قرار جمهوري بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء    جامعة بنها الأهلية تختار مديري البرامج بالكليات    "دفاع النواب": 30 يونيو منعطف تاريخي أظهر معدن الشعب المصري وشجاعة السيسي    سعر الدولار في 9 بنوك مع نهاية تعاملات الخميس    لمنع التلاعب.. محافظ المنيا يشكل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة للمزارعين    يديعوت أحرونوت: عودة جيش الاحتلال لحي الشجاعية تثير تساؤلات بإسرائيل    مباراة العودة بين بايدن وترامب.. كروت ونقاط ضعف المرشحين لرئاسة أمريكا    أخبار الأهلي: الأهلي يضع شرطًا للموافقة على رحيل أليو ديانج    كلمة السر ولاد العم.. مباحث قنا تكشف غموض جثة المحور    زوجها سرقها فعاقبته على غرار فيلم "المرأة والساطور".. المحكمة تحسم مصير "نصرة"    جامعة الأقصر تشترك في مشروع وثيقة التأمين الشامل على حياة الطلاب    مودرن فيوتشر يتقدم على الجونة في الشوط الأول    محافظ بني سويف يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 30 يونيه    تخطى ال13 مليون جنيه.. إيرادات فيلم "عصابة الماكس" خلال 13 يوما    المشدد ل3 متهمين خطفوا زميل أحدهم وشرعوا فى قتله ب«المعصرة»    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    برنامج التنمية المحلية يختتم تدريبًا لتكتل الفخار بمركز نقادة في قنا    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    وزير الصحة: مراجعة عدد العمليات الجراحية بكل القطاعات لسرعة الانتهاء من «قوائم الانتظار»    محافظ الإسكندرية ووزيرة الثقافة يفتتحان معرض كتاب الكاتدرائية المرقسية    رئيس هيئة الرعاية الصحية يكرم المتميزين في تطبيق أنشطة اليقظة الدوائية    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    أهم حدث سياسي في أمريكا.. المناظرة الرئاسية تحدد هوية حاكم البيت الأبيض    توقيع الكشف على 1080 حالة خلال قافلة طبية بمركز مغاغة بالمنيا    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    بيراميدز يتخذ قرارًا جديدًا بشأن يورتشيتش (خاص)    الحركة الوطنية يفتح مقراته بكل محافظات الجمهورية لطلاب الثانوية وقت انقطاع الكهرباء    وفاة الفنان العالمي بيل كوبس عن عمر يناهز ال 90 عاما    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    برلماني: ثورة 30 يونيو تمثل علامة فارقة في تاريخ مصر    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    خبير مياه يكشف حقيقة مواجهة السد العالي ل«النهضة الإثيوبي» وسر إنشائه    الشعب الجمهوري بالمنيا يناقش خريطة فعاليات الاحتفال بذكرى 30 يونيو    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ "أتاكمز" الأمريكية؟    اللواء محمد إبراهيم الدويرى: التحركات المصرية فى القارة الأفريقية أساسية ومهمة    ملخص وأهداف مباراة فنزويلا ضد المكسيك في كوبا أمريكا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين فجر اليوم إثر قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال قطاع غزة    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فذلكة فى أصول ظاهرة الفشْر الثورى
نشر في اليوم السابع يوم 28 - 12 - 2011

بحثت فى المعجم عن معنى لفظ معَّار- الشائع فى العامية المصرية، فاكتشفت أن «المعَار» - فى العربية الفصحى - هو الحصان الذى يحيد براكبه عن الطريق، وبحثت عن معنى مرادفها الذى يتداوله المصريون، وهو «الفشّار» فاكتشفت أنها كلمة عربية فصيحة بمعنى الشخص كثير الكذب، فاطمأنيت إلى أن «المعر» و«الفشر» من لغة أمتنا الواحدة ذات الرسالة الخالدة، وليست مستوردة - والعياذ بالله - من قواميس الأعاجم أو من لغات الفرنجة.
و«المعر» فى مصطلحات علم النفس، هو «الكذب الادعائى» و«المعّار» أو «الفشار» فى العامية المصرية شخص يدمن تأليف الأكاذيب عن نفسه، ويذيعها بين الناس، على سبيل التفاخر، أو لأن لديه شعوراً بالنقص تجاههم، يدفعه للتظاهر أمامهم بأنه لا يقل عنهم شجاعة أو ثراء أو علماً أو ثورية.. على سبيل التعويض عن نقصه، وهو شائع بين الأطفال للتعويض عن إحساسهم بالنقص تجاه الكبار ويشيع بين الأنداد، حين يريد أحدهم أن يميز نفسه عن الآخرين، أو أن يدعى لنفسه ميزة توازن ما لديهم من مزايا.
