بريطانيا داعية الحرية والعدل، ورائدة النهضة الصناعية والعلمية، تأبى إلا أن تناقض نفسها وتغير مواقفها ومبادئها حسب الطلب أو حسب مصالحها، وإن وجدت تعارضاً فى المصالح مع دولة أخرى، تقدم مصالحها ولتذهب الدولة الأخرى إلى الجحيم، فهى دولة لها سياستها الخاصة التى تخدم وتدعم وجهة نظرها حتى ولو كانت تلك السياسة تضر الآخرين. فمنذ زمن طويل تعتبر بريطانيا ملجأ آمناً للهاربين من العدالة فى بلادهم، وهى مقصد لأباطرة سلب ونهب خيرات الشعوب، فالكثير ممن يتم ملاحقته قضائياً فى أوطانهم يجد بلاد الانجليز فاتحةً ذراعيها له، مرحبة به وموفرة له الحماية من الملاحقة أو الاعتقال من قبل سلطات بلاده مهما كانت جريمته، فهى توفر له غطاء ضد الملاحقة، ورغم أن مقر البوليس الدولى –الأنتربول- موجود على أراضيها وهو المسئول عن تعقب كل المطلوبين دولياً وتسليمه للبلد صاحبة طلب الضبط، إلا أنها ترفض تسليم أى هارب يعيش فى أراضيها مهما كانت الأحكام الصادرة ضده أو الجريمة التى ارتكبها فى حق وطنه، ولنضرب عدة أمثلة لتناقض السياسة البريطانية التى تدعو للحرية وسيادة القانون فإن تعارضت مصالحها مع الحرية وسيادة القانون فصلحتها أولاً: أولاً- رجل الأعمال الهارب ممدوح إسماعيل والصديق المقرب من مبارك وزكريا عزمى، اختار بريطانيا ملاذًا له بعد كارثة العبارة السلام 98، والتى راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل، ورغم صدور حكم ضده بالسجن إلا أن السلطات البريطانية ترفض تسليمه، فهى ترى أن وجوده فى أراضيها يخدم اقتصادها، فهو أكيد له أرصدة بنكية ضخمة بالإسترلينى فلماذا تضحى بمصالحها وتخسر أمواله، فلا يهم الأرواح التى راحت نتيجة طمع وجشع الرجل الذى يعيش على أراضيها، المهم أن يظل بأمواله ولا يغادرها. ثانياً- وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالى، والذى قام بالسفر إلى بيروت ومنها إلى لندن ليعيش بأمان، ولا يفكر فى شىء إلا فى كيف يصرف الأموال التى نهبها من مصر، وأكيد بريطانيا كالعادة لن تدع أى مكروه بصيبه، مادام موجوداً على أراضيها ومعه أمواله ومدخراته فى بنوك لندن، رغم أن حكومة بريطانيا تعلم علم اليقين بمخازى غالى، وأنه كان أحد أركان النظام الدكتاتورى الفاسد، وأنه متهم بقضايا سلب ونهب واستغلال نفوذ، إلا أنها لم تفكر حتى فى توقيفه لحين انتهاء التحقيقات وصدور أحكام ضده. ثالثاً- رجل النظام السابق حسين سالم أحد أكبر المستفيدين من الفساد الذى شهدته مصر بسبب صداقته الشخصية لحسنى مبارك، وبسبب تلك الصداقة تحولت ثروته إلى أرقام فلكية يصعب تحديدها، بسبب سماح النظام السابق لصديقه بعمل أى شىء، مهما كان وقيامه بفتح الأبواب المغلقة للرجل الذى يعرف عن مبارك أغلب التفاصيل، وهو المسئول المرجح فى تسيير دفة أموال عائلة الرئيس السابق المهربة إلى الخارج، فهو الحارس الأمين على تلك الأموال المسروقة من الشعب المصرى، وقد كان هو الواجهة لتحويل أموال مبارك للخارج متخفيا وراءه وهو يعيش فى لندن، ويستثمر عشرات المليارات دعما للاقتصاد البريطانى، ورغم الجرائم العديدة المتهم فيها سالم إلا أنه يتمتع برغد الحياة اللندنية، ومعه ابنه خالد المتهم فى قضايا فساد أيضاً. رابعاً وزير التجارة والصناعة الهارب رشيد محمد رشيد، فبعد الأضرار التى ألحقها بالاقتصاد المصرى، فر هارباً إلى دبى ومنها إلى عاصمة الضباب، لينعم هو وأسرته بأموال الشعب التى نهبوها جهاراً نهاراً، وحط رحاله مع أقرانه من سارقى أموال الشعب ليدير أعماله وليتابع استثماراته التى تقدر بالمليارات، الموزعة فى البورصة وسوق العقارات الفارهة، ورغم اتهامه فى العديد من قضايا الفساد والسرقة إلا أن السلطات البريطانية تغض الطرف عنه وعن كل جرائمه، فالمهم عندها أموال الوزير الهارب، ولا يهم أن تلك الأموال هى أموال الشعب المصرى، ولا يهم أمانته من عدمها، المهم أنه يضخ أمواله فى السوق. خامساً وسادساُ...............الخ القائمة تطول لو حاولنا أن نتتبع الهاربين اللندنيين، والسؤال للحكومة البريطانية ماذا تفضلون؟ هل تقبلون أن تظلوا الملاذ الآمن للهاربين من يد العدالة والمتاجرين بثروات شعوبهم ومن صدرت بضدهم أحكام جنائية؟ أم تقبلون أن تكون علاقاتكم الدولية مع الدول هى الأهم؟ فلا يعقل أن تبيعوا علاقاتكم الدولية مقابل حفنة من مليارات الهاربين عندكم؟