على مساحة 165 مترًا.. رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح النادي البحري فى الإسكندرية (صور)    "المصريين": ثورة 30 يونيو ستبقى علامة فارقة في تاريخ مصر    حماة الوطن: نجدد الدعم للقيادة السياسية في ذكرى ثورة 30 يونيو    تحديث مباشر.. سعر الدولار اليوم في مصر    تباطئ معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.22% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2023    بن غفير ردا على كندا: إسرائيل ذات سيادة ولن تقبل إملاءات من أي دولة    حزب الله يهاجم بمسيرات هجومية موقع الناقورة البحري    إسبانيول: تفعيل ريال مدريد بند شراء خوسيلو وبيعه للغرافة القطري    فليك يطلب بقاء نجم برشلونة    حملات تموينية على الأسواق والمخابز والمحال بشمال سيناء    "مظاهرة حب".. أول حديث ل عمرو يوسف بعد إعلان مرض كندة علوش    كريم عبد العزيز يكشف موعد عرض فيلم الفيل الأزرق 3    ما هي الضوابط الأساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس؟    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص بعمود إنارة ببنى سويف    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى نبروه المركزي (صور)    محمد مهنا: «4 أمور أعظم من الذنب» (فيديو)    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    انطلاق مباراة الإسماعيلي والمصري في الدوري    قائد القوات الجوية الإسرائيلية: سنقضى على حماس قريبا ومستعدون لحزب الله    لطيفة تطرح ثالث كليباتها «بتقول جرحتك».. «مفيش ممنوع» يتصدر التريند    يورو 2024.. توريس ينافس ديباى على أفضل هدف بالجولة الثالثة من المجموعات    أيمن غنيم: سيناء شهدت ملحمتي التطهير والتطوير في عهد الرئيس السيسي    عبدالمنعم سعيد: مصر لديها خبرة كبيرة في التفاوض السياسي    فيروس زيكا.. خطر يهدد الهند في صيف 2024 وينتقل إلى البشر عن طريق الاختلاط    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    مستشار الأمن القومى لنائبة الرئيس الأمريكى يؤكد أهمية وقف إطلاق النار فى غزة    «رحلة التميز النسائى»    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    جهاز تنمية المشروعات يضخ تمويلات بقيمة 51.2 مليار جنيه خلال 10 سنوات    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    ضبط 103 مخالفات فى المخابز والأسواق خلال حملة تموينية بالدقهلية    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    موسى أبو مرزوق: لن نقبل بقوات إسرائيلية في غزة    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل الأخير
نشر في اليوم السابع يوم 28 - 06 - 2008

إن النقاش والنقار والقيل والقال ، والاستشهادات المثبتة والاستشهادات النافية ، بين أنصار النقاب الذين يرون أن النقاب الذي لا يكشف إلا العينين ، أو حتى عينا واحدة هو الزي الإسلامي ويحرمون المصافحة والاختلاط .. الخ ، وبين الذين يرون إظهار الوجه والكفين ويتسامحون قدرًا ما في الاختلاط والمصافحة ، والخلاف المحتوم بينهما في العمل الاقتصادي والممارسة السياسية للمرأة ، نقول تماما أنه لا فائدة من الاعتماد على نصوص الفقه التقليدي فضلا عن أن روحه تعود إلى العصور القديمة وتتجاهل تماما العصر الذي نعيش فيه .
من هنا فنحن لا نتصور أن تحل قضية المرأة على أساس ما يمكن أن يقدمه الفقهاء الذين يعتمدون على الفقه التقليدي وقد عرضنا آنفا نماذج لأكبر المفكرين منهم .
وشأن المرأة في هذا شأن بقية مجالات الفكر والعمل الإسلامي التي تحبس في الإطار الفقهي التقليدي . وإنما حدث هذا لأن رجلاً ، أو جماعة من المسلمين لم يتصوروا إمكان وضع فقه جديد ، أو يأنسوا من أنفسهم الشجاعة لوضع ذلك ، لأن ألف سنة من التقليد أدت إلى صدأ العقل المسلم ، واكتفاء المفكرين بعلاج جوانب جزئية أو تعديل في بعض الأحكام دون الجرأة على وضع أصول فقه جديد ، رغم أن الفقه القديم استنفد أغراضه ولم تعد أصوله تتلاءم مع ما انتهى إليه التطور من شيوع الثقافة والمعرفة ، وظهور نظم وعلاقات وطرق إنتاج واتصال لم يكن للعالم القديم عهد بها . لاستكمال هذا وضعنا كتابنا "نحو فقه جديد" في ثلاثة أجزاء (يظهر الجزء الثالث قريبًا) حتى يمكن معالجة قضية المرأة معالجة صريحة شجاعة .
ولا يتسع المجال بالطبع للحديث عن هذا الفقه الجديد ، ولذا نجتزئ هنا بالإشارة إلى بعض القواعد الرئيسية فيه :
أولاً : إن الإسلام عقيدة وشريعة وعمل . والعقيدة تضم كل ما يتعلق بالله تعالى واليوم الآخر وهي الأساس في الإسلام ، كما هي الأساس في كل دين . والشريعة هي ما يتعلق بالتعامل في هذه الحياة الدنيا ، والعمل هو مصداق الإيمان بالعقيدة والشريعة ومعيار الثواب والعقاب في الحياة الدنيا والآخرة . ولكل من هذه المكونات الثلاثة طبيعة وهدف ووسائل خاصة بكل منها ، فالعقيدة طبيعتها الإيمان القلبي وهدفها الهداية الإلهية ووسيلتها الحكمة والتدبر ، بما في ذلك قراءة القرآن ، والشريعة طبيعتها عقلية عملية وهدفها العدل ووسيلتها القوانين المنظمة ، والعمل هو حصيلة هذين ومعيار مصداقيتهما .
ثانيًا : إن حرية الفكر والاعتقاد في الإسلام مطلقة "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" ولا يجوز أبدا تسليط سيف المصادرة أو التكفير على من يقول رأيا مخالفًا حتى للثوابت ما دام يدعو بالكتابة وفي مقابل هذا فإن كل ما يتعلق بالعمل والعلاقات يخضع للعدل .
ثالثًا : إن تفسيرات القرآن الكريم إنما تمثل اجتهادات بشرية في التفسير ، فيها كل ما يلحق بالجهد البشري من قصور ، فضلاً عما دس فيها من إسرائيليات ونقول وخرافات لهذا فإن الفقه الجديد يستبعد من إطار الإلزام أو فهم القرآن كل التفسيرات بلا استثناء ويرى أن التفسير الوحيد المقبول هو تفسير القرآن بالقرآن نفسه لأن القرآن يفصل في آيات ما أجمله في آيات أخرى .
