استعرضت مجلة فورين أفيرز فى عددها الأخير، كتابين يدوران حول موضوع واحد هو جدوى المحاولات الأمريكية الداعية إلى إقامة نظم ديمقراطية فى العالم، ومدى تطابق ذلك مع المصالح الأمريكية. ومع اختلاف وجهات نظر الكتابين فى تناول مسألة الحريات المتداعية فى الشرق الأوسط, إلا أنهما اتفقا على نتيجة واحدة، ألا وهى أن على واشنطن أن تضع قيوداً على الساحة التى تتحرك فيها، وهى تدعو إلى إقامة أنظمة ديمقراطية وحماية حريات شعوب المنطقة، فتمضى فى تكريس دعوتها بمنهجية متدرجة، بالضغط على الأنظمة الحاكمة لتخفف من حدة ممارساتها القمعية ضد معارضيها، وهم فى الأغلب ممثلو تيار الإسلام السياسى، فتضمهم إلى المنظومة السياسية الشرعية وتستخدم واشنطن فى ذلك المعونات والاتفاقيات التجارية المشروطة. يستعرض الكتاب الأول: "المسيرة المتعثرة للحريات"، تلك العلاقة الارتباطية التاريخية بين المصالح الأمريكية ومنطقة الشرق الأوسط والتى تمثلت فى ثلاثية ضمان تدفقات النفط والملاحة فى قناة السويس، وأمن وسلامة حلفائها الأساسيين مثل إسرائيل والسعودية، وهى ثلاثية المصالح التى انضم إليها أخيراً، سعى واشنطن لتأييد دول المنطقة فى حربها ضد الإرهاب. الكتاب يعرض لإدارة بوش ومواقفه الباهتة وغير المتحمسة لقضية الديمقراطية فى المنطقة، إذ ركزت أجندتها على التنمية الاقتصادية لدول الشرق الأوسط كأولوية على الإصلاح السياسى، اعتقاداً أن الأولى تؤدى إلى الإصلاح الديمقراطى المنشود، وهو المنهج الذى ثبت فشله، ذلك أن الدعم الاقتصادى الذى منحته واشنطن، ذهب لمساندة الأنظمة الأتوقراطية الحاكمة. ومع فشل تلك الأنظمة فى الارتقاء إلى مستوى أحلام شعوبها فى حياة آمنة وعيشة كريمة، انكفأت تلك الشعوب على ذاتها باحثة عن خلاص فى الجماعات والهيئات التى تقدم لها العون، لتظهر بذلك النزعات القبلية والعشائرية والنزعات الدينية، بما يهدد السلم الاجتماعى، ويخلق بيئة طاردة للديمقراطية. يدعو الكتاب واشنطن، إلى وضع الأولويات لإقامة الديمقراطية فى دول الشرق الأوسط على أجندتها السياسية، إذ إن هذا هو المخرج الوحيد من الانهيار السياسى لتلك الدول، فضلاً عن غياب الحريات، عوامل الانفجار السكانى والركود الاقتصادى والاغتراب السياسى, ويستطرد الكتاب أن الديمقراطية هى الأسلوب الوحيد الذى يقطع على الإسلاميين طريق الحكم. ذلك لأن السياسة الشمولية والقمعية، التى تمارسها ضدهم الأنظمة الحاكمة تقوى شوكتهم وتجعل من المساجد ملاذاً لهم ولأتباعهم، أما إذا دخلوا المشهد السياسى لابسين ثوب الشرعية، فسوف يصبح فى الإمكان محاورتهم ووضع أفكارهم واستراتيجيتهم فى محل الاختبار. أما الكتاب الثانى "ما وراء المظاهر الخادعة"، لمجموعة من المؤلفين فهو يختبر حقيقة محاولات الإصلاح السياسى فى عشرة أنظمة حاكمة فى العالم العربى، ويخلص إلى أن ما جرى مما سمى بالإصلاح لم يعدو كونه تجميلاً فى الشكل الخارجى دون تعبير حقيقى وجوهرى فى الوصفة السياسية لهذه الدول التى ظلت تسير فى مكانها، ويرجع الكتاب فشل محاولات الإصلاح إلى صدورها عن النخب السياسية الحاكمة، إلا أنها كانت مؤقتة ولم تنتج حركة سياسية فاعلة ومتصلة مع الجماهير، هذا فضلاً عن أن أعين هذه الأنظمة كانت على الاحتفاظ بالوضع الراهن الذى يكرس سلطتها، لذا استخدمت جميع الأدوات المتاحة، والتى تقبض على جميعها فى يدها الحديدية من إصدار للقوانين وفرض سياسات مالية واقتصادية تخصم النخب الموالية لها أو تمول بها هيئات فى المجتمع المدنى تضمن ولاءها، وعندما تفشل كل هذه المحاولات، فإنها تلجأ إلى الممارسات القمعية ضد معارضيها. مثال ذلك، ما جرى فى مصر بعد الفوز غير المسبوق للمعارضة فى انتخابات 2005، عندما ألغت السلطات الانتخابات المحلية وأجلتها لعامين متتاليين، ثم تقدمت بإصلاحات دستورية تقضى تماماً على أى نشاط سياسى فى المستقبل للإخوان المسلمين. وخلاصة القول، إن اندفاع واشنطن فى تأييد الديمقراطية خفية، لن يخدم مصالحها، إذ إنها تغامر بسقوط الدول العربية.