كنا فى عام 1990 أى بعد أربع سنوات من تولى الدكتور عاطف صدقى رئاسة الحكومة، وفى هذا العام تقرر حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، وفى دائرة طوخ قليوبية «موطنى» وموطن عاطف صدقى وعائلته، تدارس الناشطون السياسيون المعارضون كيف يمكن مواجهة نائب الدائرة العتيق الحاج عطية الفيومى والد نائب الدائرة الحالى دكتور سيد الفيومى، والدكتور محمد الفيومى رئيس المجلس المحلى بالمحافظة، وبعد مناقشات ضيقة أدارها الناشط السياسى ذائع الصيت فى الدائرة محمد بركات، أطل اسم المستشار عادل صدقى شقيق رئيس الوزراء كوجه مستقل يمكنه منافسة عطية الفيومى النائب «الحكومى» منذ الستينيات، وبعد تفاصيل كثيرة، توقف أمر موافقة المستشار عادل على موافقة شقيقه عاطف الذى طلب مهلة للرد كانت بهدف استئذان الرئيس مبارك، ولم يمانع الرئيس لأن هذا حق طبيعى لمن يرغب وتنطبق عليه الشروط اللازمة، وأجريت الانتخابات وفاز عادل صدقى بعد معركة فرضت نفسها شعبيا ورسميا ووصلت إلى حد تأخير إعلان نتيجتها لتصميم صدقى على فرز الأصوات برؤية عينيه صوتا صوتا، فما علاقة هذه القصة بتقييم أداء الدكتور عاطف صدقى كرئيس للوزراء؟ الإجابة على السؤال يلزمها استكمال باقى القصة فى هذا المشهد لأنها تعطى كثيرا من التفسيرات فى فك شفرات شخصية رئيس الوزراء الأسبق الذى قضى فى رئاسة الحكومة ما يقرب من عشر سنوات متصلة، وباقى القصة تأتى من الانتخابات البرلمانية أيضا فى عام 1995، والتى قرر فيها الحزب الوطنى ترشيح عادل صدقى نائبا عنه بعد انضمامه للحزب، ورشح عطية الفيومى نفسه مستقلا، وبعد معركة «تكسير العظم» بينهما فاز الفيومى، وخرجت أصوات حكومية وقيادية فى الحزب الوطنى ممثلة فى كمال الشاذلى ويوسف والى تتحدث عن عظمة الديمقراطية بدليل سقوط شقيق رئيس الوزراء، لكن الأمر عند أبناء الدائرة والمتابعين كان «أخماس فى أسداس» من زاوية، كيف يترك رئيس الوزراء شقيقه دون حماية «طبيعية» ولازمة لمسار العملية الانتخابية أبسط قواعدها التصويت بحرية ونزاهة، وهل بلغ الأمر درجة أن المعنيين بالأمر من وزرائه أصبحوا أكثر قوة منه؟ الملاحظة الأولية التى يمكن التوقف عندها فى القصة السابقة تبدأ من تتبع الفرق الزمنى بين انتخابات 90 وانتخابات 95، فالأولى كانت أربع سنوات فقط مرت على تولى عاطف صدقى رئاسة الحكومة، بالقدرالذى يمكن توصيفه بمرحلته «الفتية» التى أفادت شقيقه، والتى شهدت تباهيا حكوميا بالوقوف على مواضع الداء الاقتصادى وكيفية مواجهته، والثانية كانت بعد تسع سنوات وقبل خروجه بنحو عام أى فى مرحلة «الشيخوخة» الوزارية، التى أضرت بشقيقه، وبينهما يمكن قراءة مسار الرجل. فى نوفمبر 1986 كلف الرئيس مبارك عاطف صدقى برئاسة الحكومة، ولم يكن الاسم مطروحا وقتها فى خانة التوقعات من قريب أو بعيد، فالرجل كان فى الظل دائما لا تجرى وراءه وسائل الإعلام ولا يجرى هو وراءها، كان فقط منكبا على عمله وقتئذ رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات وكعادته فى كل المواقع التى تولاها، ومن خلال موقعه «الرقابى» فى الجهاز كانت مصر مكشوفة أمامه فيما يتعلق بالذمة المالية وأوجه إنفاقها، وقيل وقتها أنه جاء لهذا الغرض يعززه نظافة سيرته الشخصية، لكن وجهات النظر المعارضة تخطت هذا الاعتقاد بالقول: «إن المرحلة الآتية فيها إملاءات خارجية من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومعهما أمريكا، وبالتالى فإن المطلوب هو حكومة تنفذ أكثر مما تناقش، عاطف صدقى هو النموذج الأمثل لذلك، فالرجل ليس ابن الممارسة السياسية، وليس صاحب وجهة نظر أيديولوجية مسبقة، وإنما هو بيروقراطى فى سياق أى نظام سياسى، وبالتالى هو تنفيذى بالدرجة التى تتطلبها المرحلة التى تكلف فيها برئاسة الوزراء «كان هذا ما رآه المعارضون، والتقطوا أوليات لتعزيز وجهة نظرهم منها على سبيل المثال اختيار الرجل