رابعًا : إن الأحاديث المروية في كتب السنة ، بما في ذلك الصحاح تحتاج إلى غربلة جديدة لأن المعايير التي وضعها المحدثون لضبط الأحاديث في الجرح والتعديل ، والرجال .. الخ ، لم تكن كافية ولأن وسائل التحري والضبط كانت محدودة رغم ما قاموا به من جهود بطولية .
وقد حدثت عده غربلات للأحاديث الأولى في عهد الإمام أحمد بن حنبل ومالك والثانية في عهد البخاري ومسلم وهناك حاجة إلى غربلة ثالثة .
والمعيار الذي تقوم عليه هذه الغربلة هو الاتفاق مع نصوص وروح القرآن الكريم .
خامسًا : إن الحديث المروي حتى لو صح فليس شرطًا أن تكون له صفة التأبيد التي للقرآن الكريم . لأن القرآن الكريم عندما أغفل ذكر التفاصيل العديدة لم يكن ذلك سهوًا أو نسيانا ، ولكن لأنه لا يريد لها صفة التأبيد وأوكل تبيانها إلى الرسول الذي قام بذلك بناء على وحي سني له قداسته ، ولكن دون قداسة الوحي القرآني وإلا لجاء به الوحي القرآني ، وفي الوقت نفسه واتفاقا مع أراده القرآن فإن الرسول أمر بعدم تدوين السنة ، ومدلول هذا أن الأحاديث يمكن أن يكون لها بقاء إذا ظهرت صلاحياتها وإلا فلا .
سادسًا : إن القرآن الكريم ليس كتاب علوم أو تاريخ أو جغرافيا أو قانون رغم أنه تضمن ما يمكن أن يكون مفاتيح في هذه كلها ، ولكنه أصلا وبالدرجة الأولى كتاب هداية ، ولهذا فإن الاعتماد على آيات الأحكام لا يكفي إذ هي ما بين (200 و 500 آية من بين 6000 آية) ، ومن أجل هذا يجب توسيع قاعدة استمداد الأحكام من القرآن ، وفي الوقت نفسه ضمان اتفاقها مع القرآن ، وذلك باستلهام منظومة القيم الحاكمة في إصدار الأحكام ، وإبراز القيم الحاكمة وهي الحرية والعدل ، والسماحة .. الخ .
سابعًا : تضمن القرآن الكريم والسنة النبوية أيضا نصوصًا لتنظيم بعض الممارسات التي كانت قائمة ، ليس فحسب في بلاد العرب ، ولكن في كل بلاد الدنيا ، ولكن التطور الحديث قضى على هذه الممارسات أصلاً وبالتالي انتفت الحاجة إلى تنظيمها مثل الرق أو الأنفال أو توزيع الغنائم . ويمكن القول بصفة عامة أنه باستثناء أساسيات الإسلام ، أعني ما يتعلق بالله تعالى والرسل والوحي والبعث والنشور والثواب والعقاب في الدار الآخرة ، فإن القرآن يعالج معظم قضايا المعاملات ومنها قضايا المرأة بصيغة كلية عامة ويترك التفاصيل للاجتهاد والتأويل ، خاصة وأن الكلمة القرآنية حمّالة ، أي أنها تتحمل تفسيرات عديدة ، وهذا من إعجاز القرآن لأنه يمكن اللفظة القرآنية من أن تتجاوب مع التطورات دون تطويع أو ابتسار .
وتطبيق هذه المبادئ لحل قضية المرأة يعني استبعاد آراء الفقهاء تمامًا لأن هذه الآراء إما أنها بنيت على تفسيرات سقيمة خاطئة للقرآن الكريم أو على أحاديث ركيكة أو موضوعة أو على نقول توراتية أقحمت في التفاسير ، وهذا يقتضي أولاً : العودة إلى القرآن رأسا دون تفسير المفسرين ، وهنا نجد أن الآية "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة 71) .
إن هذه الآية تعطي المرأة "كارت بلانش" أي مساواة كاملة ودون تفرقة مع الرجال للمساهمة في مجالات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" إي كافة مجالات العمل الاجتماعي ولا يستطيع أحد أن يقف في مواجهتها لأنها من الصراحة والوضوح بحيث ترفض كل تحايل . لقد ادخر القرآن الكريم هذه الآية عبر القرون ليمكن لدعاة حرية المرأة أن يرفعوها عندما يجئ الزمان الذي يسمح بتطبيقها لأنها تعطي المرأة حرية العمل على قدم المساواة ، وإلى آخر مدى باعتبار أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضم كل شيء ، وأهم من هذا أنها تقنن وتعترف بمشروعية علاقة وثيقة تربط بين الرجال ، والنساء (المؤمنون والمؤمنات) هي علاقة الولاية ، وقد أشارت مذكرة الإخوان المسلمين التي عرضنا لها عند الحديث عن الحقوق السياسية للمرأة إلى أن معنى الولاية يشمل الأخوة والصداقة والتعاون على خير إن هذه المفردات الأخوة والصداقة والتعاون تفترض بداهة مجتمعا مختلطا وحياة خصبة فعالة يترابط فيها الرجال والنساء بمحور وثيق هو الولاية ويستهدفون هدفا نبيلاً هو الخير ، فكيف يمكن أن يستقيم هذا في عالم المنقبات ، بل قل كيف يمكن أن يتأتى مع مبدأ الفصل الحديدي ما بين المؤمنين والمؤمنات .
فإذا قيل : فكيف حدث أن هذا المجتمع المختلط السافر الذي يعمل فيه الرجال والنساء معًا على قدم المساواة الذي توحي به الآية لم يظهر في وقت الرسول ؟ فنعيد ما قلناه من قبل من أن القرآن يؤمن بالتدرج ويأخذ به ، كما أنه يضع أصولاً في آيات لا يسمح بتطبيقها التطور الزمني والظروف الاجتماعية والاقتصادية ، عندما نزل وإنما هو يقررها لأزمان آتية تسمح ظروفها بالتطبيق ، ويكون هذا التطبيق إعمالاً للقرآن ، والنكول عنه تغافلاً ونكولاً عما أمر به .