والناس تتعامل مع بعضها البعض، على أساس أن هناك نسبة مشروعة من الفشر فيما يقولونه عن أنفسهم.. وفى أعقاب أول لقاء تعارف بينها وبين جيرانها الجدد فى خان الخليلى، نبهت الست دولت ابنها أحمد أفندى عاكف - بطل رواية «خان الخليلى» لنجيب محفوظ - إلى أنها قدمت نفسها لهن باعتبارها ابنة لأسرة من أعيان المنصورة، فى حين أنها أسرة من صغار المزارعين، وبأن ابنها أحمد أفندى رئيس قسم بوزارة الأشغال بينما كان مجرد كاتب بالقلم، وأن زوجها كان رئيس إدارة بالوزارة نفسها قبل تقاعده، فى حين أنه أحيل إلى التقاعد بسبب إضاعته لعهدة مصلحية وهو موظف بالدرجة الثامنة. وحذرته من أن يخطئ حين يقدم نفسه وأسرته لأزواجهن فيذكر الحقيقة.
وفى تبريرها لهذه الأكاذيب قالت إنها تعلم أن الجميع كن يفشرن فيما قلن عن أنفسهن وعن أزواجهن، وكن واثقات بأنها هى الأخرى تمعر عليهن فيما قالت عن نفسها وابنها وزوجها، وأنها لو كانت قد قالت الحقيقة، لما صدقنها، ولخصمن من رأس المال، وليس لما أضافته إليه من أرباح.
وكنت تلميذاً فى السنة الثالثة، حين أوقعنى الفشر فى شرّ أعمالى، إذ لم يكن أخى الأكبر - الذى إلى المدرسة ذاتها - يكف، عن رواية بطولاته الثورية فى التصدى لطغيان المدرسين.. ويجابههم دائما بأن هناك مادة فى قانون التعليم، هى المادة 88 تحظر على المدرسين ضرب التلاميذ.
ولم أكن أعرف المصدر الذى استمد منه أخى هذه المعلومات، ولكنى صدقت فشره، الذى ظل يواصله بعد أن أصبحت تلميذاً معه فى المدرسة نفسها، وتعرفت على المدرسين الذين لم يكن يمر يوماً دون أن يعود من المدرسة ليروى لى عمن أوقعه سوء حظه منهم، بين براثنه الثورية، فلقنه - أمام تلاميذ الفصل جميعهم - درساً فى المادة 88 من قانون التعليم.
وجاء اليوم الذى كان على أن أتلقن درساً فى عاقبة الفشر الثورى. وكانت الحصة هى حصة «سعيد أفندى» مدرس الأشغال، الذى ضبطنى أتثاءب، فلفت نظرى إلى عدم تكرار ذلك، ولكننى لم أهتم، إما لأننى لم أستطع أن أتحكم فى رغبتى فى التثاؤب، أو لأننى كنت فى أعماقى أتمنى أن أدخل فى مواجهة مع «سعيد أفندى» لأثبت أن فى السويداء ثوارا، وأن فى الفصل تلميذاً يعرف المادة 88 من قانون التعليم، ويستطيع أن يستند إليها ليتحدى مدرس الأشغال الذى كان يسرف فى استخدام مسطرته، ويثير الرعب فى نفوس تلاميذ الفصل مع أنه - طبقاً لما سمعته من فشر أخى ومعره - كان يتصرف كالقطة مع طلاب السنة الرابعة وفى طليعتهم الأخ العزيز.
وحدث ما كان لابد وأن يحدث: كررت التثاؤب.. وكرر «سعيد أفندى» تحذيره.. ولما كررته للمرّة الثالثة، أمرنى بالتقدم نحوه، وبمد كفى لكى يضربنى بالمسطرة، وبحماقة ثورية نادرة المثال، وصلف وغرور، أعلنت بأننى أرفض العقاب البدنى.
وعلى عكس كل النهايات التى كان أخى يختتم بها مروياته عن مغامراته الثورية ضد المدرسين، لم يتحول «سعيد أفندى» إلى قطة، ولم يشعر بالخوف من تهديداتى بأن أشكوه إلى وزير المعارف طه باشا حسين، بل استفزه ما قلته، فانهال على ضرباً بالمسطرة على كل مكان يطوله من جسدى، وهو يصيح فى غضب هيستيرى: افتح إيدك يا ابن «.......». وككل ثورى مستجد، أصررت على موقفى، واعتبرت التراجع مسألة لا تليق بكرامتى، وشبكت ذراعى حول صدرى، فى إعلان صريح بأننى لن أفتح كفى للضرب حتى لو مت من الضرب!
وحين التقيت أخى فى فسحة الغداء، تأمل فى وجهى المتورم من أثر الصفعات واللكمات، وعندما رويت له ما حدث.. قالى لى:
- أنت صدقت.. أنا كنت بافشر عليك!
ومن يومها وأنا أبحث فى القاموس - وفى الواقع - عن أصل لفظ فشار.. وعن أصول ظاهرة المعر الثورى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.