هذه الجملة وردت على لسان رائدة التعليم في مصر في القرن الماضي (نبوية موسى) وذلك ضمن رسالة مقالية أرسلتها إلى دوله النحاس باشا بعد أن اعتقلها وزير داخليته وقتها معالي فؤاد باشا سراج الدين وكان أن أودعها سجن الحضرة بالإسكندرية مع(المعوجات من الأجنبيات) وذلك بسبب معارضتها السياسية لدولة رئيس الوزراء. وقالت ضمن ما قالت ساخرة (سأستبد..والعاجز من لا يستبد ! ولهذا سيخشاني الشعب و يتعود الهتاف باسمي خشية منى ومن استبدادي في بادئ الأمر ثم لا يلبث أن يتعود ذلك الهتاف فأنال من الشعب لقب الزعيمة الجليلة). القرآن الكريم ضرب لنا مثلا بالطاغية المستبد في أكمل حالات الطغيان والاستبداد وهو( فرعون) حين قال لشعبه (ما علمت لكم من إله غيري) وحين قال (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) في حالة متفردة من إحتكار رؤية(الرشاد) وحالة أكثر تفردا من (إحتقار) الشعب الذي بدونه يكون لاشيء. ولعل بعض مستشاريه نصحوه أن (يخفف المسألة قليلا) فقالوا له "أَرْجِهْ وأَخَاهُ وأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ " بمعنى لا تكن مندفعا متهيجا هكذا مخافة المجهول من رد فعل الشعب.. فكان أن عمل بنصيحتهم وخفف من لهجته الطغيانية فإذا به يقول ( ذروني أقتل موسى..) حتى تكتسي المسألة ثوبا شرعيا فيكون قتله بالقانون.. على أن الأحداث تطورت وجاءوا (بكل سحار عليم). حقيقة الأمر مجرد (حواه) بل صدر عنهم موقف من أعظم مواقف الشجاعة والقوة في الانتصار للحق في التاريخ..ولم يلبثوا حتى قالوا: الحق مع موسى وقد أمنا بربنا ليغفر لنا ..كل هذا تم في غضون ساعة زمن.. وكأن الإنسانية تأبى إلا أن تخرج لنا نماذج نموذجية في مواقف التاريخ الحادة ليكونوا منارات وعلامات لبنى الإنسان على مدار التاريخ..لم يهتموا كثيرا بحديث التصليب والتقطيع وما إلى ذلك وانطلقوا في رحاب الإيمان والمغفرة واضعين ما أكرهوا عليه من( السحر) تحت أحذيتهم..حين يذكر نموذج فرعون كطاغية نموذجي ومستبد مثالي .. لا نترك أولئك الرجال الشجعان إلا قليلا..رغم أن موقفهم هذا في يوم الزينة كان من أعظم المواقف الإنسانية في التاريخ... تلك المواقف التي تنتصر للحق والفكرة والمعنى على ما عداها من ألوان الكذب والخوف و التدليس. كثير حياة المرء مثل قليلها*** يزول وباقي عمره( مثل) ذاهب... فكانوا نعم المثل والقدوة وتروى لنا كتب السيرة أن حذيفة دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فوجده مهموما فسأله فقال أخاف أن أخطئ فلا ينبهني أحد تعظيما لي فقال له حذيفة والله لو رأيناك على خطأ لصوبناك ففرح عمر وقال الحمد لله الذي جعل لي أصحابا يقوموني. في عام 1854 ولد بمدينه حلب بسوريا رجل من هذا النوع العظيم و توفى بمصر عام 1902 وكتب على قبره (هنا رجل الدنيا ..هنا مهبط التقى ..هنا خير مظلوم ..هنا خير كاتب قفوا واقرؤوا أم الكتاب وسلموا عليه فهذا القبر.. قبر الكواكبي )... خلال هذا العمر القصير48 عاما ألف عبد الرحمن الكواكبي سفرا من أروع الأسفار التي تتناول هذه الظاهرة التاريخية المقيتة (الاستبداد) فكان إن أخذ يصف في طباعه وألوانه وتعريفاته ما شاءت له مآسي البشر عبر تاريخ ذلهم وقهرهم تأملا وفهما وإتعاظا ونصحا لإخوانه في الإنسانية عن هذا الذي يعصف بإنسانيتهم في أهم مكوناتها (الحرية والكرامة والعدل)..ولأن أمثاله من أشجار الوقار ومنابع الأخبار علموا أن التاريخ ليس مجرد حوادث تتوالى بقدر ما هو( قوانين و ثوابت وروابط تجمع بين أشتاتها وتعرض على أصولها و أشباهها و تسبر بمعيار الحكمة وتقاس على طبائع الناس وتحكم النظر والبصيرة في أخبار التاريخ) فكان أن قدم نصيحة جديرة بالتأمل في مواجهه الاستبداد والطغيان فهو يرى أن مواجهة الاستبداد لا تكن بالقوة إنما باللين والتدرج ذلك لأن الاستبداد محفوف بأنواع القوات فإذا قوبل بالقوة كانت فتنة تحصد الناس... (منتسكيو) كان ممن انتبهوا إلى هذه(النيرونية) التي تقبع في رأس كل مستبد فوصفه وصفا مدهشا فقال( الطاغية المستبد هو من يقطع شجرة من أجل أن يقطف ثمرة) !!! فكانت تلك النصيحة الذهبية من صاحب(طبائع الاستبداد) أن يواجه الاستبداد بالحكمة في توجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة وهو مالا يكون إلا بالتعليم والتحميس..على وصفه.. ولعله يقصد تهيئة الرأي العام من خلال الكلمة والكتاب ولعل المسرح و السينما و الدراما أيضا أدوات فعالة في ذلك. الدكتور إمام عبد الفتاح إمام له دراسة عن (الطاغية ) الذي يصفه بأنه:" ذئب مفترس يلتهم لحوم البشر..أسوأ أنواع الحكام وأشدهم خطورة ..ولا يمكن الإفلات من قبضته الرهيبة إلا بالإيمان الحقيقي بالديمقراطية والسعي الجاد لتطبيقها..ويشرح برتراند رسل في كتابه(السلطة الفرد) أهمية هذه الديمقراطية الحقة( بأنها تشعر الرد بأهمية أن يشارك في إقامة النظام الذي يعيش فيه فإذا استطعنا أن نغلق الهوة التي بين الحاكم والمحكومين بين صاحب السلطة والخاضع لها إذا استطعنا أن نشعر الفرد بأهميته كفرد له احترامه وحقوقه التي من أهمها أن يشارك القائمين على السلطة نشاطهم حينئذ سيشعر الفرد بأن فائدة الجماعة هي فائدته وأن السلطة ليست إلا نائبة عنه لأنه من خلالها يستطيع تحقيق ما يريده). ......................... هذا و إلا.... وإلا ماذا ؟؟ ( انزعوا أحلامكم ..ثم اغسلوها .. واعصروها..و اشربوا من مائها..!!) [email protected]