إن القرآن لم ينزل لأمة العرب وحدها ولم ينزل للقرن الأول الهجري (السابع الميلادي) وحده وإنما نزل للناس جميعاً وللعصور جميعًا . ومن ثم فإنه يضع ما يصلح للناس وما يتفق مع العصور . فإذا قالوا إن الرسول قال : خير القرون قرني .. الخ ، فإننا نقول نعم ، إن قرن الرسول هو خير القرون في الإيمان ، ولكنه ليس خير القرون في التنظيمات الاجتماعية والوسائل الإنتاجية ، والمعيشية بل إننا نعترف بأن المجتمع المختلط تمامًا لم يكن ليحظى بالتأييد وقت الرسول ، لأن وقته لم يكن قد حان ، والدعوة إليه وقتئذ كانت تعجلاً ومخالفة لسنن التطور ، فكل مجتمع ، وكل عهد يأخذ بما تسمح به درجة تطوره ما دام له سند في القرآن ومن الخطأ أن يتخلف عنه ، أو أن يتقدم عليه ، فبالنسبة للمرأة كان المجتمع الإسلامي الأول متقدمًا عن مجتمع الجاهلية ، ولكنه كان عمليا متخلفًا عما جاء به التطور بعد عشرة قرون أو أكثر ، وأي عجب في هذا ، ونحن في حياتنا اليومية نأكل ونشرب ونلبس ونسير بوسائل وأساليب متقدمة بمراحل عما كانت عليه أيام الرسول  ، والأوضاع الاجتماعية أيضًا تتغير تبعًا لدرجة التطور ، وإعجاز القرآن أنه يقر هذا بل إنه يضع بذرته في العهد الأول حتى تنمو وتؤتي أكلها فيما بعد ذلك ، عندما يأتي وقتها .
وليست آية "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" هي الوحيدة فهناك الآيات الأخرى التي تقرر حقوق المرأة بالشكل الذي أوضحناه في فصل "القرآن يحرر المرأة" . أما بالنسبة للمسائل التي لم يشر إليها فهنا نلجأ إلى منظومة القيم الحاكمة في القرآن ، وبالنسبة للعلاقات فإن القيمة الحاكمة هي العدل ومن ثم فإن كل ما ينظم تفاصيل الزواج والطلاق مثلاً يجب أن يتفق مع أصول العدل وأي تصرف يخالف العدل لا يعتد به ، ولا يعد مشروعًا ، ومن أبرز المبادئ التي يحكم بها العدل أن العقد شريعة المتعاقدين ، ومن ثم فيجب أن يخضع عقد الزواج لاتفاق المتعاقدين ، ولما كان الطلاق إنما هو الانفصال من عقد الاتصال أي الزواج ، فمن العدل أن يتبع فيه ما اتبع في عقد الاتصال ولا يقبل مطلقًا أن يكون بإرادة طليقة من فرد واحد وكل ما اتبع في عقد الزواج من رضا ، ومن شهود .. الخ ، يجب أن يتوفر في الطلاق لأنه بداهة التحلل من عقد غليظ ووثيق ، ولا يجوز أن يحدث بوسيلة هينة أو بكلمة ينطق بها الرجل حيثما يشاء ووقتما يشاء .
ويجب أن نعلم أن العدل يكون قيدا على الحرية في مجال العلاقات ، فلا يقبل مثلا من صاحب عمل أن يتحكم في عامل بحجة أنه حر ، ولا في حاكم أن يستبد بمحكوم بدعوى سلطاته ، فالعدل قيد على الحرية في مجال العلاقات يراد به أمران : الأول التأكيد من أن ممارسة الحرية لا تحيف على مبادئ العدل والثاني منع أي طرف من سواء استخدام حقه ، وهذان من الأصول المقررة في التشريع ، وأي حديث أو أثر ينظم العلاقات ما بين الزوجين بما يتجافى مع مبدأ العدل بصفة عامة ، والمقرر نصًا "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" أو يخالف إرادة أحد المتعاقدين زوجة أو زوجًا ، فإنه يعد غير ذي موضوع ، ومن المعترف به لدى الفقهاء أنفسهم أن من حق المتعاقدين وضع الشروط ما لم تحل حراما أو تحرم حلالاً وأجازوا أن يكون للمرأة حق التطليق ، وشرط الفسخ بعد مدة معينة ورفض الرسول  أن يتزوج علي بن أبي طالب زوجة أخرى على فاطمة وقال إني لا أحل حراما ولا أحرم حلالاً .
ومن الخير أن يتفق الطرفان على كل المسائل مثل الإنفاق ، والعمل ، والسفر ، والخروج والدارسة وتربية الأولاد .. الخ ، وأن يثبت هذا في قسيمة الزواج ، ولا يضيرنا أن تطول القسيمة فإن أحق الشروط ما استحللتم به الفروج ، كما قال الرسول  ، وهي كلمة تبرز الطبيعة التعاقدية للزواج كما أن إيراد هذه الشروط لا يمس ما يفترض أن تتضمنه العلاقة بين الزوجين من مودة ورحمة ، لأن النفوس والإرادات والظروف أيضا تتقلب وتتغير فالشرط أملك أو كما يقول العامة "الشرط نور" .
وقد علمنا القرآن في آية الدين "وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا" ، والشريعة بطبيعتها كما ذكرنا عقلية ومن هنا فإن كل ما يتعلق بالمرأة يجب أن يخضع تمامًا لحكم العقل فما يقره العقل يقبل وما يرفضه العقل ينبذ وعلى هذا الأساس تكون معالجتنا لقضايا التعليم والعمل والممارسة السياسية .
والرأي الذي يمليه علينا العقل في قضية تعليم المرأة أن المرأة أشد حاجة إلى التعليم من الرجل لأن الرجل إذا فقد التعليم يمكن أن يلوذ بأي عمل يدوي أو زراعي ولكن المرأة إذا فقدت التعليم فليس أمامها إلا الخدمة في البيوت أو ممارسة البغاء ومن هنا فلابد للمرأة أن تتعلم ، وأن تتفتح الأبواب لمواهبها .
ويجب على المرأة ، في جميع الحالات أن تعمل ، لأن العمل يوفر للمرأة أمرين لا غناء عنهما فهو أولاً : وسيلة لضمان أجر ولاستقلال اقتصادي يحول دون أن تكون المرأة عاله على أهلها ، وأن تخضع لإرادتهم وتصبح تحت رحمتهم وهو أمر مشاهد ومعروف ، فالعمل ينقذها من وضع التبعية الذليل ، ومن الشنشنة الفارغة أن يقال أن أقرب الذكور أبًا أو أخًا مسئول عن إعالة المرأة ، فليس هذا إلا كلامًا أجوف وما أكثر ما يحيف الأب والأخ على حق بنته أو أخته إذا اقتضت المصالح ذلك أو ألحت عليه زوجته .. الخ ، ولماذا نجعل المرأة تبعية تحت رحمة الأب أو الأخ وقد خلقها الله حرة ، والثاني : أن العمل هو أداة صقل الشخصية وتنمية الملكات والتعرف على الطرق التي تسير بها الأمور ولابد للمرأة أن تدرك هذا كله وإلا أصبحت فريسة للخرافات والخزعبلات ، فاقدة لملكة الحكم الصحيح على الأشياء والتعرف على ما يحيط بها من قوى وقدرات وطاقات .. الخ .
