القيروان، مدينة بناها الفاتح الكبير عقبة بن نافع فى أفريقيا القديمة، المغرب العربى حالياً، ويوجد موقعها فى تونس على بعد 156 كيلومتراً من العاصمة، وكانت منذ إنشائها أهم المدن الإسلامية فى المغرب العربى والعاصمة السياسية للخلافة الإسلامية هناك. ولا يمكن ذكر القيروان دون ذكر الفاتح العربى العظيم عقبة بن نافع، الذى أنشأ المدينة وأسس جامع القيروان الذى سمى باسمه، وقد كان عقبة أعظم الفاتحين العرب فى أفريقيا حتى قيل عنه "فاتح أفريقيا"، وكانت له جملة شهيرة عندما استطاع الوصول بجيشه إلى أقصى غرب أفريقيا عند المحيط الأطلسى "اللهم اشهد أنى بلّغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك". أنشأ عقبة القيروان فى 50 ه، 670 م، ليستقر بها المسلمون، لخشيته رجوع البربر، أهل أفريقيا، عن الإسلام إذا رجع المسلمون إلى ديارهم، وكانت مدينة القيروان تلعب دورين هامين فى الوقت نفسه هما الجهاد والدعوة، إذ كانت هى مركز الجيوش الإسلامية فتخرج منها للغزو والفتح، وكان الفقهاء يخرجون منها لينشروا تعاليم الإسلام، ويعلموا الناس اللغة العربية. كانت القيروان هى أول المراكز العلمية فى المغرب العربى تليها قرطبة فى الأندلس ثم فاس فى المغرب الأقصى، وكان يعقد فى مسجد عقبة بن نافع وبقية مساجد المدينة حلقات العلم والتدريس، وأنشئت مدارس جامعة أطلق عليها "دور الحكمة" وكانوا يستقدمون لها علماء وفقهاء الشرق، وقد أرسل الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز، بعثة علمية مكونة من 10 من التابعين إلى القيروان لتثقيف أهل المغرب وتعليمهم أمور دينهم، ومن أشهر أولئك العشرة إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر، الذى كان أشدهم عملاً على نشر الدين وإدخال البربر فى الإسلام، وعبد الله بن يزيد الحبلى الذى شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، وإسماعيل بن عبيد المشهور بلقب "تاجر الله" وهو من بنى مسجد الزيتونة الشهير، وعبد الرحمن بن رافع التنوخى أول من تولى القضاء بمدينة القيروان، ومن أعلام أهل القيروان الإمام سحنون 160-240 ه، صاحب كتاب المدونة والذى ساهم فى نشر المذهب المالكى فى أرجاء الدولة الأغلبية، ومنها بلغ المذهب صقلية والأندلس أيضاً. ومن أشهر معالم القيروان حتى اليوم مسجد عقبة بن نافع أو جامع القيروان الكبير، وقد كان المسجد حين إنشائه بسيطاً صغير المساحة، ثم حرص الكثير من الخلفاء والولاة أن يجددوا بناء المسجد، فزادوا من مساحته كثيراً مع الحفاظ على هيئته وقبلته ومحرابه، حتى صار معلماً إسلامياً تاريخياً. يوحى الشكل الخارجى للجامع أنه حصن ضخم، إذ إنه يتميز بجدران خارجية سميكة ومرتفعة، ومشيدة بدعامات واضحة، وكان أول من جدد المسجد هو حسان بن نعمان الغسانى، الذى هدمه كله وأبقى المحراب وأعاد بنائه بعد أن أوسع مساحته وقوى بنيانه وذلك عام 80 ه، وفى عام 105 ه، قام بشر بن صفران بشراء شمال أرض المسجد وضمها إليه ليزيد مساحته وأضاف لصحن المسجد مكانا للوضوء، وبنى مئذنة للمسجد فى منتصف جداره الشمالى وذلك بأمر من الخليفة هشام بن عبد الملك، ثم توالت بعد ذلك فى عهد أبى جعفر المنصور والدولة الأغلبية، عمليات ترميم وإصلاح وزخرفة المسجد وزيادة مساحته، وتم بناء محراب من الرخام الأبيض المخرم يطل منها الناظر على محراب عقبة الأساسى، وقيل إن الجامع وصل إلى أقصى درجات جماله فى عهد أحمد بن محمد الأغلبى، الذى قام بزخرفة المنبر وجدار المحراب، وبنى قبة باب البهو ومجنبات تدور حول الصحن. يبلغ طول جامع عقبة بن نافع أو جامع القيروان الكبير فى الوقت الحالى 126 متراً وعرضه 77مترا، بينما يبلغ طول بيت الصلاة فيه 70 مترا وعرضه حوالى 38 مترا، وصحنه المكشوف 67 طولاً و56 عرضاً، ولهذا الصحن مجنبات عرض يبلغ طول كل منها نحو ستة أمتار وربع. وتعتبر مئذنة جامع عقبة من أجمل المآذن التى بناها المسلمون فى أفريقيا، وجميع المآذن التى بنيت من بعده كانت على شاكلته إلا قليلاً، مثل مئذنة جامع صفاقس والرباط وأغادير وتلمسان وغيرهم، وتتكون المئذنة من ثلاث طبقات كلها مربعة الشكل، وكل طبقة تكون أصغر من التى تحتها، وفوق الطبقات الثلاث قبة مفصصة، ويصل طول المئذنة إلى 31.5 متر، وتوجد بداخل المئذنة سلالم تضيق كلما ارتفعت المئذنة متناسبة مع حجم المئذنة الخارجى. ولمسجد عقبة ست قباب، وتعتبر زخارف المحراب والقبة التى فوقه فى منتهى الروعة والجمال، حيث تكسو المحراب زخارف منقوشة على ألواح رخامية يوجد فيها فراغات تسمح بدخول الضوء، وتغطى القبة زخارف نباتية على شكل ساق متوسطة أو فروع متموجة تتدلى منها عناقيد من العنب، ويعتبر من معالم مدينة القيروان أيضاً مقام الصحابى أبى زمعة البلوى الذى يعد من أهم المزارات الدينية فى تونس.