دخل الرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما دائرة النقد والتجريح مبكرا، سواء من قبل مؤيديه أو معارضيه، رغم عدم تسلمه مهامه بعد، بسبب غموض اختياراته لأعضاء إدارته الجديدة فى البيت الأبيض، وقائمة أولوياته المحلية والدولية، التى كشف عن رغبته فى التعامل معها مع بدء تسلمه السلطة فى 20 يناير المقبل . المؤشرات الأولى من اختيارات الرئيس باراك أوباما تشير إلى أن شعار "التغيير" الذى نادى به ليل نهار لن يتحقق منه الكثير، لأن أركان إدارته لا يملكون المواهب والقدرات التى تساعده فى تحقيق أهدافه، ونبدأ بوزيرة الخارجية هيلارى كلينتون السيناتور عن نيويورك، فهى سيدة تقليدية، رغم طموحها الكبير، وكل همها يتلخص فى أن تكون أول سيدة تصل إلى البيت الأبيض رئيسا وليس وزيرا للخارجية. ويؤكد المقربون منها أن قبولها المنصب الأخير مجرد محطة فى إطار برنامجها للوصول إلى هدفها، وهو المكتب البيضاوى. فى سبيل تحقيق ذلك تؤيد هيلارى كلينتون، وعلى طول الخط إسرائيل واللوبى اليهودي، وقد أعلنت أن حل القضية الفلسطينية يعتمد فى المقام الأول على الرؤية الإسرائيلية، لأن أوراق اللعبة لم تعد فى البيت الأبيض وتستقر الآن فى تل أبيب .أما مواقفها من القضايا العالمية الأخرى، فهى تقليدية وقريبة جدا من مواقف زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، خلال حقبة التسعينيات. إذن لن يكون هناك تغيير جوهرى فى السياسة الخارجية الأمريكية. فى وزارة الدفاع أبقى الرئيس أوباما على روبرت جيتس وزير الدفاع الثانى فى إدارة الرئيس جورج بوش الابن. وكشف الرجل، فور الإعلان عن استمرار بقائه فى منصبه، عن تمسكه بخططه وبرامجه الهادئة، والتى يطبقها منذ سنوات. الرجل لم يكتف بذلك، بل أعلن احترامه لرغبة الرئيس المنتخب بالانسحاب من العراق خلال 16 شهرا، لكنه قال "إن الأمر يعود فى المقام الأول للقادة العاملين فى العراق والحالة الأمنية على الأرض". مستشار الأمن القومى الجديد هو الجنرال المتقاعد جيمس جونز الرجل الهادئ جدا والمفكر.. لم يكن يوما من الصقور، ويقول المقربون منه إنه لا يحب التغيير المفاجئ . الحال نفسه ينطبق على فريق أوباما الاقتصادى الذى يتكون من فلورانس سامرز وزير الخزانة فى عهد بيل كلينتون، والذى رفض بشدة تقنين وسائل التمويل فى ذلك الوقت لينتهى الأمر إلى أزمة القروض العقارية التى أكلت الأخضر واليابس فى عهد جورج بوش . الكثير من الأمريكيين محبطون، خاصة التقدميين منهم، الذين يطالبون بالتغيير لأن الرئيس المنتخب مال فى اختياراته إلى الوسطية على أمل كسب تأييد الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى الوقت عينه . قائمة أولويات الرئيس المنتخب تغيرت كثيرا، خاصة على الصعيد الدولى بعد إعلان مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكية "أنه بحلول العام 2025 سيشهد العالم انحسارا كبيرا للقوة الأمريكية، وسيصبح العالم متعددا للأقطاب، حيث انتهى عصر القطب الواحد الذى لم يعد له وجود" . الاستخبارات الأمريكية دعت الرئيس باراك أوباما إلى معالجة الأمر بهدوء، والعمل على التقليل من الخسائر الأمريكية إلى أقصى حد، والاهتمام بالحلفاء وعقد الصفقات السرية وغير السرية مع بعض الدول للحفاظ على الدور الأمريكى والعمل على إحلال التوازن بين القوى العالمية حتى لا تنفرد دولة ما بالعالم مستقبلا . الرئيس المنتخب يواجه قائمة ضخمة من التحديات فى هذا الجانب.. ويمكن وصفه بالرئيس سيئ الحظ فى التاريخ الأمريكى، لأن الولاياتالمتحدة لم تعد كما كانت، حيث تعانى من أزمة مالية خانقة كشفت ضعفها أمام العالم أجمع، خاصة بعد وصول الدين العام إلى عشرة تريليونات دولار، فى الوقت الذى تملك فيه الصين 10 ٪ من العملة الأمريكية. وتنامى نفوذ روسيا الغنية بالطاقة، وكذلك النمو الكبير الذى شهده الاتحاد الأوروبى وعملته اليورو على حساب الدولار . الولاياتالمتحدة تمر بلحظة غير مسبوقة على كل الأصعدة، مَن كان يصدق أن يصل عدد الخاسرين لوظائفهم إلى 540 ألف مواطن أمريكى فى شهر واحد هو نوفمبر الماضى . الأزمة المالية وحربا العراق وأفغانستان ساعدت فى القضاء على الهيمنة الأمريكية "القطب الأوحد" فى العالم والتى استمرت 18 عاما فقط، تنتهى مع انتهاء ولاية الرئيس الحالى جورج بوش، ونجاح الصين فى الاحتفاظ بميزة نموها الاقتصادى الذى يفوق الولاياتالمتحدة، وكذلك روسيا التى تعود بقوة معتمدة على ثرواتها النفطية الهائلة، وكذلك الهند التى أصبحت عضوا فاعلا فى النادى النووى وعالم الفضاء والتكنولوجيا المتقدمة . على الإدارة الأمريكيةالجديدة القبول بحقيقة تراجع القوة الأمريكية، وعدم الاستمرار المتشدد فى نهج الأحادية التى كان يدافع عنها الرئيس الحالى جورج بوش والتى بسببها خسرت واشنطن الكثير من سلطتها وهيمنتها على العالم . أمريكا الحالية ليست أمريكا التسعينيات، وعلى العرب ترتيب أولوياتهم، وفقا لهذه الحقيقة التى يعترف بها الأمريكان أنفسهم، ويرتبون أمورهم الآن، وفقا لذلك .