العمل إذن أمر يجب أن تمارسه المرأة فقيرة أو غنية لأنه جزء لا يتجزأ من مكونات المواطن في هذا العصر ، وبالإضافة فإن العمل يوجد السبيل السليم لاختلاط تحكمه ضوابط ، وُيَمكَّن المرأة من أن تعرف عالم الرجال لا عن بُعد أو من القراءة ولكن عن قرب وبالممارسة والمعايشة ويمكن أن تفرز من بين المجموعات الشخص الذي يصلح أن يكون زوجًا لها .
فإذا تزوجت المرأة فإن العمل لا يصبح رهن إرادتها الخاصة ، فقد أصبح لها شريك ولابد أن يتفقا على هذه النقطة وليس هناك مشكلة في أن يظلا يعملان ، لأن المعدات الحديثة في الطبخ والكنس والغسل تمكنها من الجمع ما بين العمل والبيت .
ولكن المشكلة تنشأ عند الإنجاب ، ونحن نرى أن الحل هو أن تتفرغ المرأة لرعاية وليدها طوال السنوات الثلاث أو الأربع من عمره لأن دورها في تربية جيل أفضل ، وأكثر استثمارًا من أي عمل آخر ، ولأننا لا نجد أبدًا من يحل محل الأم من دور حضانة أو خادمات أو مربيات .. الخ . ويمكن للمرأة إذا كان لديها وقت ، أو كانت في حاجة مادية أن تمارس صورًا من النشاط الاقتصادي المنزلي الذي يجمع ما بين الناحية الاقتصادية دون أن يضطرها العمل إلى ترك وليدها كما يمكن بالطبع أن تعود للعمل إذا شب ابنها ، وبعد أن تطمئن إلى أنها غرست في نفسه العادات الحميدة وحققت له الإشباع العاطفي .
إن افتقاد المعالجة الموضوعية لقضية المرأة ، وهي الظاهرة التي لازمتها منذ أن أصدر قاسم أمين كتاب "تحرير المرأة" حتى الآن أوجدت انطباعًا بأن المحافظين يريدون أن يعودوا بالمرأة المسلمة إلى عهد السلف الصالح ، وأن تطبق ما يوردونه من مرويات تتعلق بالنقاب وعدم الاختلاط .. الخ ، وأن أنصار تحرير المرأة يريدون للمرأة المسلمة أن تكون كالمرأة الأوربية سواء بسواء فالمرأة هي المرأة ، والزمن هو الزمن ، والأمر أصعب وأعقد من ذلك فصحيح أن المرأة ، المسلمة كالمرأة الأوربية من الناحية البيولوجية وصحيح أن المرأة المسلمة اليوم تعيش في العصر الذي تعيشه المرأة الأوربية ، ولكن الاتفاق يقف عند هذا ليبدأ الاختلاف ، فالمرأة أوربية أو عربية تنشأ في محيط خاص بكل منها له أصوله وجذوره وقواعده من فكر أو ثقافة ، فضلاً عن أثر التفاوت الكبير في مستوى المجتمع ، ودرجة تقدمه المادي وآثار الاكتشافات والتقدم الصناعي والبيولوجي ، كل هذه عوامل تختلف ما بين المرأة الأوربية والمرأة المسلمة ، وفي عهد قديم لم تكن الاختلافات الاجتماعية بارزة ، فكانت الأوربية والمرأة المسلمة سواء .
في كثير من النواحي كالزي والاستقرار في البيت ، ثم حدث التغير في المجتمع الأوربي بدءا من الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر التي أتاحت للمرأة العمل في المصنع فمكنتها من الاستقلال الاقتصادي وحررتها من التبعية العائلية ، فبدأ الاختلاف وبقدر تقدم المجتمع الأوربي بقدر ما كانت وضعية المرأة تختلف ، وصورة المرأة تأخذ شكلاً جديدًا ، وفي عهد الملكة فيكتوريا أي منذ قرن ساد بريطانيا نوع من الاحتشام الشديد كانعكاس لعقلية هذه الملكة وتزمتها ، وإنها في بعض النواحي ، مثل كراهية التدخين لم تكن لتقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وإن حزنها الطويل على زوجها المتوفى فرض على المجتمع البريطاني طابعًا من الكآبة وقاومت مقاومة شديدة حركة المطالبات بالحقوق السياسية ، ولكن التطور كان أقوى من الملكة فيكتوريا وفي ستينات القرن (العشرين) انفجر أثر الكبت المتراكم في مودة "الميني جيب" التي ظهرت في بريطانيا وظهر هذا كله خلال ثلثي قرن شاهدا حربين عالميتين وتقدمًا كاسحًا في الفكر والإنتاج والتكنولوجيا وشيوع وسائل الترفيه ، كل هذه العوامل أوصلت المرأة الأوربية اليوم إلى درجة من التطور لم تحدث في المجتمع الإسلامي وإن زحفت الآثار السطحية والظاهرة لها دون إيمان بأصولها أو معاناة في تحصيلها ، وكانت الغلبة هي لجذور الأصول الدينية التقليدية التي لم ترزق من يستبعد منها الغث والمؤتلف "وهو عادة فقه النساء" .
فإذا أرادت المرأة المسلمة أن تماثل المرأة الأوربية فإن هذا لا يمكن أن يذهب إلا إلى المظاهر لأن النظرية الأوربية في تحرير المرأة تتعارض في بعض نقاطها مع الفكر الإسلامي ، فضلاً عن أنها ليست المثلى ، ذلك أن الحضارة الأوربية أصلاً تقوم على الفرد والفردية ، ولذلك ذهب أصحاب تحرير المرأة هذه النظرية أي النظر إلى المرأة باعتبارها فردًا وإنسانًا وأنها في هذا كالرجل تمامًا أي أنها حرة في جسدها كما أن الرجل حر في جسده ، وهذا ما يتعارض مع نظرية الإسلام الذي وإن اعترف للمرأة بما توجيه "إنسانيتها" من حقوق ، فإنه لا يقوم أصلاً على نظرية الغائية الفردية ، وله قِيَمهُ التي تنبع من الله تعالى وتتبلور في القرآن وتظهر في مجال المرأة باعتبارها إنسانا ، وأنثى ، وأنها والرجل صنوان وأن تصرفاتهما والعلاقة بينهما تحكمها آداب تكبح جماح الإرادة الشرود أو العاطفة النزقة .. وبالتالي يجب أن تنطلق دعوة تحرير المرأة المسلمة من هذه المنطلقات التي تختلف عن المنطلقات الأوربية ، وإن لم يستتبع هذا بالضرورة أن هذا الاختلاف يشمل كل شئ ففي تطور حركة المرأة في المجتمع الأوربي عناصر طيبة ، كما أن فيها عناصر شاذة ، والإسلام يأمرنا بأن نطلب الحكمة أينما كانت "ولو في الصين" "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" ، فالموضوعية هي سمة الإسلام ولا يجوز لنا أن نرفض أمرًا لمجرد أنه جاء من أوربا أو نقبل أمرًا لأنه جاء من الشرق ، إن المعيار هو الصلاحية الموضوعية بصرف النظر عن الأقوام والأماكن .
