مدبولي: لقاء شهري مع المفكرين والإعلاميين للتواصل الدائم مع المواطن    متى موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2024 للموظفين بالقطاعين العام والخاص ؟    إصدار لائحة تعاقدات الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل    البورصة المصرية تربح 5.3 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    وزير الاتصالات يكلف عبده علوان بتسيير أعمال رئيس مجلس إدارة البريد    محافظ الوادي الجديد: تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وجذب المزيد من الاستثمارات على رأس الأولويات    رويترز: مسؤول في حزب الله يتوعد بمهاجمة مواقع جديدة في إسرائيل    القناة 12 الإسرائيلية: سلاح الجو بدأ موجة واسعة من الهجمات على مواقع لحزب الله جنوبي لبنان    كوبا أمريكا.. الاتحاد الأوروجوانى يحفز لاعبيه قبل موقعة البرازيل    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية بمنطقة فيصل    ضبط مندوب تحصيل استولى على مبالغ مالية خاصة بشركة بالقاهرة    «التعليم» تعلن رابط التقديم لمدرس التكنولوجيا التطبيقية 2024-2025    انتشال جثة طفلين غرقا في مزرعة سمكية بكفر الشيخ    أشرف زكي يكشف حقيقة تدهور الحالة الصحية لتوفيق عبدالحميد    مهرجان المسرح المصري يكرم المؤلف والمنتج المسرحي أحمد الإبياري في دورته ال 17    ورش رسم وأداء حركي ومسرحي للموهوبين في ثاني أيام مصر جميلة بدمياط    في انتظار رخصة كاف.. الزمالك يعلن انتهاء أزمة بوطيب    بيلاروس تنضم رسميا إلى منظمة "شنجهاي للتعاون"    نظام أمان مبتكر لمواجهة انزلاق السيارة على الماء    "المنتخب بيشحت".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن الدوري ويوجه رسالة للأندية    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    عبوات مجهولة المصدر.. تحذير رسمي بشأن أحد أدوية التصلب المتعدد    إيرادات قوية لفيلم اللعب مع العيال في دور العرض.. كم حقق في 22 ليلة؟    وزير الإسكان: الرئيس السيسي وجه بضرورة إيجاد حلول بديلة وغير تقليدية لتحقيق التنمية    بدء الصمت الانتخابي اليوم تمهيدا لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية    «مناسب لكل الأعمار».. 5 وجوه للترفيه في مهرجان العلمين    تحرير 35 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    عمرو سعد: أحمد حلمي قرر أنه مش هيشتغل معايا أنا وأخويا    لتأخر صرف الأدوية.. «الصحة» تحيل مديري الصيدليات بمستشفيي العامرية والقباري للتحقيق    أستاذ جراحة تجميل: التعرض لأشعة الشمس 10 دقائق يوميا يقوي عظام الأطفال    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع مؤشر مصر الصحي    محافظ القليوبية يعتمد مواعيد امتحانات الدور الثاني للعام الدراسي لصفوف النقل    «منهج تنفيذي».. محافظ المنيا الجديد: العمل وفق استراتيجية التواجد الميداني    البيت الأبيض: هدف باريس وواشنطن حل الصراع عبر الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل دبلوماسيًا    ملفات محافظ أسيوط الجديد.. أبرزها إنهاء الخصومات الثأرية وإحكام الرقابة على الأسواق    انقلاب سيارة وتهشم أخرى في حادث تصادم بالتجمع |صور    تقرير: أوروبا تدعم زيادة شحنات الأسلحة لأوكرانيا وترفض إرسال جنود للقتال    العكلوك: الاحتلال يستهدف التوسع الاستيطاني وتقويض صلاحيات الحكومة الفلسطينية    حزب الله يشن هجوما بمجموعة من المسيرات على 7 مواقع عسكرية إسرائيلية    سويلم يتابع ترتيبات عقد «أسبوع القاهرة السابع للمياه»    صندوق النقد: 33% من الوظائف مُعرضة للخطر بسبب الذكاء الاصطناعي    محافظ قنا الجديد: الرئيس شدد على التفكير خارج الصندوق والابتكار    "رغم سنه الكبير".. مخطط أحمال بيراميدز يكشف ما يفعله عبدالله السعيد في التدريب    استقبال العام الهجري الجديد 1446 بالدعاء والأمل    تطور مفاجئ.. الأهلي يفرض عقوبتين على كهربا في 24 ساعة    قرعة التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2025.. تعرف على موعدها    طلاب الثانوية العامة يمتحنون الكيمياء والجغرافيا.. السبت    المفتي يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بالعام الهجري الجديد    شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا    «دون وفيات».. انهيار منزل من 5 طوابق بالمنوفية    متى وقت أذكار الصباح والمساء؟.. «الإفتاء» تكشف التفاصيل    ناقد رياضي: متفائل بالتشكيل الوزاري وأدعم استمرارية أشرف صبحي في وزارة الرياضة    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدويقة .. رحلة "الدم والرمل"

ما بين خط سكة حديد لم نستطع أن نعرف البداية أو النهاية له، وجبل المقطم شاهق الارتفاع، والمرشح للهبوط نظراً لوجود كتل صخرية على حافة المنطقة المنهارة، تقف مجموعة كبيرة من المنازل المتشابهة والمتلاصقة فيما بينها، وكأنها بيت واحد لا يفصلها عن بعضها سوى شوارع ضيقة.
