«تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن»، هذا المثل العربى القديم ينطبق على حال المهندس أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى، فى يوم لن ينساه، فالرجل الذى جاب المحافظات بقراها ونجوعها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا تمهيدا لهذا اليوم الذى يستعد فيه مع قيادات الوطنى لجنى ثمار التحضير والجهد شهورا، ومذاكرة تقارير المحافظات، والسهر على «فلترة» أعضاء الحزب لضمان استحواذ «الوطنى» على غالبية مقاعد البرلمان، يفاجأ «عز« بخبر وفاة والده فى وقت «حساس جدا» لا يحتمل أية مفاجآت. ورغم أن خبرا كهذا يمكن أن يهد «جبلا من حديد» وليس آدميا، كان «عز» بين نارين، أولاهما (كما يفعل الأبناء البررة بآبائهم) توصيل والده إلى مثواه الأخير، الثانية ممارسة الدور المؤثر فى حشد المرشحين وتوجيههم، وهى متابعة ما ستسفر عنه انتخابات أمانات المحافظات لاختيار مرشحى «الوطنى». أكثر الرجال شدة وتحملاً لن يستطيع أمام نبأ يقصم الظهر ك( وفاة أحد الوالدين) أن يصمد، أو يباشر عملا آخر، أو حتى يلتفت إلى من بجواره، لكن «عز» كان يبكى على والده وباله مشغول بالمرشحين، كان متابعا لعملية تغسيله وتكفينه، وفكره مشتت بين محافظات مصر، كان يستقبل المعزين من «كبار رجال الدولة» وقلبه مقسوم بين فراق والده والخوف على تفريق قلوب رجال الحزب بالمحافظات، أو إفساد عملية اختيار المرشحين تأثرا بهذه المفاجأة الحزينة والثقيلة جدا على «عز». منطقى جدا أن يربك خبر وفاة والد أمين تنظيم الوطنى، قيادات الحزب قبل أعضائه ومرشحيه، لكن «عز» الذى أحس بما قد يترتب على هذا الارتباك، أبى إلا أن يتابع بنفسه عملية اختيار المرشحين والمؤشرات أولا بأول، والتقارير التى تبعثها أمانات التنظيم بالمحافظات رأسا إليه. لم يهدأ عز يوم الأحد الماضى، غسل دموعه سريعاً، وعاد إلى متابعة مهامه الحزبية (من سرادق العزاء) بدليل تصريحاته الصحفية فى نفس يوم وفاة والده ليحسم الجدل الدائر بشأن الرموز التى اختارها الحزب الوطنى لمرشحيه على مستوى الجمهورية، وهى: «غصن الزيتون، القمر، الجمل، الحصان، الهلال، النجمة»، قائلا إن الحزب قد سجل لنفسه أمام اللجنة العليا للانتخابات 6 رموز أصلية للحزب الوطنى، مضيفا: «كل المرشحين الذين تقدم بهم الحزب الوطنى هم مرشحون أصليون ولا يوجد بهم ثمة مرشح أصلى ومرشح احتياطى فى أى دائرة من الدوائر.. ولا يوجد تفضيل لمرشح حامل لرمز معين على مرشح آخر حامل لرمز آخر، فكل الرموز للحزب الوطنى الديمقراطى ولا فرق بينها». مشاهد جنازة والد «أحمد عز» كانت متتابعة ومؤثرة، بالرغم من غياب الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، والوزراء، الذين لم يحضر منهم سوى أنس الفقى، وزير الإعلام، وأمين أباظة، وزير الزراعة، واللواء عبدالسلام المحجوب، وزير التنمية المحلية، وأحمد المغربى، وزير الإسكان، والدكتور مفيد شهاب، وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية، والدكتور على المصيلحى، وزير التضامن الاجتماعى. وحضر عدد كبير من قيادات الحزب الوطنى على رأسهم صفوت الشريف، الأمين العام للحزب، والدكتور على الدين هلال، أمين الإعلام، وجمال مبارك، أمين السياسات. وغاب أعضاء مجلس الشعب و«المعارضة» التى اقتصر حضورها على موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، كما غابت جماعة الإخوان المسلمين عن مراسم الجنازة والعزاء، ولم يحضر أى ممثل عنها. واقتصر حضور أعضاء مجلس الشعب على الكاتب الصحفى مصطفى بكرى، ورجل الأعمال محمد أبوالعينين الذى وصل متأخرا وعانق عز عناقا شديدا، والإعلامى أحمد شوبير، فيما حضر كل من الدكتور حسام بدراوى، ومحمد رجب، وعبدالله كمال، رئيس تحرير جريدة روزاليوسف، أعضاء مجلس الشورى، كما حضر الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية متأخرا بعد مغادرة الجثمان، وقام بتقديم العزاء ل«عز» على باب السيارة. وظهر واضحا حضور عدد كبير من أمانتى القاهرة والجيزة، فيما كان أعضاء بأمانة الشباب فى تنظيم وتوجيه المعزين للأماكن الخاصة ومكان الصلاة، بينما غابت النساء عن العزاء، واقتصر حضور السيدات على خمس سيدات من العائلة لم يكن من بينهن شاهيناز النجار زوجة عز. وحضر عدد من أبناء المنوفية بجوار عز لمواساته، فى حين حضر جمال مبارك، أمين السياسيات، متأخرا، فتوجه إلى نهاية الصف، وانتظر لنهاية العزاء رافضا الوقوف فى موقع متقدم، أراد بعض المعزين أن يفسحوه له. وظهرت علامات الحزن الشديدة على أحمد عز، الذى ظل واقفا بجوار شقيقه أشرف ونجله، وكان مرتديا نظارة سوداء، لكنه رفعها عن عينيه أكثر من مرة حيث كان «يفرك» عينيه بيديه وهو يستقبل العزاء فى والده. مشهد العزاء كان صامتا، ولم يتحدث أى من المعزين أو قيادات الحزب حول اختيارات الحزب الوطنى لمرشحيه، فيما تناول البعض الأحاديث الجانبية الهامسة، والحديث عن أمور تنظيمية تخص الترتيبات لما بعد اختيار الحزب لمرشحيه.