إن الفقه الجديد يجعل قضية المرأة من الشريعة ويجعل المصدر الأول للشريعة هو العقل ، لأن الشريعة ليس فيها ما يتعلق بذات الله تعالى ، ولا عالم السمعيات التي تختص بها العقيدة ، ومن هنا فإن الفقه يحدد موقفه من المرأة في ضوء ما يحكم به العقل ، فهو يتدبر كل السياسات والاتجاهات والتصرفات سواء بالنسبة لتاريخ تطور حركة المرأة في العالم أجمع أو بالنسبة لما يقدمه التاريخ الإسلامي ، وما يعرضه الفقه التقليدي من نصوص ومرويات وأحاديث قد لا يكون معظمها صحيحًا ، وقد وضع الفقه الجديد المعايير التي يمكن بها التوصل إلى الحديث وأشرنا إليها آنفًا وقد قال الشيخ محمد الغزالي "أعرف أن هناك آثارًا واهية نبذها أصحاب الدقة العلمية في تمحيض المرويات ، ولم يذكرها عالم يروي الصحاح ولا احترفها فقيه ينقل حقائق الإسلام مثل ما روي عن فاطمة أن المرأة لا ترى رجلاً ولا يراها رجل ومثل حديث منع الرسول  بعض نسائه أن يرين عبد الله بن أم مكتوم وتلك كلها أخبار لا تساوي الحبر الذي كتبت به ، وهي ظاهرة تتناقض مع مقررات الكتاب والسنة المقطوع بثبوتها ودلالتها" (1) .
خلاصة القول في قضية العلم والعمل أن على المرأة المسلمة أن تتعلم وتعمل بقدر ما تسمح به قابليتها وطاقتها ، وإذا كانت موهوبة في علم أو فن فيجب أن يفسح المجال لهذه الموهبة حتى وإن كانت بعيدة عن الطبيعة العادية للمرأة ، لأن تفتحها واستثمارها سيفيد المجتمع بأسره سواء كان ذلك في قضاء أو قانون أو فنون أو سياسة .. الخ ، على أن هذا إنما يمثل الاستثناء لأن المواهب نادرة ، أما بالنسبة لعامة النساء فتعطي الأولوية للدراسات الأقرب إلى طبيعة المرأة والأمس بحاجة المجتمع مثل مجالات تربية الأطفال ، التجميل ، التمريض الطب خاصة طب النساء .. الخ ، دون أن يعني هذا حرمانها من الدراسات الأخرى ، فالأمر أمر أولوية فحسب ، إن تمسك المسلمين بعدم تعليم المرأة قد اضطرهم لأن يعرضوا زوجاتهم وبناتهم المريضات على أطباء وممرضين رجال وقد يكونوا غير مسلمين ليكشفوا على أدق خصائص الجسد وهم الذين يلزمونها النقاب ، وكان لهم مندوحة عن هذا لو تخلصوا من أوهامهم ودفعوا ببناتهم إلى كليات الطب .
وبالنسبة لقضية الزي التي أخذت من اهتمام الفقهاء ما يوحي بأن ليس هناك من قضية أخرى سواها فنحن نقول إن الإسلام إنما يطلب بالدرجة الأولى الحشمة والبعد عن التبرج " تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى" . ونحن نتفهم أن تضع المرأة المسلمة "إيشارب" لتغطي رأسها أو طرحة بيضاء تحيط بها وجهها فهو زي جميل وعملي ويظهرها كحمامة بيضاء ، قدر ما نعزف عما يقولون عليه النقاب الذي يغطي وجهها فيطمس شخصيتها ويجعلها أشبه بغراب أسود وشتان ما بين الحمامة البيضاء والغراب الأسود ، فضلاً عن أن هذا القناع لن يمكنها من العمل ، والقول بغير هذا نوع من المماحكة والبجاحة .
وقد يحق لنا أن نتساءل هل الفكرة هي ستر الشعر باعتبار أن التحريم ينصب عليه . ؟ إذا كان الأمر كذلك فيمكن ستر الشعر بقبعة أو طاقية ، ولا يوجد في هذه الحالة فرق بين المرأة المسلمة والمرأة الأوربية على أن تتفادى المرأة المسلمة تلك القبعات التي تشبه "أسنمة البخت" . ويبدو لي أن هذا الأمر هو ما يستقيم فقهًا ، لأن من الصعب أن تحمل الآية "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ" ، على أن من الضروري أن تضع المرأة المسلمة في كل العصور وكل الأجواء خمارًا كما كانت تفعل المرأة في الجاهلية .
وثمة نقطة أخرى هل المطلوب هو أن تبتعد المرأة عن أي وسيلة جمالية تخرج عن إطار الزينة فتدخل في إطار التبرج أو أن المطلوب أن تبدو المرأة في صورة منفرة قبيحة حتى نجفف منابع الفتنة ! ؟ الذي يبدو لي فقهًا وعقلاً أن هذا الرأي الأخير مستبعد لأن الفقه لم يستبعد الكحل والخاتم والخضاب ، وليس هناك فرق كبير بين الكحل ومسحة خفيفة من البودرة وما بين الخضاب وطلاء الأظافر بالمانيكير ، فضلاً عما يلحق بالثوب من زينة و"إكسسوار" .
هذه مسائل يرى الفقه الجديد أنها وإن ارتبطت بالحس الديني فإنها لا تدخل في إطار الأحكام الفقهية الملزمة لأن مردها إلى الذوق والعرف وحاسة الحشمة والحياء ، كما أنها بطبيعتها تدخل في إطار الحريات الشخصية التي لا يمكن عمليا ومبدئيا التدخل فيها ، ومن المسلمات في الفقه الجديد أنه سيوجد في المجتمع صور متعددة من الزي ما بين الحجاب والميني جيب (وهما وجهان لظاهرة واحدة هي التطرف والشذوذ) ولابد أن "الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو" على حد توصيف عائشة سنساق شيئًا ما وراء "المودة" ولكن الأغلبية العظمى للنساء المسلمات سيرتدين ثيابا محتشمة بعيده عن التبذل حتى وإن لم يسترن شعرهن .