تشابه المنازل .. كما تتشابه ملامح الناس فى المنطقة، هذا التشابه أيضا لا يختلف فى الطبائع والنزعات العدوانية لدى شباب المنطقة المنكوبة "العشوائية"، ربما يكون الحادث والتكاسل الحكومى وراء كل هذا العداء لما هو غريب ولكن فى النهاية يبقى الوضع كما هو عليه.
استغرقت الجولة أكثر من ساعتين بين الأنقاض مع المجموعات المدنية التى تحاول، وما زالت، استخراج جثث أو ناجين، إن وجد، استكملناها فوق سطح المنزل الوحيد الذى نجا من الحادث .. نروى مشاهد، عليك قرأتها جيداً إذا أردت أن تشاهد الحادث وكأنك تراه:
المشهد الأول: "دويقة بره علشان الحادث"
خلف مسجد الفتح ... سيارات ميكروباص .. "دويقة بره .. عشان الحادثة يا جماعة"، وبعد لحظات تحركت السيارة من الموقف المخصص، وبدأ الحديث بين الركاب حول الحادث والكتل الصخرية، وعدد الضحايا وفرق الإنقاذ والجيش والدفاع المدنى، لم تمر سوى أقل من نصف ساعة حتى وصلت السيارة إلى مدخل حى منشأة ناصر.. تواجدت مجموعة كبيرة من رجال الأمن وسيارات المطافئ، بالإضافة إلى السيارات التابعة للقوات المسلحة، ومتاريس تمنع المواطنين من الدخول بعد الساعة الثانية.
"طبق فول ورغيف .. دا جايباه شركة ولا إيه".. قالها صابر الذى جلس منذ التاسعة صباحاً، فى انتظار معرفة مصير 8 من أفراد أسرته، التى فقدت تحت صخور الجبل الذى سقط وقتل العديد من الأسر، تحدثنا إليه بالرغم من الحزن الذى كان يخيم على وجهه كالعديد من المتواجدين هناك، فقال: "فقدت أبناء عمى جميعاً فى بيتهم الموجود تحت هذه الصخرة التى نجلس عليها، ونحن فى انتظار قوات الإنقاذ لإخراج الجثث"، واستكمل "هذا الرغيف وعلبة الفول هو أول شىء يدخل جوفى منذ الحادث ولا أعرف من صاحب هذه الوجبة".
المشهد الثانى: "اكتشاف سقف وعيال تحت"
وكأنه اكتشاف .. هو بالفعل اكتشاف "ده سقف وبيتهز"، بصيص صغير من الأمل ينبعث عند وجود أى فتحات صغيرة يمكن استخراج ضحايا من خلالها، وهم يمرون بالفعل وجدوا فتحة صغيرة، يبدو أنها لسقف أحد المنازل التى سقطت عليها الصخور، بدأ التنقيب البدائى للأهالى المحاولين إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جثث أو مصابين، وبالفعل نجحوا فى استخراج جثة لا نعرف ما إذا كانت لرجل أو امرأة أو طفل، وكانت بطانية رخيصة الثمن جداً نهاية الجثة التى خرجت من تحت الأنقاض.
