مقام السيد البدوى داخل المسجد منذ أن تطأ قدماك محطة قطار طنطا، وتلمح بعينك ميدان المحطة سيخبرك السرادق الأحمر بحالة خاصة من الاحتفالات بشهر رمضان، الزينات الكهربائية الملونة ستخطف عينيك وهى تتلألأ فى سماء مدينة شيخ العرب السيد البدوى، فتكاد تقفز من فوق سور المحطة لتكون جزءاً من الشارع الطنطاوى بكل تفاصيله. وعلى الجانب اليمين من الطريق المؤدى لمقام السيد البدوى، تجد السرادقات المجهزة لموائد الرحمن ومحلات الحلويات وتعرض أنواعاً من الحمص والحلاوة تميز مدينة طنطا دون غيرها. اكتسبت مدينة طنطا روحاً خاصة منذ وجود مقام السيد البدوى، والسيد البدوى هو الشيخ العلوى أحمد أبو العباس بن على بن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر. والذى يرجع نسبه إلى الحسين، ونسبه مثبت على المقصورة النحاسية التى تحيط بضريحه. ولقب السيد البدوى ب "شيخ العرب" لفضله وكبير جوده وكرمه، وب "البدوى" لما لزمه من ملبس وزى، وكان يكنى ب "أبى الفتيان" لعطفه على الصغير والكبير من بنى الإنسان، فضلاً عما كان عليه من قوة الجنان وحسن البيان وطلاقة اللسان، وكنى أيضاً ب "أبى فراج" لما شهر من أن الله تعالى، يفرج الكرب عمن اشتد الكرب به لمن توسل إليه بمكانة السيد لديه وقربه. من ميدان الساعة وبالقرب من ميضة السيد البدوى، أول ما يقابلك هم "مجاذيب السيد البدوى": ملابسهم خضراء مهلهلة والعقود تتدلى من رقابهم، ثم تجد أسراً بكاملها تفترش الأرض المحيطة بالمسجد حتى بعد بناء السياج الحديدى حوله، يجتمعون وافدين من قرى ومراكز طنطا للتبرك بمقام السيد البدوى، تجلس النساء لتجهيز الإفطار الذى غالباً ما يكون "طواجن فتة باللحمة والأرز، وطبق "مخلل محبش"، ويصلى الرجال والأطفال داخل المسجد، ويشق الأذان صمت الميدان الذى تتجاوز مساحته 3 فدادين لحظة المغرب، وبعد دقائق قليلة يشق الصائم ريقه بتمر يوزعه المارة، أو كوب عصير تخرجه البيوت المقابلة للمقام، أو يوقفك صبيان المحلات المجاورة للمسجد مصرين على "أن تشق صيامك". تعرف كيف يكون رمضان فى رحاب البدوى، حين تجد العجائز والنساء ترتسم على وجوههم الراحة لمجرد أنهم يتكئون على جدران المسجد، وكيف يتشارك المارة فى طعام الإفطار لمجرد مرورهم بساحة السيد البدوى، وكيف يلهو الأطفال فرحين بفوانيسهم. وتصحو حالة أخرى من التصوف والتبرك بالسيد البدوى فى الشهر "المفترج"، فتبدأ حلقات الذكر ويتعالى صوت الإنشاد الدينى ما بين سيرة البدوى وبركة رمضان، ويتمايل النساء والرجال وتصبح ساحة البدوى مجالاً لإبداع تلقائى حين يطلقون لأجسادهم العنان. وحين تأخذك قدماك لتسير فى شارعى أحمد ماهر وشارع البورصة، ستخبرك الزغاريد عن سمة خاصة للغرباوية (نسبة إلى محافظة الغربية)، فالكل يتبارك بالشهر الكريم ويهرول لشراء الشبكة للعروسين اللذين يصران على كتب الكتاب فى رحاب المسجد، وإقامة الدخلة فى تانى أو تالث أيام العيد، وحين تمر بشارع البحر مع تقاطع شارع أحمد سعيد، ستجد شباب وفتيات طنطا يفترشون الحدائق العامة ومعهم أسرهم ليلهوا الأطفال ويلعبوا تحت أضواء شوارع طنطا، ويغادرونها فى هدوء وصفاء نفسى. يذكر أن السيد البدوى ولد فى زقاق الحجر بمدينة فاس المغربية سنة 596ه من أسرة علوية، عاشت فى عهد الخليفة الموحد الناصر محمد (610ه)، نشأ فى بيئة علمية، ثم هاجر مع أبيه إلى مكة سنة 603ه، وهو ابن 7 سنوات، واستغرقت الرحلة إلى مكة 4 سنوات، واستقر فيها من 607ه وحتى وفاة والده سنة 627ه. ونزل البدوى ب "طنتدا" أو طنطا، ضيفاً على أحد تجارها الأغنياء وهو الشيخ ركن الدين، تاجر الزيت والعسل والعلف، فى عهد السلطان العادل الأيوبى ابن الكامل محمد، وآثر البدوى الإقامة على سطح منزل ركن الدين ما يقرب من 12 سنة لم يفارقه، لذاك عرف ب "السطوحى". وبعد موت ركن الدين، انتقل البدوى إلى دار ابن شحيط شيخ البلدة، وقضى فيها بقية عمره وهى 26 سنة، حيث توفى فى 12 ربيع الأول 675ه.