إلينا دليلنا، ذاك الفتى الأسوانى، وأبلغنا أن شائعات كثيرة انتشرت كالنار فى الهشيم أثناء تواجدنا مع المسيحيين، فقال بعض أهالى القرية إن وفدًا من حركة 6 أبريل جاء بهدف زعزعة الاستقرار قبل الذكرى السنوية الأولى للثورة «أحداث هذا التقرير تدور يوم 23 يناير» وقال آخرون إن نجيب ساويرس أرسل صحفيين تابعين له ليشعلوا الفتنة الطائفية مجددًا داخل الماريناب.
نصف ساعة كاملة، حاولنا خلالها شرح أسباب تواجدنا فى المكان، لكن أحدًا لم يستجب، وردد بعض الموجودين أمامنا أن هناك شبابًا من أهل القرية ينتظرون السيارة فى مدخل القرية لتحطيمها بمن فيها عند خروجنا من القرية، ثم أكدوا لنا أن الحديث فى قضية المبنى مرفوض تمامًا وأن هذا الأمر انتهى وطويت صفحته نهائيًا.
لم تفلح محاولاتنا لإقناعهم بضرورة عرض رأيهم وموقفهم ومعرفة أسباب عدم وأد الفتنة بينهم وبين الطرف الآخر، وهممنا بالانصراف بعدما قال لنا أحد الحضور: «اتفضلوا من هنا ومش عايزين مشاكل» لكن أحدهم ويدعى الشيخ حبيب منصور طالبنا بالجلوس وقال لمن حوله: «ما ينفعش يمشى دلوقتى، لازم يسمع كلامنا بدل ما ينشر كلامهم (يقصد المسيحيين) بس».
هدأت الأمور وتم اصطحابنا إلى منزل بسيط مطل على النيل قالوا إنهم استضافوا فيه كل الصحفيين والإعلاميين الذين جاءوا الماريناب خلال الفترة الماضية، قال الحاج حامد بدوى تعليقًا على سبب عدم إعادة المبنى إلى أصله وفقًا لقرار المشير: «نحن لسنا الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذا الأمر، ونوافق على عودة المبنى إلى أصله» واستدرك متسائلا: «ما هو أصل هذا البناء حتى يعود إليه؟.. أصله كان منزلاً ولم توجد فى قريتنا كنيسة على الإطلاق».
واستدل بدوى على صحة حديثه قائلاً: «بعض المسيحيين يقولون إن هذا المبنى لكنيسة تم بناؤها فى ستينيات القرن الماضى، وهذا أمر عار تمامًا من الصحة، لأننى كنت أحد «البنايين» الذين اشتركوا فى بناء هذا المنزل فى الثمانينيات، وكان وقتها مرخصًا باسم معوض يوسف معوض».
ينتقل جمال محمد، أحد ساكنى الماريناب أيضًا من الحديث عن تاريخ المنزل وتفاصيل الأزمة ليتحدث فى نطاق أكثر عمومية بقوله: «لا يمكن أن نمنع مسيحى من الصلاة ومن يردد هذا الحديث مُخطئ تمامًا، ولا نملك أيضًا أن نتدخل فى الحياة الشخصية لأى مواطن أيًا كانت ديانته، لكننا فقط نريد احترام القانون، كيف يتم تحويل مبنى من منزل إلى كنيسة بين يوم وليلة؟» وتابع: «لا توجد خلافات عميقة بيينا وبين المسيحيين من أهل القرية، القصة كلها أننا موافقون دون شك على إعادة المبنى لما كان عليه، لقد كان منزلاً وكانوا يصلون بداخله على حد علمى، وإن أرادوا العودة لهذا الأمر فلا نمانع على الإطلاق، لكن أن يتم تحويله لكنيسة بالمخالفة للقانون فهذا أمر غير مقبول».
