"أنا مصاب بلوكيميا الدم، لكننى لا أخاف الموت، كل ما أفكر فيه هو كيفية استغلال كل لحظة من حياتى فى عمل مفيد" تلك كانت الكلمات القليلة التى بدأ بها المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد الفيلم التسجيلى:selves&others صورة لإدوارد سعيد.. والذى صورته قناة الجزيرة قبل وفاته بوقت قليل وعرضه أمس، الأربعاء، المركز الفرنسى للثقافة والتعاون. كلمات إدوارد سعيد تكشف عن جانب كبير من شخصيته، فكثيرا ما شعر فى طفولته بالتشتت بسبب حمله للعديد من الهويات، فهو فلسطينى بحكم ميلاده فى القدس عام 1935، وتحول إلى لاجئ بعد تقسيم فلسطين سنة 1947. والدته تحمل الجنسية الفلسطينية واللبنانية، فى حين أن والده فلسطينى يحمل الجنسية الأمريكية، وهو مسيحى يعيش فى مصر وسط أغلبية مسلمة ويدرس فى كلية فكتوريا التى تضم جنسيات عدة حيث اللغة الإنجليزية هى لغة الدراسة. ومن الإسكندرية انتقل للعيش فى الولاياتالمتحدة، حيث قرر والداه إرساله إلى المدرسة التحضيرية فى ماساشوستس.. ليتخرج من جامعة برنستون الأمريكية، حيث حصل على درجة الماجستير، ومن ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد. ومع كل هذه الهويات التى يحملها بداخله، لم يشعر بالانتماء إلى أى منها، فقد كان انتماؤه الأول للإنسانية، لذلك كان موقفه من القضية الفلسطينية غير مستساغ لبعض المثقفين، وخاصة حين أعلن رفضه للعمليات الانتحارية. فهو يرى أنه لابد أن تتواجد إسرائيل فى المشروع الفلسطينى، وأن تتواجد فلسطين فى المشروع الإسرائيلى، وتأكيده على دور المجتمع المدنى فى تحقيق هذه المعادلة. علاقته بالولاياتالمتحدة تبدو شديدة الغرابة، فرغم أنها الدولة التى يعيش فيها ويحمل جنسيتها، إلا أنه لم يشعر يوما أنها بلده ويذكر عندما قال له أحد الأمريكان المارين بجواره فى الشارع بعد هزيمة 1976: "إننا سننتصر حتما" فالمجتمع الأمريكى يعضد إسرائيل ويرى انتصارها جزء من انتصاره. وأشار خلال الفيلم أن هناك بعض المفاهيم التى يروجها الإعلام الأمريكى وخاصة مقولة إن إسرائيل دولة ديمقراطية تسعى إلى السلام. لقطات سريعة تحدث خلالها عن علاقة المفكر بالسلطة فالمفكر ليس دوره أن يدعم النظام الحاكم، إنما ينتقده ويحاول إيجاد البدائل دوما. كانت آراء ومؤلفات إدوارد سعيد مثارا للجدل والنقاش خاصة، أنه يلزم جانب الحياد فى مناقشة أى قضية، فلا يتعصب لفلسطين لمجرد أنها بلد نشأته، بل ينتقد الكثير من تصرفات ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية السابق، وخاصة توقيعه على اتفاقية أسلو. هو مسيحى يدافع عن الإسلام وفلسطينى يرفض العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيلين، وهو العربى الذى تنقل بين فلسطين ومصر ولبنان، كما درس فى أمريكا وعاش فيها وأصبح بروفيسورا فى جامعاتها، ولا يألوا جهدا فى كشف سياساتها. الموسيقى مصدر من مصادر إلهام إدوارد سعيد الذى كان محبا للعزف على البيانو، والذى يحمل أحد المعاهد الموسيقية فى فلسطين اسمه تكريما له. فى المشهد الأخير يظهر إدوارد سعيد حاملا صورة له باللونين الأبيض والأسود، وإن كان يغلب عليها الأسود، مصور محترف التقطها له بعد إصابته بلوكيميا الدم، وأخذ يصفها بأنها حزينة وصارمة.