المهم أن لا نعتبر أن محور قضية المرأة المسلمة هو الحجاب ، وإن الحجاب يمكن أن يكون علامة اختيارية مميزة ، أو تقليدًا قوميًا ، أو اتجاها في الزي ، ولكنه ليس الفرض الديني الذي يحكم على من لا تلبسه بأنها خالفت أوامر الدين ، وأنها آثمة ، فإن عددًا كبيرًا من الاعتبارات قد يستحق أولوية عليه ، وبالتالي فلا يكون عليها حرج أو إثم إن لم تأخذ به . وفي جميع الحالات فإن قضية المرأة أعظم من أن تختزل في قطعة قماش مساحتها متر في متر .
ونحن نؤمن أن المجتمع المختلط الذي يتلاقى فيه الرجال والنساء في الدراسة والعمل والنشاط العام هو المجتمع الذي يتفق مع الفطرة وأن أي محاولة للفصل ما بين الرجال والنساء هي تعسف ومخالفة لطبائع الأشياء . ونحن نسلم بأن الاختلاط قد يكون له آثار سيئة لأننا لا نعرض المواصفات على الزي ، ولا الملابسات للاختلاط كما يفعل الفقهاء ، ولكن للاختلاط مع هذا حسناته فهو أفضل وسيلة تربوية للتهذيب وتنمية الذوق والإحساس بالجمال ، وليس هناك ما هو أروع من الحب البريء في سنوات الشباب الأولى ، وما يضرمه في النفس من عواطف ومشاعر ، وما يدفع إليه من آمال بالنسبة للشاب والفتاة فهذه كلها يجب أن توضع في خانة حسنات الاختلاط ، وإذا حرم الشباب منها فسيكون لذلك آثاره السيئة على مستقبله .
فمن جار على شبابه جارت عليه شيخوخته ، وقد يحاول أن يجرب في الشيخوخة ما حرم منه في الشباب كما لو كان مراهقا ويصبح أضحوكة وفي الوقت نفسه فإن الآثار السيئة المحتملة للاختلاط أقل بمراحل من الآثار المدمرة لمجتمع الفصل بين الرجال والنساء لأن مساوئ الاختلاط لا تعيب إلا عددًا محدودًا أما سوءات الانفصال فإنها تفسد نفسية الرجل ، وتفسد نفسية المرأة وتجعل المجتمع عقيمًا وتفسح المجال للشذوذ بأنواعه .
وفي جميع الحالات فإن ظهور قله شاذة من النساء المتبذلات والمتبرجات أو صور من التحلل لن تخل بالوضع العام للمرأة المسلمة الجادة التي تستخدم ما وهبها الله من ملكات في العلم والدرس أو تعكف على تربية أبنائها وبناتها على الاستقامة والصدق والشجاعة ، ولا تعتني بمظهرها بأكثر ما يستحق بحيث لا تكون كالرجل الصلب ، أو الغانية المتبرجة . إننا عندما نقرأ نصوص القرآن أو الحديث النبوي ونتدبر فيها ، وما تثيره من معاني نخرج بنتائج تختلف عما يخرج بها من يأخذ بظاهر النص دون أن يعمل ذهنه في دلالة مضمون النص ، فالآيات العديدة في القرآن الكريم عن غض النظر تفترض ولابد وجود ما يجعل غض النظر عنه ليس فحسب وجه المرأة ولكن ما هو أبعد ، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة إلى الرجل لأن غض النظر توجيه شامل للجنسين ولو لم يفترض القرآن وجود ما لا يجمل النظر إليه لما أمر بغض النظر ولو كان النقاب أمرًا مقررًا أو زيا ساريًا لما كان للأمر بغض النظر معنى ، ولكن الذي افترضه القرآن هو أنه سيوجد ما يثير النظر كشفًا للوجه أو ما هو أكثر ، وعندما يحرم الرسول  الخلوة ، فإن هذا يستتبع أنه لا يحرم الاختلاط ، فلو كان الاختلاط محرمًا لما كان هناك معنى لتحريم الخلوة ، بل إن الحديث الذي نهى فيه الرسول  الرجل أن يدخل على مغيبة ما لم يكن معه رجل أو اثنان "رواه مسلم" يبيح زيارة المغيبة أي التي غاب عنها زوجها ، على أن لا يكون بمفرده فهذه الأحاديث أيضًا تفترض التسليم بقيام الاختلاط وأن التحريم إنما هو على الخلوة . وقل مثل ذلك بصورة فضفاضة على الآية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" .. الخ .
وقد كان المجتمع الجاهلي الأول جافًا وكانت جلساته "رجالية" تدور حول الخمر ، والميسر ، والقتال . فلم يعرف المجتمع المختلط ، ثم جاءت المحاولة القرآنية /النبوية كشهاب ثاقب في الظلمات أو نسمة ندية في "صهد" القيظ لم تترك لتؤصل وتنمو إذ أعجلها الملك العضوض ثم تلا الملك العضوض أحقاب طويلة من طغاة معظمهم عسكر جعلوا هدفهم تعزيز سلطانهم بإذلال وإخضاع الشعوب والجماهير وإثقالها بالأعباء والضرائب حتى لا تفرغ لفكر أو تتذوق فن ، وكانت المرأة طوال هذه العهود هي التي ينتهي إليها كل صنوف الاستغلال والإذلال فحبست في البيوت ، وحيل بينها وبين الثقافة والمعرفة ، في هذا المجتمع المظلم ، المغلق ، كان خيال امرأة جميلة يمكن أن يثير فتنة ، وكان يمكن للمتنبي أن يقول :
أملت ساعة ساروا كشف معصمها
ليلبث الركب دون السير حيرانا !
ولما كان هذا المجتمع لا يسمح بتذوق الجمال أو بتفهمه كعاطفة مصفاة ، لما أشرنا إليه من عوامل تحكمت فيه ، فإن مجرد كشف المرأة عن وجهها أو لذراعيها .. الخ ، اعتبر "فتنة" تضعف أمامها مقاومة الرجال ! أو لعل الفقهاء الذين وضعوا الأحاديث ، أو أخذوا بمبدأ سد الذريعة تصوروا احتمال ذلك .. وإن أي مصافحة للمرأة ، أو حتى الجلوس محلها بعد أن تتركه وهو دافئ !! سيثير الشهوة و "التلذذ" .
وفات هؤلاء أن الإسلام يحرم على المرأة أن تغطي وجهها ويديها وهي محرمة مع ما في شعيرة الحج من خلطة كثيفة ولو كان ذلك مدعاة لفتنة تؤدي إلى فساد لما سمح بذلك .
والغريب أن هؤلاء الفقهاء تعقبوا الفتنة وتقصوها في أبعد المظان لم يخطر لهم أن في نفوس الرجال ضمرًا ونبلاً وشعورًا بالمسئولية والتزاما بالخلق ومراعاة للآداب وأن الاختلاط إذا كان يثير الشهوة ، فإنه يثير العاطفة النبيلة ، عاطفة الائتمان على المرأة ، وحمايتها ورعايتها وصونها .
وعلى كل حال ، فإن مخاوف الفتنة التي طنطنوا بها أصبحت من حديث الماضي البعيد ، فإن المرأة تظهر في كل مجالات المجتمع وتلبس في بعض الحالات فتكشف عن ذراعيها وساقيها دون أن يبدو هذا فتنة ، والذين يعيشون في مجتمعات الفصل المغلق والنقاب يهربون بأنفسهم في كل عام مرة أو مرتين إلى بلاد السفور حتى تتزن طبيعتهم . ويجب أن لا ننسى أن الإنسان لا يعيش دون شهوات ، فالشهوات تكتنفه وتحيط به ، شهوات الأكل واللبس والجنس والثراء والسلطة .. الخ ، ولا يمكن اقتلاع هذه الشهوات من النفس الإنسانية ، لأنها تسري من الإنسان مسرى الدم وهي جزء لا يتجزأ من طبيعته ، وإنما قصارى ما يطمع فيه المصلح أن لا تصل هذه الشهوات إلى درجة الجموح الذي يستعصي على الكبح والضبط بحيث تجرف كل ما حولها وكل ما عداها . أما تصور إنسانا دون شهوات فهذا يكون أقرب إلى الملائكة منه إلى الإنسان . وقد أدى تمسك الفقهاء بقاعدة "سد الذريعة" إلى اتخاذ إجراءات "وقائية" أشبه بالوسواس ولو أنهم تحرروا من إسار هذه القواعد لاستطاعوا أن يفهموا النفس الإنسانية على حقيقتها ولتعاملوا معها على هذا الأساس ، وقد كان لهم في القرآن الكريم أسوة حسنة فإنه لم يستبعد أبدًا وقوع المؤمنين في اللمم وتجاوز عن سيئاتهم وقال "إن الحسنات يذهبن السيئات" فسلك وهو المنتظر بالطبع السلوك الأمثل .
ولأن الله تعالى يعلم الطبيعة الإنسانية التي هو خالقها ، ويعلم ما توسوس به للإنسان ، فإنه اتخذ هذا المسلك لأنه قد يكون من الأفضل للمؤمن أن يقع في خطيئة ثم يتوب أو يستغفر أو يعقبها بحسنات من أن لا يخطئ البتة (إذا كان هذا محتملاً ، وهيهات) ، فانحرف الفقهاء عن جادة القرآن الكريم وتمسكوا بقواعدهم فأغلقوا المنافذ وعسروا اليسير وافتاتوا على رحمة الله .
والله تعالى يعلم ما جهله الفقهاء أن المجتمع الإنساني كائن عضوي معقد ، وأن الإصلاح والقوانين .. الخ ، لا يمكن أن تتعامل معه كما تتعامل السكين في قالب الزبد كما أن فكرة المجتمع الموحد ، المنمط ليست واقعية ، إن التوحيد في الإسلام لله وحده ، أما غيره فيقوم على الازدواج والتعددية ، ولابد مع التعددية من وجود صور من الشذوذ أو التحلل أو المغالاة .. الخ ،وفكرة أن نعمل ليكون المجتمع موحدًا ، منمطًا ، مستويًا لا أمت فيه ولا شذوذ فكرة غير عملية ، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة .
وقد يقول قائل إذا كان الأمر كذلك ، فما بال هذه الأحاديث العديدة ، وفيم وردت فنقول الله أعلم بها ! فهي تقف ما بين الموضوع والضعيف وإذا حُسن فيها شئ أو حتى صح ، فإنما أريد بها تعزيز حاسة الحياء وهو قيمة إسلامية ، بحيث تظل موجودة دون أن ترقي إلى مرتبة التحريم أو وضع القواعد بناء عليها . وهناك جانب آخر لا يتعلق بالنصوص مباشرة ، ولكنه يؤثر أكثر من أي عامل آخر على حياتنا ، هذا الجانب هو أننا نعيش في هذا العصر الذي قد يكون مجنونا ، قدر ما يكون رائعًا ، ولكنه في جميع الحالات مثير وهو يملك قوى جبارة للوصول إلى أقصى الأرض لعرض حضارته ولا يمكن لأي قوة من قوى الطغاة والحكام أن تقف في سبيله لأنه يأتي عبر سماوات مفتوحة أو إذاعات يمكن لكل واحد أن يسمعها ، ففكرة الانعزال عنه غير ممكنة ، وفكرة عدم التأثر به تكليف فوق الطاقة لأنه يملك قوى الإغراء كافة ؛ إنه أعلى درجة مما "عمت به البلوى" على حد تعبير الفقهاء .
وكما قلنا آنفا ، فإن المثل الأعلى الأوربي عن المرأة ، ونظرية حرية الجسد لا تتلاءم مع القيم الإسلامية (والدينية عامة) وإنه عن هذه النظرية جاءت معظم الممارسات النسائية الأوربية في المجتمع والحياة ، ومن ثم فلا يمكن أن نتقبلها ، ولكن هذا لا يعني أن كل ما جاءت به الحضارة الأوربية سيئ ويتعين نبذه ، ففي الحضارة الأوربية إنجازات عظمى ، وهي بعد ليست أوربية خالصة فقد أسهم فيها المصريون القدماء ، كما أسهم فيها العلماء الإسلاميون .
من هنا فإن فكرة الانسياق مرفوضة ، ولكن فكرة النبذ أو التجاهل مرفوضة أيضًا ، وهذا الرفض الأخير له مبرراته النظرية الموضوعية كما أن له مبرراته من قوة الأمر الواقع التي لا يمكن تجاهلها ، ومن ثم يكون من الخير عند إصدار الأحكام النهائية أن نجمع ما بين ما وجهنا إليه القرآن ، وما مارسه الرسول  وما يتفق معنا من الحضارة الأوربية ، وتجاهل ذلك ، وانكفائنا على النصوص في الوقت الذي تخطف عيوننا عشرات القنوات الفضائية وتصدع آذاننا مئات الإذاعات أمر لا يعني إلا الغباء والعناد الذي تكون عاقبته على حساب الأجيال ، وسنجد بعض القواسم المشتركة بين القرآن والرسول من ناحية ، والحضارة الأوربية من ناحية أخرى ، وقد يكون الفرق في القدر وليس في النوع ، فالحضارة الأوربية تسرف في الاستمتاع ، بينما يأمر الإسلام بالقصد والاعتدال ولكنه لا يحرم الاستمتاع "ولا تنس نصيبك من الدنيا" .