مفاوضات الصلح والقمص صليب
هنا، بدأ الشيخ حبيب يتحدث وهو بطل رئيسى فى أزمة الماريناب وفقًا لرواية المسيحيين، فهم يرونه رأس الفتنة والمحرض الأساسى للمسلمين على هدم الكنيسة وأحد العوائق أمام إعادة البناء لتحريضه الدائم ضد المسيحيين على حد قولهم.
يقول الشيخ حبيب، وهو أمين عام لجنة الفتوى بمحافظة أسوان وأحد علماء الأزهر: «اتهامهم لى بأنى رأس الفتنة والسبب الرئيسى وراء إشعال الأحداث أمر يعود إليهم ولا أريد التعليق عليه، لكننى وبصورة شخصية لا توجد بينى وبين أى مسيحى عداوة من قريب أو من بعيد» ودلل على ذلك بأنه قام بشراء دراجة بخارية قبل أيام من مسيحى بالقرية.
يذكر حبيب معلومات، لم يتطرق إليها أحد من سابقيه فيما يخص مرحلة ما بعد هدوء الفتنة فيقول: «هناك مفاوضات جادة حاليًا لاحتواء الأزمة واجتثاثها من جذورها، تتم عبر مجموعة من الجلسات مع قيادات مسيحية للتفاوض معها والوصول لحلول ترضى كل الأطراف» متابعًا: «بعض نصارى القرية لا يعلمون شيئًا عن هذه المفاوضات وهذه أزمتهم الخاصة، لكننا نتواصل مع قياداتهم العليا كالأنبا هدرا أسقف أسوان وغيره ونحن فى الطريق للتوصل إلى حلٍ نهائى».
وقال أمين عام الفتوى بأسوان إن هناك مسيحيين يريدون استمرار الوضع الحالى ويقومون بتعطيل المفاوضات، وخص بالذكر القمص صليب رئيس مطرانية إدفو، مؤكدًا أن الأخير يحاول جاهدًا إفشال كل محاولة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف ويقوم بتحفيز المسيحيين بشكل متواصل ضد المسلمين.
وأرجع حبيب شعور بعض المسيحين بالماريناب بالاضطهاد إلى «طبيعة النفس البشرية» مفسرًا ذلك بقوله: «الأقلية دائمًا تشعر باضطهاد وتفسر كل تصرف ضدها على أنه من قبيل التمييز العنصرى، وهذا أمر لا أساس له من الصحة مطلقًا».
وتعجب الشيخ الأزهرى من الاتهامات الموجهة للمحافظ، سواء من المسيحيين أوغيرهم بقوله: «المحافظ يبذل مجهودًا خارقًا لمحاولة احتواء الأزمة الراهنة، وكذلك مدير مباحث إدفو كل منهما يؤدى ما عليه ولا أعلم سببًا واحدًا لانتقادهما» وتابع: «أشهد للمحافظ الحالى أنه كلما رفض المسيحيون أى طلب أثناء جلسات المفاوضات قام المحافظ بتلبية مطالبهم».
اختتم الشيخ حديثه مؤكدًا أن الجرح فى طريقه للعلاج ما لم تتدخل أطراف موتورة ومشبوهة، «مؤكدًا أن القانون هو الفيصل الأساسى بين كل طوائف الشعب وهو الذى يجب أن تسود كلمته».
غادرنا الجلسة مع الشيخ حبيب فى هذا المنزل الذى يحتضنه النيل مباشرة، توجهنا إلى السيارة قاصدين الرحيل، لم نجد على مدخل القرية شبابا ينتظروننا لتحطيم السيارة، رأينا فقط مسيحيين ممن استضافونا يودعوننا وإلى جوارهم مسلمون يودعوننا أيضًا.. كلاهما ابتسم فى وجهنا ثم نظر إلى جاره متجهمًا ثم انصرفنا وانصرفوا ولم تنصرف آثار هذا الجرح غير الملتئم من قلوب سكان الماريناب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.