لطاقمه الوزارى الذى قام على مبدأ «الشلة»، فمنهم من كانوا أصدقاءه فى باريس وقت أن كان يعمل مستشارا ثقافيا فى باريس حتى عام 1980، مثل فاروق حسنى وزير الثقافة، والدكتور محمد الرزاز وزير المالية وزاد من اختياره أيضا أنه ابن محافظته «القليوبية»، وهو الاعتبار الذى اختار بمقتضاه الدكتور على عبدالفتاح وزيرا للصحة زاده وجود صلة نسب مع عائلته، ويقترب من هذا النهج اختياره لتلميذه الدكتور ممدوح البلتاجى وزيرا للسياحة هذا النهج من عاطف صدقى فى اختيار الوزراء، هل كان محل انتقاد من المعارضة فقط على خلفية اعتقادها بأنه يختارهم حتى ينفذ ما هو مطلوب منه دون «وجع دماغ»؟ الإجابة «لا»، فشخصية مثل الدكتور صبرى الشبراوى عضو مجلس الشورى وأحد البارزين فى الحزب الوطنى اعتبرها فى رأى قاله من قبل: «حكومة شلة طاولة فى زهراء المعادى، واستمرت 10 سنوات تقريبا دون أن تقدم شيئا للبلد، هى كانت تضع لبخة على الجرح، وبالتالى لم يعمل عاطف صدقى للبلد أى شىء». تقييم الشبراوى يقف على التضاد منه تقييمات ترى انجازات حقيقية، فالدكتور على لطفى رئيس الوزراء الذى سبق صدقى، يرى فى الرجل أنه «نجح فى تحقيق علاج عجز الموازنة العامة للدولة من أكثر من 20 % فى الناتج المحلى الإجمالى إلى أقل من 1 %، وتخفيض معدل التضخم السنوى إلى نحو 4 %، بالإضافة إلى تحرير سعر الفائدة، وتوحيد سعر الصرف، وتكوين احتياطى من النقد أجنبى لدى البنك المركزى المصرى نحو 21 مليار دولار». التهيئة التى حدثت لتلك الإنجازات التى يتحدث عنها الدكتور على لطفى، شملت إجراءات تحسب للرجل منها الإفاقة من وهم شركات توظيف الأموال، التى وصلت قبل التصدى لها إلى حد اعتبارها دولة داخل الدولة، وكذلك التصدى لظاهرة الإرهاب التى راح ضحيتها ما يقرب من ألف قتيل، وكاد هو أن يكون ضحيتها لكن العملية ضده فشلت، وراح ضحيتها الطفلة البريئة شيماء. والمؤكد أن هذا الملف هو الأقوى فى التوقف عند مسيرة عاطف صدقى وحكومته، أما الملف السياسى، بما فيه من حريات عامة، ونزاهة فى الانتخابات، وديمقراطية الفعل السياسى، فليس له شأن بها، كان الأمر فى هذه الملفات يبدو أنه يتم بعيدا عنه وفى مطابخ أخرى وإذا حسبنا ذلك فى عمر وزارته سنجد أسماء كانت معنية بذلك مثل الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق، والدكتور يوسف والى الأمين العام للحزب الوطنى، وكمال الشاذلى الأمين المساعد، كان هؤلاء فى واجهة الفعل السياسى المتعلق بالبرلمان والأحزاب، أما هو فظل بعيدا عنه، مما أدى إلى خلق ما يمكن تسميته ب«الشللية» فى الحكم. ومع ذلك كان صدقى ممن خلقوا لنفسهم قاموسا خاصا به فى مواجهة المعارضة فى البرلمان، كان يجنح فيه إلى الفكاهة أحيانا، كما حدث منه فى تعليقه على ما أثير تحت قبة البرلمان حول قضية لوسى أرتين الأرمنية العرق وصاحبة العلاقات المتنفذة: «واحد بيبوس واحدة تحت السلم الحكومة مالها»، فضحك النواب وضحكنا مثلهم، واستمر هو على هذا الإيقاع، يعطى بإخلاص على الطريق المرسوم له، ويداعب النواب بكافة فصائلهم، ولا يرى غضاضة فى أن يكون ملهما بتكوينه الجسدى، ووجهه المشع طيبة لمن يريد انتقاده من الصحفيين ورسامى الكاريكاتير، خاصة من المبدعين أحمد رجب ومصطفى حسين. وهكذا ظل عاطف صدقى رئيسا للوزراء قدم ما قدم على مدى سنوات حكمه، ورحل عن دنيانا دون أن يدون ذكرياته عنها فخسرنا الكثير مما يمكن أن يقال ومن ضمنه هل كان سقوط شقيقه فى الانتخابات دليلا على الديمقراطية؟ أم كان دليلا على شيخوخة حكومته وشلليتها، مما أدى إلى إقالتها بعد ذلك بشهور. لمعلوماتك.. ◄عاطف صدقى ليسانس حقوق، جامعة القاهرة، عام 1951، دكتوراه الدولة من جامعة باريس، عام 1958، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات من عام 1982 إلى 1986 ◄ 10 سنوات قضاها صدقى فى رئاسة الوزراء ◄21 مليار دولار أحتياطى النقد الأجنبى فى عهد صدقى