دخل السلفيون عالم الحياة السياسية من أوسع أبوابه بعد ثورة 25 يناير، وكان للثورة الفضل الأول لخروجهم من القمقم الذى حبسوا فيه سنوات طويلة بفعل الأمن مرة، وبفعل معتقداتهم مرات أخرى. بعد هذا الظهور العلنى للسلفيين ومشاركتهم الفاعلة فى الحياة السياسية، قرروا تشكيل حزب يتبنى أفكارهم ومنهجهم هو حزب النور، وهو حق لهم لا يختلف عليه أحد رغم أنهم لم يكونوا ليعترفوا بممارسة السياسة فى الماضى القريب، ولم يكتف السلفيون عند هذا الحد لكنهم فاجأوا الجميع بإعلانهم ترشيح 58 سيدة على قوائم الحزب الانتخابية فى انتخابات مجلس الشعب، بل وتدرس الهيئة العليا للحزب ترشيح 30 سيدة أخرى إلى مرشحات الحزب ليصبح إجمالى عدد السيدات 88 سيدة. لسنا هنا فى موقع التربص، بل إن هذه الخطوة الجريئة تعتبر قفزة نوعية بالنسبة لفكر اعتمد طوال حياته مبدأ الانغلاق، ومن هنا لم يكن للمرأة أى دور يذكر، وبهذه النقلة الكبيرة فقد بدا أن السلفيين بدأوا يواكبون العصر ومتطلباته واحتياجاته المجتمعية بعيدا عن الانعزال والعصبية الدينية ربما إلى حين، وربما يصبح نهجا دائما لأيديولوجيتهم الفكرية، غير أن الذى يثير التساؤل والفضول فى آن واحد هو.. لماذا الآن؟! وفى هذا التوقيت بالذات. نعرف جميعا أن السلفيين ينتمون إلى المذهب الوهابى السعودى المتشدد وهم لا ينكرون ذلك، والمملكة العربية السعودية فى الآونة الآخيرة ولأسباب ما، بدأت بالاهتمام بالمرأة وبقضاياها العصرية التى كانت مهملة لعقود طويلة وغير مدرجة فى أولوياتها، بل كانت فى أحيان كثيرة تتعرض للاضطهاد بكافة أشكاله، وإن كانت لا تزال تعانى من بعض التفرقة حتى الآن، ولعل مشكلة رفض قيادة المرأة لسيارتها تذكرنا بواقع المرأة الذى ما زال يخضع بالكامل للمجتمع الذكورى فى المملكة، لكن ذلك لم يمنع أن السعودية قد قررت أحقية المرأة فى الترشح لمجلس الشورى السعودى، فهل جاءت مبادرة حزب النور السلفى من هذا المنطلق؟ الغريب أن حزب النور يرحب أيضا بانضمام الأقباط على قوائمه، وهذا أمر آخر يستحق التوقف، فالأقباط بالنسبة لهم هم أهل الذمة فماذا حدث؟! بالرجوع إلى المنهج والعقيدة السلفية، نلاحظ أنها تضع نفسها فى مواجهة التيارات الدينية الأخرى كافة، داخل وخارج الإسلام، وهى ضد التيارات المتنافسة السياسية والفكرية الليبرالية، وكذلك ضد الأسس المعرفية التى تقوم عليها الحداثة (السلفية فى الخطاب السلفى). ورغم أن السلفية تركز فى المقام الأول على العقيدة والممارسة الدينية فإنها تمارس على الأقل ما يطلق عليه"بروتو السياسة" أى السياسة البدائية، فمن المفترض أن يكون برنامجها للاصلاح ينطبق على السلوك فى الحياة العامة كمتطلبات للتقوى فى مجتمع لا خدمات فيه نتيجة للتركيب السياسى والاجتماعى للدولة. إن عزل السلفية لنفسها خوفا من التلوث، ودعوتها بعدم المشاركة فى الحياة السياسية العامة وعدم تطوير مجتمع مواز وفعال له دلالات سياسية، فالخطاب السلفى هو المجال الذى تطور فيه الإسلام المتطرف والجهاديون الذين يشيرون إلى أنفسهم على أنهم الجهاديون السلفيون تجمعوا فى هذا المجال الثقافى والعقائدى الضيق، فعلى أرض الواقع كانت السلفية تمارس الرفض والتفرد الاجتماعى من خلال توسيع ثقافة الاغتراب فيما يتعلق بالمستويات الاجتماعية والمذهبية والفكرية، وكذلك المستوى السياسى الخاص لصياغة هوية جديدة للأمة الإسلامية. لذا فإن المذاهب السلفية والأفكار السياسية الإسلامية القائمة على أساس هذه المذاهب تزيد من قبضتها، بحيث أصبحوا جميعا هم القاعدة والآخرون هم الاستثناء، فكلما نادت السلفية بالعقيدة الإلهية الإسلامية، التى تقول إن الأرض هى المركز، زاد الضرر بالتماسك الاجتماعى والاستقرار السياسى والتقدم فى مجال حقوق الإنسان... فهل تستعين السلفية الآن بكل ما يتطلبه العصر من متغيرات تليق بالمرحلة التى نعيشها للاندماج الفعلى فى المجتمع؟ أم أن ما يحدث هو مجرد تكتيك مرحلى يفرضه الواقع السياسى والانتخابى الحالى، ومن ثم تعود الأمور إلى قواعدها السابقة؟؟ سؤال بحاجة إلى إجابة صادقة.