لماذا نتجاهل واقعنا ونقف مذهولين من هول المفاجأة ونحرك رؤسنا يميناً ويساراً ونقول يا للهول إنها مفاجأة لم نكن نتوقع هذا أبدا.. أتكلم عن تسريب امتحانات الثانوية العامة .. لم تكن مفاجأة أبدا .. لم يعد الغش اسمه غش بل أصبح له أسماء ومفردات بديلة ممكن نقول عليه (نصاحة، فهلوة، تمشية حال، تعاون) هذا هو مفهوم نسبة عالية من المصريين .. وإذا قلت لأحدهم هذا غش ,, يرد ويقول .. مش كفاية أن المناهج صعبة ومش فاهمين حاجة. لنمسك المشكلة من البداية .. الطفل فى المرحلة الابتدائية تعود على الغش .. وإذا قلت له: ذاكر يا ابنى الامتحان قرب .. يرد ويقول .. بنفس اللفظ (الأبلة هاتيجى وتكتب لنا الإجابة على السبورة) .. يعنى لديه مبرر قوى لعدم المذاكرة .. فهل تعتقد أن هذا الطفل عندما تعلمه أن الغش حرام، سينصت لك، أم سوف يعتقد أنك تغشه فأنت تعطيه معلومات مغلوطة .. وبعد ست سنوات سينتقل هذا الطفل إلى المرحلة الإعدادية وهو يحمل نفس الفكر والاعتقاد وهو أن الغش نصاحة وفهلوة وعمره ما كان حرام، وسوف يبتكر اساليب جديدة للغش ويبتكر فيها ... فله خبرة طويلة فى هذا المجال تمتد إلى ست سنوات ... هذا هو الطالب. أما دور المدرسة يسير فى نفس الاتجاه وهيئة التدريس تسعى جاهدة لكى تكون نسبة النجاح بها أعلى نسبة بين المدارس .. فلا مانع من مساعدة الطالب فى الامتحانات وتركه يغش .. وعندما تعاتب احدهم يرد ويقول بنفس اللفظ أيضاً (يا أستاذ سيبهم يغشوا واكسب فيهم حسنة، عشان ربنا يسهلها مع ولادك)، يعنى يضربون تعاليم الدين عرض الحائط ويقولون نكسب حسنة .. أين الحسنة فى ذلك ... بالإضافة إلى ذلك يقوم بعض المدرسين بتسريب الامتحان للطلبة الذين يعطونهم دروساً خصوصية حتى يحصل الطلب على اعلى الدرجات فيصبح المعلم بطلاً حقيقيا، فهو محطم الجهل ومشجع العقول المتفتحة ومن خلاله حصل الطالب على اعلى الدرجات. ثم يذهب الطالب إلى المرحلة الثانوية (العام أو الفنى) وأيضاً يحمل فى عقله أن الغش فهلوة ونصاحة والطالب اللى بيذاكر مغلوب على أمره، أما هو فإنه محطم الأرقام القياسية فى الغش والنجاح بدون تعب ولا مجهود.. سيتخرج الطالب ومعه شهادة الدبلوم وتأتى المفاجأة الكبرى وهى .. أنه لا يعرف القراءة والكتابة .. نعم لا يعرف الكتابة ولا القراءة .. فعلاً .. لقد قابلت كثيرين من هؤلاء الجهلاء المتعلمين اسماً وحزنت عليهم وعلى بلادنا التى تصرف الكثير على التعليم المجانى. وتأتى تسريبات الثانوية العامة ونقول .. ياه ما هذا إنهم ليسوا منا ... لا إنهم منا ونحن الذين صنعناهم وتركناهم يعتقدون أن الغش حلال، وأخرجنا طالب لا يعرف القراءة وهو ضمن قائمة الجهلاء. فهل نقول إن هذه التسريبات ما هى إلا ثمرة أفعالنا، وإن دلت على شىء فهى تدل على انهيار واضح فى العملية التعليمية، وأننا نخدع أنفسنا إذ نقول إننا سوف نحاسب كل من تسبب فى ذلك برغم أن معظمنا سبب فى ذلك الانهيار غير المفاجئ .. أتمنى أن نسعى دائماً بزرع القيم والمبادئ وأن تكون مدارسنا وسط صالح لتعلم تلك المبادئ لكى يتخرج الطالب وهو متمسك بأنه لن يغش فى حياته أبداً وسيكون موظف أو عامل أو طبيب أو مهندس .. إلخ، لن يغش فى عمله كما تعلم فى مدرسته.