لم يتبق إلا أيام وتحل الذكرى الأولى لثورة الحق، انقضى عام الثورة المجيدة، ومرت على مصر سنة بثلاثين سنة، ففيها تحطمت قلاع الظلم وسقطت دولة الفساد، وتوارى الطاغية مبارك وأذناب نظامه وراء القضبان. فى مثل هذه الأيام كانت مصر تتجرع الألم وتذرف الدموع بعد المسرحية الهزلية التى عرضها مبارك على شعبه، والمسماة بانتخابات برلمان 2010، والذى كان المسمار الأخير فى نعش ذلك الحكم البائد. وها نحن الآن تهب علينا نسمات الحرية وننعم بأول انتخابات حقيقة، ويشارك الصغير فينا قبل الكبير فى صنع القرار فى بلاده ونظهر فى الفضائيات وعلى صفحات الجرائد ونتكلم بحرية مطلقة فنهاجم وندافع ونطالب وننحاز وننتقد، ولكن عندما نمر بميدان التحرير أو ميدان الأربعين أو المنشية وغيرها من المناطق المشتعلة التى كانت شاهدة على معارك التحرر من العبودية أشعر بالخذى وأتوارى خجلا من تذكر شهداء هذه الأحداث والذين لولاهم بعد الله سبحانه وتعالى ما نجحت هذه الثورة، ولعل عزائى الوحيد أن قضيتهم بين أيدى قضاة مصر الشرفاء، فقضاء مصر النزيهة وقف فى وجه مبارك مطالبا باستقلال السلطة القضائية، قضاة مصر سطروا أعظم آيات النبل والشرف حين كونوا حركة بينهم طالبت بتعديل قانون السلطة القضائية فى 2005، وكان للمستشار محمود الخضيرى موقف بطولى حين أعلن استقالته فى 2009 موجها رسالته الشهيرة "أعتبر أن استقالتى صرخة احتجاج فى وجه الأوضاع الحالية بالقضاء، وأتمنى أن تحدث نوعاً من الجدية لإصلاحه". الأمل فيكم يا قضاء مصر بعد الله سبحانه وتعالى، فهل تثلجوا قلوب الثكلاى، وتريحوا الشهداء وتدراؤا نار الفتن بأحكام عادلة تقتص لشعب مصر من هؤلاء القتلة المفسدين، وتكون خير بداية لمصر الجديدة. أتمنى أن تحل علينا ذكرى الثورة ونحن نحتفل بالقصاص من قتلة شعب مصر، أتمنى أن يكون ميدان التحرير فى هذه الذكرى سرادق عزاء كبير لكل شهداء مصر، يا قضاة مصر لا تخشوا فى الحق لومة لائم وليخرج منكم رجالا شرفاء كالخضيرى ومكى وعبد العزيز وغيرهم، لينطقوا بحكم عادل ويكون هذا اليوم عيدا للقضاء وبداية لدولة حق، فالعدل يورث الغنى والظلم يورث الفقر، فحكمكم العادل سيرثى دولة القانون، ويقتلع جذور البغى والطغيان، ويكون رسالة وعظة إلى كل من يحكم مصر. قضاة مصر أذكركم بقول الرسول صلى الله علية وسلم "سبعة سيظلهم الله بظلة يوم لا ظل إلا ظله... إمام عادل". وأذكركم بالآية التى ترفعوها فوق رؤسكم فى كل منابر العدل، بسم الله الرحمن الرحيم "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا".