اتجاه الكثير من مؤلفى الدراما التليفزيونية، للكتابة عن المناطق الشعبية والأحياء العشوائية وحياة المهمشين، أصبح ظاهرة، بعد أن امتنعت الدراما المصرية لوقت طويل عن التطرق إليها، واكتفت دائماً بتقديم عالم افتراضى، لا يعرفه الكثيرون من المجتمع المصرى، كما سلطت الضوء على عالم القصور الفارهة ورجال الأعمال، مما يجعلنا نتساءل: هل هذه "الهوجة العشوائية" من باب التقليد أم المصادفة؟ أم أن هناك محاولة لتحسين صورة الأحياء العشوائية وهذه الطبقة المهمشة من الشعب المصرى وتسليط الضوء عليها، خاصة بعد ظهورها بصورة سيئة تماماً فى عدد من الأفلام مثل "حين ميسرة" للمخرج خالد يوسف، حيث فضح الفيلم الكثير من المسكوت عنه ولاقى اعتراضات عديدة من أجهزة ومؤسسات الدولة المخلتفة؟ وهل تجد هذه الأعمال صدى لدى الجمهور، خاصة أنها تعبر عن شريحة عريضة منهم، قلما يرون أنفسهم على الشاشة؟ الخطوط الحمراء فى السينما تكاد تكون معدومة، حسب ما يرى سامى محمد على مخرج مسلسل "بنت من الزمن ده" بطولة داليا البحيرى، قائلاً إنه لذلك لن يقدم فى مسلسله العشوائيات، نفس الصورة السوداء التى قدمها خالد يوسف فى فيلمه "حين ميسرة"، لأن مساحة الحرية فى الدراما التليفزيونية أضيق منها فى السينما، لأن المسلسل يدخل جميع المنازل فى مختلف الدول العربية، مشيراً إلى أنه يتعرض لمشكلة العشوائيات من جميع جوانبها ويسلط الضوء على نماذج من ساكنى العشوائيات، لأنهم قنبلة موقوتة فى وجه باقى الشعب، وعلى جميع المؤسسات فى المجتمع أن تهتم بهم، وتخرج بهم إلى المجتمع المدنى، وتحولهم من قوة سلبية فى المجتمع إلى قوة إيجابية، ويختتم سامى محمد على كلامه بأن دق ناقوس الخطر والتنبية لخطورة المساكن العشوائية، يحتاج إلى أكثر من عمل، ولهذا فلا مانع من تقديم كل هذه المسلسلات فى وقت واحد، لأن الموضوع أكبر من مسلسل أو عمل فنى واحد. "قضية العشوائيات ليست جديدة على فى الكتابة، وتناولتها من قبل فى أكثر من مسلسل، ولكنه لم تكن الحدث الرئيسى بل كانت أحد المحاور"، هذا ما قاله محمد الغيطى كاتب مسلسل "بنت من الزمن ده"، نافياً عن نفسه تهمة السير وراء الموضة، ويضرب الغيطى المثل بمسلسلاته "سالمة يا سلامة" عام 1998، و"عواطف النساء"، و"أشباح المدينة" وغيرها من الأعمال التى تتناول العشوائيات، لأنها واقع ملموس. ويعارض الغيطى فكرة أن الدولة هى التى توجه المبدعين فى هذا الاتجاه قائلاً "الدولة ليس لديها عقل لكى توجهنا، والنظام بلا بوصلة، وبالمناسبة أنا ككاتب ليس لدى مانع أن أكتب بتوجه، والمجلس القومى للمرأة أحياناً يدعونا لحضور اجتماعات، وتوصيات المجلس أحياناً تطلب منا ككتاب أن نتناول قضايا معينة، كالعنف ضد المرأة ويمدنا بالدراسات والإحصائيات عن العنوسة وأطفال الشوارع وغيرها من الموضوعات الاجتماعية، والسينما لم تتناول العشوائيات إلا فى الفترة الأخيرة وبفيلم واحد هو فيلم "حين ميسرة" لخالد يوسف. "كتاب الدراما تأخروا كثيراً فى الكتابة عن عالم المناطق الشعبية والعشوائية، رغم أنها تستحق أكثر من عمل فى العام"، هذا ما يراه شريف منير بطل مسلسل "قلب ميت"، مضيفاً أنه لا عيب فى وجود أكثر من مسلسل يلقى الضوء على عالم العشوائيات الغنى بالتفاصيل الدقيقة، "ده إحنا ممكن نطلع منه 1000 حدوتة مختلفة"، موضحاً أنه قَبِلَ بطولة المسلسل بعد قراءته للصفحات الأولى للسيناريو الذى كتبه المؤلف الشاب أحمد عبد الفتاح، حيث وجد أنه حرص عند كتابته للمسلسل على تناول الواقع بحذافيره، وعدم تجميله أو الإساءة إليه. "فيلم خالد يوسف فتح شهيتى وبعد مشاهدته قررت كتابة مسلسل عن الناس الغلابة اللى إنتو بتسموهم عشوائيات"، هذا ما قالته فيفى عبده، مضيفة أن هدفها من المسلسل هو "إنى أورى الناس مشاكلهم يمكن حد يتحرك، ويساعدهم وعشان كده اخترت حياً شعبياً فى الإسكندرية". الناقدة ماجدة خيرالله ترى أن توارد الخواطر الفنية، أمر معترف به فى السينما والتليفزيون، خاصة عندما تلاقى إحدى التجارب الفنية نجاحاً وصدى لدى الجمهور، فيبدأ المؤلفون فى التفكير فى كيفية استغلال ذلك النجاح فى أعمالهم، والتطرق لقضايا مشابهة، لأنه فى كل فترة تظهر لدينا قضايا مختلفة تتناولها الدراما المصرية، فمنذ حوالى 8 سنوات شاهدنا جميعا كثرة مهولة فى المسلسلات التى تتناول فترة أوائل القرن الماضى، حتى إننا أطلقنا عليها "مسلسلات الطرابيش"، ولا تنفى ماجدة فكرة أنه ربما تكون هناك محاولة لتحسين صورة المناطق العشوائية بعد فيلم "حين ميسرة" خاصة أنه من أفلام الكوميديا السوداء التى تكشف قبح الواقع، خاصة أن سكان العشوائيات وصل تعدادهم لأكثر من 15 مليون نسمة حالياً، وهذا ما سيتضح لنا بعد رؤيتنا لهذه الأعمال على شاشات القنوات التليفزيونية المختلفة فى رمضان المقبل. لمعلوماتك ◄ 15 مليون جنيه حققها فيلم "حين ميسرة"، وهو ما لم يتحقق لأى فيلم من أفلام المخرج خالد يوسف.