هناك علاقة عكسية بين استخدام تعبير "الخطوط الحمراء" فى بلد ما، وبين هامش الحرية فى هذا البلد، فكلما ازداد استخدام هذا التعبير كلما نقص ذلك من هامش الحرية والحق فى التعبير، فكلمة الخطوط الحمراء كلمة سخيفة وهى كلمة جديرة أن تجعل من يرددها فرعون بل أكبر من فرعون. ففرعون عندما أراد أن يقتل موسى عليه السلام قال ذرونى أقتل موسى فناقشه الملأ من حوله وأثنوه عن رأيه بقولهم أرجه وأخاه وابعث فى المدائن حاشرين. فلم يخرج عليهم فرعون ليقول كيف تفندوا رأيى وأنا خط أحمر. هذا بالنسبة لفرعون الذى كان يرى نفسه إله وكان يقول أنا ربكم الأعلى، أما فى القرن الواحد والعشرين مازال هناك أشخاص يظنون أنفسهم خطوط حمراء ولايجوز انتقاد أفعالهم.. وسؤال بسيط اذا كان صدرك يضيق بالنقد والاعتراض على سياساتك فلماذا تتقدم للحكم وتسيير أعمال البلاد؟. فنحن لا نريد أن يحكمنا رموز ترى أنها مقدسة وفوق المحاسبة والنقض، من لا يحتمل صدره أن يكون محل نقد فليذهب ويجلس حيث لا يراه أحد ويضع حوله خطوطا حمراء كما يحب فلن يقترب منه أحد. أما أن يتعرض ويقف فى مواجهة العمل العام ثم يصرخ فينا أن سيادته ومجلسه خط أحمر فهذا مرفوض تماما.. للأسف ثقافة شخصنة الأمور فى مصر هى السائدة فإذا انتقدت مبارك فأنت تنتقد مصر وإذا قلت إن المجلس العسكرى أداؤه هزيل فأنت تنتقد المؤسسة العسكرية والجيش. إلى متى يظل العقل المصرى حبيس الشخصنة لا يتعداها إلى الصفة... قد تكون الشخصية ذات احترام أو عدم احترام على المستوى الشخصى. وهنا أود أن أشير إلى أن الانتقاد ليس موجها لتصرفات شخصية تخص صاحبها فقط، ولكن كل الانتقاد موجه إلى أداء هذه الشخصية فى هذا الموقع وفى هذا التوقيت.. هل يأتى الوقت الذى نترك فيه تحمير وتخضير الخطوط إلى العمل الجاد والتفانى فى خدمة هذا البلد وتقديم المجرمين للعدالة وعدم البحث عن إيجاد مبررات ومسوغات واهية. فبالعدالة وحدها يمكن أن تستقيم الأمة وبغيرها سوف ينهار أى نظام وما نظام مبارك منكم ببعيد. أيها السادة إن اللحظة التى تقرر فيها الأمم الخروج والهتاف بسقوط طاغية هى بالفعل لحظة فارقة فى حياة الأمم وهى النقطة الحرجة التى أن وصل إليها الشعب تعنى اللاعودة فكل عاقل يجب أن يعى التاريخ ويقرأه جيدا فليس من المعقول أن تتحول كل المواقف التى مر بها السابقون ونمر بها نحن اللاحقون أن تتحول إلى دروس فى كتاب التاريخ لايقرأه إلا الطلاب قبل الامتحان بأسبوع. فلا استفادة حقيقية ولا قراءة متأنية للواقع وهذا إما لسوء تقدير أو استخفاف بالأمور أو بسبب قانون مترسب فى العقول "أن كل شىء يمكن أن يحدث للغير ولكن لن يحدث لى"... كل طاغية فى كل زمان وفى كل مكان إذا جاءت لحظة الثورة تمنى لو أنه كان منصفا حتى لا يلاقى المصير المنتظر وقد تكون خطاباته فى تلك اللحظات الأخيرة يعتريها كثير من الصدق والعزم على الإصلاح ولكن هيهات أنه كلمات هو قائلها... إن التعامل بمنطق تنفيذ الأمر ثم التظلم أو أنك قل ما تشاء وسوف أفعل أنا ما أشاء بدءا من الإعلان الدستورى إلى استطلاعات الرأى على الفيس بك أصبح أصبحت تشكل الكثير من علامات الاستفاهم والألغاز التى تحتاج إلى حل. وكذلك تحويل المدنيين مهما كانت جرائمهم إلى محاكمات عسكرية هو أمر غير مقبول.. إن عبارة ممنوع الاقتراب أو التصوير أصبحت غير ذات معنى فى ظل هذا التقدم والتطور المعلوماتى غير المسبوق وغير المنظور بالنسبة لنا. وطالما ترون أنفسكم خطوطا حمراء لا يصح تجاوزها فلم تكرهون الدولة الدينية "بمفهموها الأكثر سوءا وهو اعتبار الحاكم فيها حاكم بأمر الله لا يصح انتقاده أو الاعتراض عليه وأنه خط أحمر من يتعداه سوف يستقر فى جهنم الدنيا والآخرة وبئس المصير" هذا المفهوم للدولة الدينية فى الغرب ولم يعرف الإسلام هذا المفهوم كمنهج ولكن استغله بعض الحكام لتصوير الخروج على الظالم منهم خروج على الإسلام "إن وضعا مثل هذه الخطوط لتفادى المحاسبة والتقصير هو جريمة فى حق وطن يتشكل وشعب استرد كرامته وأسقط كل نظريات الاستعلاء والنظرة الفوقية، لقد انتهى وبلا رجعة زمن الخطوط الحمراء ولم يبق منها إلا خط واحد هو الخط الذى رسمته دماء الشهداء ليفصل بين حقبتين من الزمن قبل 25 وبعد 25 يناير فلا يجب أن يتعدى أو أن يقفز على هذا الخط أى شخص بحجة أنه خط أحمر أو حتى مجموعة خطوط الطيف كلها......