قالت الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية إن جهود الإصلاح وما يتميز به الاقتصاد المصري من تنوع في القطاعات، ساهمت في أن يصبح الاقتصاد المصري أكثر مرونة وقدرة على استيعاب الصدمات الاقتصادية الخارجية ومن بينها الأخطار الإقليمية المتزايدة وأزمة فيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى انعكاسات الأزماتِ العالميةِ والأحداثِ الجيوسياسيةِ الراهنةِ على الأوضاع الاقتصادية في مصر والعالم . جاء ذلك خلال كلمتها التي ألقاها نيابة عنها الدكتور أحمد كمالي نائب وزيرة التخطيط في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة المنعقد بعنوان "الدولة المصرية الجديدة والتنمية المستدامة: الفرص والتحديات"، وذلك بحضور الدكتور محمد عثمان الخشت - رئيس جامعة القاهرة، و الدكتور محمود السعيد - عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ليزلي رييد – مديرة بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر، سلوى طبالة، كبير مستشاري الحوكمة، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
واستعرضت السعيد أبرز جهود الدولة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة خلال السنوات الأخيرة في ظل التحديات الراهنة مؤكدة أن تنفيذ الحكومة للعديد من الإصلاحات، من خلال المرحلة الأولى للبرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي منذ نوفمبر 2016، قد أدى إلى تحقيق الاستقرار الكلي والنمو الشامل، والذي انعكس على المؤشرات الإيجابية التي شهدها الاقتصاد المصري خلال عام 19/2020 وقبل حدوث أزمة كوفيد 19، حيث حقق الاقتصاد المصري معدل نمو تصاعدي بلغ نحو 5.6% في النصف الأول من عام 19/2020، وهو أعلى معدل نمو متحقق منذ ما يزيد عن أحد عشر عامًا، فضلاً عن وجود حيز مالي أتاح للحكومة اتخاذ العديد من الإجراءات لتخفيف آثار الأزمة على العديد من الفئات والقطاعات، وهو ما عَزَّز قدرة الدولة المصرية على الصمود.
وتابعت السعيد أنه جاء بعد ذلك البرنامج الوطني للإصلاح الهيكلي، الذي تم تدشينه في أبريل 2021، والذي يُعد بمثابة المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ليستهدف إعادة هيكلة الاقتصاد المصري وتنويع الهيكل الإنتاجي بالتركيز على قطاعات الاقتصاد الحقيقي، وهي: قطاع الزراعة- قطاع الصناعة- قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب المحاور الأخرى الداعمة للبرنامج، وأبرزها تحسين بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص، ودعم التحول للاقتصاد الأخضر، والمحافظة على الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، بالإضافة إلى رفع كفاءة ومرونة سوق العمل وتطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني؛ والحوكمة ورفع كفاءة المؤسسات العامة؛ وتعزيز الشمول المالي وإتاحة التمويل؛ وتنمية رأس المال البشري (التعليم– الصحة- الحماية الاجتماعية).
وأشارت السعيد إلى المَلامِحَ الرئيسةَ لخِطّة التَنْميَة المُستدامة للعامِ المَالي22/23، التي تم وضعها استنادًا إلى مُؤشّراتِ أداء الاقتصاد المصري خلال النصف الثاني من عام 2021 والرُبعِ الأوّلِ من عام 2022، لتأتي متضمنةً عِدّة تَوجُهّات وأهداف استراتيجيّة تمثل أولويات الدولة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في الفترة المستهدفة، بالإضافة إلى استعراض الخطواتِ الاستباقيّةِ التي اتخذتْها الحكومةُ المصريةُ لمجابهة الانعكاساتِ المُتوقّعةِ للأزماتِ العالميةِ والأحداثِ الجيوسياسيةِ الراهنةِ، ومن ثَمَ، فقد استهدفت الخطة تفعيل البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، وتعزيز توجّه الدولة لتحفيز مُشاركة القطاع الخاص في الجهودِ الإنمائيةِ، بالإضافة إلى تدعيم التنافسيّةِ الدوليّةِ للاقتصاد المصري، من خلال تعزيز ركائز الاقتصادِ المَعرِفي والاقتصادِ الرقمي والتحرّك صَوب الاقتصاد الأخضر، من خلال التركيز على مُبادراتِ التحسين البيئي والتطبيق الدقيق لمَعايير الاستدامة البيئية على جميع المشروعات، خصوصًا مع استضافة مصر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأممالمتحدة لتغيّر المناخ القادمCOP27، حيث تُبرِزُ الخِطّة حِرصَ مصر على تبنّي المُبادرات الحكوميّة الداعمة للنمو الأخضر المُستدام لتُشكّلَ استثماراتُها نسبة 40% من إجمالي الاستثمارات العامة في عام الخِطّة، مُقابِل 30% في الوقت الراهن، استهدافاً للوصول إلى 50% بحلول عام 24/2025.