ويبدو أن الأمل فى وجود أحياء قد راود الكثيرين ممن تواجدوا فى موقع الحادث، بالرغم من أصوات المعدات والآلات التى يستخدمها رجال الانقاذ لفتح أى طرق للمرور، تغطى على أصوات كل شىء فى المكان، باستثناء المجموعات القريبة من بعضها لمحاولة استخراج الجثث، وقبل مرور نصف ساعة من استخراج الجثة الأولى كان القفز نحو منطقة أخرى قيل إن بها أحياء بعد أن سمعت إحدى النساء صوتاً لأحد الأشخاص، فكان التنقيب ولكن دون جدوى.
"فى ناس حيا هنا مش عارفين نطلعها.. انتوا بتدوروا فين"؟ والسؤال الأساسى لمعرفة ما إذا كان هناك أحياء تحت الصخور هذه "فى حد هنا.. فى حد تحت"، "اللى معاه كشاف يجيبوه يا خونا نشوف فى البيت ده فى حد تحت ولا لأ؟!!.. يا بتوع الإنقاذ فى حد هنا تحت الأنقاض.. ياعم بتوع الإنقاذ مش هيعملولنا حاجة .. العساكر بيمسحوا العرق للضباط .. والضباط واقفين بيتفرجوا غير كده ما فيش .. إيدينا فى إيدين بعض فى عيل صغير تحت".
المشهد الثالث: "اللى ميموتش بالجبل نموته بالضرب"
امرأة نجت من الحادث ب"أعجوبة" كما تقول، فمنزلها أول منزل سقطت عليه الصخرة ولكن لحسن الحظ الصخرة تدرجت واستقرت فى "مكان بعيد" سألتنا "إنتوا جيين تعملوا إيه هنا" فقلنا "إحنا صحفيين وجيين نغطى الحدث".. فقاطعتنا سريعاً "حدث أيه المفروض تتكلموا علينا إحنا بيتنا هيقع ومش عارفيين هنروح فين"، فقاطعناها "ليه هوا مش النائب حيدر بغدادى والحكومة وعدتكوا بنقلكوا إلى شقق"، فنظرت إلينا بغرابة بل من الممكن أن تقول باحتقار وسذاجة "ما فيش حد جالنا ولا قلنا إنتوا هتروحوا فين"، واستمرت "الحكومة ماسكة عصيان .. قالت اللى ميموتهوش الجبل نموته بالضرب".
فى النهاية استقر الجميع ممن كانوا بجوار هذه المرأة أن ما حدث هو "حركة إبادة جماعية"، وعليه "فكل راجل تمام فى منشية ناصر يرفع قضية ضد المحافظ والمسئولين بسبب هذه الكارثة" .. لكن هل من الممكن أن يكون الحادث مدبراً، وعليه "فهذا يترتب عليه حدوث مواجهة بين الأهالى الغاضبة والحكومة الصامتة".
المشهد الرابع: "والله ولا كأننا فى غزة"
الفجوة بين ضباط الإنقاذ والأهالى لم تقتصر على الجهد المبذول فى عمليات الإنقاذ، بل ظهر أكثر فى وجبات الضباط التى كانت من نادى ضباط أمن القاهرة بالمنيل، فى حين جمع الأهالى ما تبقى لهم من أموالهم واشتروا وجبات للجميع من "محلات الشبراوى".
عند مدخل الحى كانت هناك عربة محملة بالوجبات والأغذية، لكن كانت قوات الأمن منعت دخولها فى البداية خوفاً من تدافع الأهالى وراءها ودخول العديد إلى منطقة الحادث وقتها تذكرنا نفس المشهد، الحصار المفروض على غزة، بعدها ودون أن تمر لحظات على هذه الهواجس قال أحد الأهالى بالفعل عندما منعت قوات الأمن دخول العربات والموتوسيكلات إلى مكان الحادث: "والله ولا كأننا فى غزة" فأشفقنا عليه ورددنا "لا إنتا أكيد فى مصر".
المشهد الخامس: "تيجى إزاى يا بيه"
سؤال أساسى يتبادر إلى ذهنك عندما تصل إلى حى منشأة ناصر، أين الشقق التى وعد الحى بها الأهالى فى مشروع التطوير؟ الإجابة لم ننتظرها كثيراً وجاءت على لسان أحد الشباب موضحاً "محدش بيسأل فينا يا بيه، أنا تقدمت للحصول على شقة فى الحى من 20 يوليو 2007 أى منذ ما يقرب من سنة .. وحينما ذهبت إلى المتابعة فى المحافظة للسؤال عن الشقة كان الرد كل يوم "فوت علينا بكره يا سيد"، مجدى كساب الشاب المصاب بالقلب والحاصل على إيصال استلام رقم 26115 من الحى يستطرد حاكياً قصته "زمان الموظف كان بيخاف يطلب رشوة علشان هيتحبس، لكن دلوقتى الرشوة بتتطلب عينى عينك والمقابل طبعاً علشان الموضوع يمشى".
"تيجى أزاى يا بيه" معضلة أخرى طرحها هذا الشباب قائلاً "أنا راجل عندى القلب ومعنديش عمل أساسى وبشتغل سريح فى العتبة .. رزقى كل يوم بيومه .. أجيب منين 3 آلاف أو 5 آلاف حق رشوة شقة الحى .. فهل يعقل ذلك أسيب مكانى هنا وأروح مكان جديد مش عارف أدفع فلوسه"، لم نجد رداً على هذه المعضلة سوى الصمت .. واستمر الصمت حتى كسره عربة جيش محملة بوجبات سحور تهافت عليها المواطنون جميعاً.
المشهد السادس: "رئيس الحى هو السبب"
رجل آخر ألقى مسئولية "كارثة الدويقة" على رئيس الحى .. فمن وجهة نظر عم محمد "رئيس الحى أعطى عملية تهذيب الجبل وتطوير المنطقة إلى مقاول أتى بعمال قاوموا بالتكسير والتنقيب .. بالصعود من أعلى الجبل مروراً بالصخور، حتى الهبوط باستخدام حبال غريبة واستمر ذلك لمدة 3 شهور"، عم محمد أضاف أن "هذا التنقيب بجانب المياه الجوفية والانهيار لا يستبعد أن يكون هو سبب الكارثة".
المشهد السابع: "عايشين ميتين وعلشان كده ماتوا"
ملاحظة غريبة تقف أمامها بتعجب وهى أن لودر واحد هو المسئول عن عملية الإزالة .. فلماذا لا يكونوا اثنين أو ثلاثة إن لم يكن أربعة لمضاعفة الجهد وتوفير الوقت، "إنتوا إزاى عايشين كده؟ سؤال طرحناها جميعاً فجاءت الإجابة من أحد الزملاء "هما عايشين ميتين؟ علشان كده ماتوا!".
هل تعلم أن منطقة الدويقة ليست منطقة عشوائية؟ نعم لا تتعجب فهذا ما اكتشفناه خلال رحلتنا "وكله بكلام الحكومة".. فمنطقة الدويقة هى "منطقة مخططة ومملكة" بمعنى أن هذه المنطقة وبالأخص "عزبة بخيت" الذى وقع فيه الحادث، تم تخططيها من قبل الحى بخرائط وليست كما يقال "عشوائية" .. فالأهالى معهم وصولات وخرائط من الحى توضح ملكيتهم بالمتر لهذه الأراضى المقام عليها المنازل، سألنا، فلماذا هذا التعنت من قبل الحى؟" فرد أحدهم بسرعة: "هما عايزين يخلوا الناس إدارياً ومش راضيين يدولنا شقق إلا لما البيوت تتهد على دماغنا، الحكومة تستغل الموقف أسوا استغلال لتتخلص من هذا الصداع وتقضى على عزبة بخيت بالكامل وترتاح خالص".
المشهد الثامن: "ذعر ومفارقة"
قبل طلوع شمس اليوم الثانى على الحادث، كان هناك ما يقرب من 1000 شخص من المنطقة المنكوبة محاولين إنقاذ أو استخراج ضحايا، وذلك بعد انسحاب قوات الأمن والشرطة من المنطقة خشية المواجهات المتوقعة بين الجانبين، وفجأة انتشرت حالة من الذعر بين جميع المتواجدين فى المكان بعد سقوط قطع صخور من الجبل الذى يرشح للانهيار فيما بعد، وسط كل هذا مفارقة لم نستطع أن نغفلها، فخلال كل هذه المأسى والكوارث تخرج سيدة عجوز على سطح بيتها الوحيد الذى خرج سليماً نوعاً ما من المصيبة لتطمئن ليس على البشر ولكن على الماعز التى قالت عنهم "مربياهم على الغالى" .. وما زالت "مشاهد الكارثة" مستمرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.