وأعتقد أن المرأة المسلمة لا تستحق لومًا لأنها أخذت بالزي الأوربي الحديث للمرأة شرط الابتعاد عن الخلاعة ، لأن الزي الإسلامي المزعوم قد لا يكون له وجود ، ووجهة النظر الإسلامية تنقده أو تمدحه طبقًا لما أشرنا إليه من مواصفات الحشمة ، فضلاً عن أن الخصوصية القومية قد لا تكون في الأزياء ، وقد تخلت اليابان وهي أشد الدول حرصًا على خصوصياتها القومية عن زيها التقليدي القديم وأخذت بالزي الأوربي ، وإن أبقت على زيها القديم للمناسبات . وإنما تكون الخصوصية القومية في القيم الحضارية ومن الخير أن نكون دائمًا موضوعيين ، وأن نبتعد عن التشنج والتعصب وأن نحكم دائما بمنطق الصلاحية العملية وملابسات وضرورات العصر الذي نعيش فيه . وهذا في الحقيقة هو منطق الإسلام .
إن قضية الفتنة التي قام عليها فقه النساء ، وكانت هاجس الفقهاء القدامى والدافع لهم على إصدار الأحكام أصبحت غير ذات موضوع في العصر الحديث ففي العصر القديم عصر الانغلاق والحرمان كان مرأى امرأة جميلة ، أو كشفها عن ساعديها أو ساقيها ، أو مصافحة المرأة ، أو مصاحبة "الأمرد" مما يري فيه الفقهاء مدخلاً للفتنة يحاولون سده ، ولكن العصر الحديث ، لأسباب عديدة يطول شرحها قد جعل من صورة المرأة الكاسية العارية أمرًا مألوفا تعرضه السينما والتلفزيون كل يوم في كل بيت ، ولم تعد مشاهدة ذلك تثير فتنة أو تضرم شهوة ، على العكس إن ألفة ، هذه المناظر قد أخمدت الشهوة إلى الدرجة التي تحول فيها بعض الكتاب الإسلاميين من نقدهم لها القائم على خوف الفتنة إلى الخوف من البرود الجنسي الذي قالوا إن الأوربيين قد أصيبوا به نتيجة لتعودهم على هذه المناظر العارية ، فكأنهم أصبحوا يدافعون عن الشهوة والفحولة ، وليس عن العفة والحياة ! ويا لها من مفارقة .
وقد يعذر فقهاء الفروع في إصدارهم بعض أحكامهم بروح عصرهم وأوضاعهم ، ولكن ما العذر للفقهاء المعاصرين في أن يكرروا مخاوف الفقهاء القدامى بعد أن أصبحت وهمية ، فالقضية لم تعد ملامسة تثير شهوة ، ولكنها أصبحت فجورًا كالتيار الهادر لا يتورع عن شئ ولا يقف أمامه شئ ، وهذا هو ما يجب أن نتصدى له ومن العار أن يتجاهل الفقهاء المعاصرون هذا وأن يكرروا اليوم مخاوف فقهاء الأمس التي لم تعد شيئًا مذكورًا .
إننا في خاتمة هذا الكتاب ندعو القارئ لأن يتابع تطور حركة تحرير المرأة وانعكاساتها منذ أن أصدر قاسم أمين كتابيه : (تحرير المرأة ، والمرأة الجديدة) مع نهاية القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين أي منذ قرن كامل ، وكيف هوجمت الفكرة بشراسة من كل الكتاب والمفكرين وكيف حاولت الهيئات الدينية وأدها ، وسلطت النصوص وأقوال المفسرين والمحدثين والفقهاء ثم كيف فشل هذا كله وسارت حركة تحرير المرأة إلى أبعد وربما أسوأ مما أراده قاسم أمين لنأخذ درسًا من دروس التطور الاجتماعي وما وضعه الله من نواميس لحركة المجتمع ، إن التجاهل لا يعني شيئا بل هو يفسح المجال للتفاقم .
في الثلاثينات عندما سمح أحمد لطفي السيد مدير الجامعة المصرية بدخول بضع طالبات ، كتب الأستاذ محمود عطية خميس باسم شباب محمد تحت عنوان "مخلوق يتحدى العرف العام إنه" أقدم على ما لم يقدم عليه غيره من خلق الله أقدم على قبول الفتيات طالبات في الجامعة المصرية يجلسن بجانب الفتيان في الدرس والمحاضرات ويختلطن بهم في أفنية الجامعة ومكاتبها !!
في هذه الفترة وصلت دعوة النقاب إلى أوجها وقال حافظ إبراهيم :
فلو خطرت في مصر حواء أمنا يلوح محياها لنا ونراقبه
وفي يدها العذراء يسفر وجهها تصافح منا من ترى وتخاطبه
وخلفهما موسى وعيسى وأحمد وجيش من الأملاك ماجت كواكبه
وقالوا لنا رفُع النقاب محلل لقنا لهم حق ، ولكن نجانبه !! (1)
وقد خلعت المرأة المصرية النقاب دون أن يأتيها موسى وعيسى وأحمد ودخلت الجامعة طالبة وأستاذة وعميدة لأن التطور هو في الحقيقة صورة من صور الإرادة الإلهية فهو أقوى من أي قوى أخري .
ولا يحول دون هذا أن يظهر بين الفينة والفينة بقايا من حفريات التاريخ تنادي بالنقاب ، فإن هذا أيضا من طبيعة التطور والتعددية وما تسمح به الحرية لكل واحد مهما وصل من الغباء والعناد والمكابرة أن يقول .. دون أن يؤثر هذا على المسيرة . وخلال ما بين خمسين ومائة سنة من اليوم ستصبح الدراسات والمقررات والمراجع الفقهية التي تدرس في الأزهر والحوزات والجامعات السعودية من سقط المتاع وستأخذ مكانها مع الركام العالي للمخلفات .وعندئذ فحسب سيأتي يوم الفقه الجديد ..
"إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً " (6 المعارج) .
************************************************************************************
(1)جريدة الشعب ، القاهرة "هذا ديننا" للشيخ محمد الغزالي ، العدد الصادر في 14/5/1994م ، ص 12 .
(1)الأهرام في 5/9/1982م ، نقلاً عن معركة السفور والحجاب الشيخ محمد أحمد إسماعيل ، ص 32 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.