وحول آليات الدولة لبناء الإنسان وتمكين الشباب في الدولة الجديدة أكدت السعيد اهتمام الحكومة بالتعليم، والتوسع في الاستثمار في البشر، وتمكين الشباب وتأهيلهم لسوق العمل وللقيادة تحقيقاً للهدف الاستراتيجي والتوجّه الأعم والأشمل الذي تتبناه الدولة؛ وهو بناء الانسان المصري بمفهومه الشامل، فيأتي ذلك في مقدمة أولويات الخطة، وفي القلب من توجّه الدولة المصرية ورؤيتها لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتحقيقًا لذلك الهدف تعمل الدولة على زيادة الاستثمارات العامة المخصصة لمجالات بناء الانسان المختلفة خلال الثمان سنوات السابقة (14/2015، 21/2022)، حيث وجّهت الدولة من الموازنة العامة ما يزيد عن 1.88 تريليون جنيه، بمعدل نمو بلغ 187%، مُقارنة بالثمان سنوات التي سبقتها (06/2007 – 13/2014)، فضلاً عن تجاوز الاستثمارات العامة الموجهة لتلك القطاعات 348 مليار جنيه خلال الفترة (14/2015- 21/2022)، بنسبة نمو 390% مقارنةً بالفترة (06/2007 – 13/2014).
وأضافت السعيد أنه تأكيدًا للعلاقة المتبادلة والوثيقة بين تمكين الشباب وبناء الدولة الجديدة، فقد استهدفت استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 التعليم باعتباره هدفًا مشتركًا بين كافة المحاور في البُعد الاقتصادي، والبُعد الاجتماعي، والبُعد البيئي، فتعمل الدولة على النهوض بقطاع التعليم من خلال استراتيجيةٍ شاملةٍ لتطوير التعليم سواء العام أو الفني بهدف تحسين جودة النظام التعليمي بما يتوافق مع النظم العالمية، والعمل كذلك على إتاحة التعليم للجميع، وتحسين تنافسية نظم ومُخرجات عملية التعليم لتُلائم متطلبات سوق العمل، وهو ما ينعكس أيضاً على اهتمام الدولة، بكافة مؤسساتها، بالتوسع في برامج التدريب وبناء القدرات في مختلف مجالات التدريب وريادة الأعمال بهدف تأهيلِ الكوادر خصوصًا من الشبابِ والمرأة لمواكبة المتطلبات المتغيرة والمتسارعة لسوقِ العمل، ولتمكينهم سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، للمساهمة بفاعلية في تنفيذ برامج التنمية.
وأوضحت السعيد أن بناء المستقبل وإرساء دعائم الدولة المصرية الجديدة لا يمكن أن يتم بمعزل عن تحقيق النمو الاحتوائيInclusive Growth والمستدام والتنمية الإقليمية المتوازنة، وهو المفهوم الذي يمثّل أحد الركائز الأساسية لرؤية مصر 2030، ويهدف لتعظيم الاستفادة من المزايا النسبية للمحافظات والأقاليم المصرية، وتوجيه الاستثمارات في إطار الخطة العامة للدولة بشكل أكثر كفاءة وفاعلية، مع التركيز على المحافظات التي لديها فجوات تنموية أكبر.
وأشارت السعيد إلى خِطّة التَنْميَة المُستدامة للعامِ المَالي22/23 والتي تتضمن مجموعة من برامج ومُبادرات التنمية المكانية، بما يتيح توجيه 1.4 مليار جنيه لإنشاء مُجمعات الخدمات الحكومية في المُحافظات، وتطوير 75 تجمّعًا حضريًا ضمن المرحلة الأولى لمُبادرة "حياة كريمة" باعتمادات 10 مليار جنيه، في إطار اهتمام الدولة بتوطين أهداف التنمية المُستدامة في المحافظات، وتحقيق التكامُل بين الجهود التنموية في الريف والحضر، وسد الفجوات التنموية بين المناطق المُختلفة.
وسلطت السعيد الضوء على أبرز عوائد جهود الإصلاح الاقتصادي واستشراف المستقبل موضحة أنه كان من المُنتظر أن يُحقّق عام 21/2022 نموًا قَدرُه 6.4% بعد التعافي التدريجي من الجائحة، ولاسيّما أن الشهور التسعة الأولى من العام سجّل مُعدّل نمو مُرتفع في حدود 7.8%، إلا أنه – بِسبب التأثيرات السلبيّة للأزمة الروسيّة/الأوكرانيّة، فمن المنتظر أن يتجاوز معدل النمو الاقتصادي في العام الجاري 6%، وتُعَد هذه المُعدّلات مُرتفعة مُقارنةً بالمُعدّل المُحقّق في عام 20/2021 والبالغ 3.3%، وفي عام 19/2020 وقدرُه 3.6%، وبالمُقارنة بِدولٍ أُخرى عَدِيدةٍ تدورُ مُعدّلات نُموّها حاليًا بين 3% و4% (عَدا الصين والهند).
وأضافت السعيد أنه استجابة لهذه الجهود وما نتج عنها من استقرار اقتصادي عزز قدرة الدولة المصرية على الحفاظ على معدلات نمو إيجابية مرتفعة، نسبياً، فقد رفعت المؤسسات الدولية (صندوق النقد والبنك الدولي) تقديراتها لمعدلات النمو في مصر لتكون 6.2% بدلاً من 5.9% العام الحالي، وفقاً للتقديرات السابقة، منوهة أن خِطة عام 22/2023 تستهدف إحداثِ طفرة استثمارية كبيرة، حيث أنه للعام الثاني على التوالي – تتجاوزُ الاستثمارات المُقدّرة التريليون جنيه، لتُسجّل نحو 1.45 تريليون جنيه، بالمُقارنة باستثماراتٍ مُتوقّعةٍ لعام 21/2022 قدرُها 1.24 تريليون جنيه، بنسبة نمو تُناهِز 17%، ومن المُستهدف تخصيص نحو 1.1 تريليون جنيه كاستثمارات عامة بنسبة 76% من إجمالي الاستثمارات.