عجيبة أمور الديمقراطية فى المنطقة العربية، والأعجب منها أمور بعض البلدان التى قررت اللحاق بركب الحضارة الإنسانية من باب الترويج خارج حدودها والاستمرار فى التضييق على شعبها دون حراك أو تغيير. ومن عجب العجاب فى موضعنا هذا، قصة قطر ود.سعد الدين إبراهيم مع المؤسسة العربية للديمقراطية، ومبعث التعجب هو مسمى المؤسسة الجديدة الذى يخفى خلفه أموراً عديدة مثيرة للدهشة والاستغراب. وبداية فكاتب هذه السطور يرفض أى اتهامات لأشخاص أو هيئات أو جماعات، ويرفض تماماً أى أحاديث عن العمالة والخيانة وما إلى ذلك من تعبيرات اكتظ بها قاموسنا السياسى العربى على مر سنوات طويلة ولا يزال للأسف. والحديث عن قطر وسعد والمؤسسة يتجاوز كل هذه المعانى إلى ما هو أعمق عن معنى التسمية المختارة لمؤسسة قرر سعد أن يسهم فى إنشائها داخل واحدة من البلدان المعادية للديمقراطية من أجل الدعوة للديمقراطية. تعالوا نتابع معاً قصة مهمة تصدى لها عدد من النشطاء والمثقفين العرب قبل سنوات لإنشاء صندوق عربى يقوم على دعم وتمويل أنشطة حقوق الإنسان ونصرة الديمقراطية، ويتم تمويله من أموال عربية، بهدف صياغة منظومة عربية متكاملة للإصلاح والتغيير. وللأسف لم يكتب لهذه المبادرة النجاح لأسباب عديدة بعضها ذاتى والبعض مرتبط برؤية قاصرة للقادرين العرب لدور االديمقراطية فى دعم الليبرالية الاقتصادية وتعميقها فى المجتمع. لكن البعض وفى ما يبدو قرر الانقضاض على الفكرة من أبواب خلفية، بالاستيلاء على المسمى، لتبرير سياسات وأدوات صارت مستهجنة فى مجتمعاتنا، وفرض أجندات سياسية أصبحت مرفوضة حتى من أنصار الديمقراطية الحريصين على الإصلاح الداخلى بإرادة شعبية وليس بقرارات أو تدخلات ومساندات خارجية مهما طال الزمن. وحالة المؤسسة العربية للديمقراطية تجسيد لفكرة الانقضاض، وترجمة لغرابة أحوال الديمقراطية فى منطقتنا العربية، ورؤية حكامنا العرب للإصلاح المرغوب فيه للآخرين والمغضوب عليه فى بلادهم. قطر ترفض منهج التعددية وتنأى بنفسها عن الحزبية، ولا تحكم بمنطق الثنائية وحرية الاختيار والإرادة الشعبية، ومازال نظامها السياسى الأساسى منتمياً للعصور الوسطى، ورغم ذلك تحتضن مؤسسة تعمل على نشر الديمقراطية والحرية فى العالم العربى. ود. سعد الدين إبراهيم يتوجه إلى قطر المعادية للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، من أجل تأسيس صندوق يدعم الديمقراطية والحرية فى البلاد العربية، فيحصل على هبة 10 ملايين دولار لبدء نشاط الصندوق فى الدول العربية. مجلس أمناء الصندوق العالمى يضم أشخاصاً مهمين من كندا وإيطاليا وألمانيا وأيرلندا، مشهوداً لبعضهم بدور عالمى فى دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان بآفاق سياسية تنتمى لأجندات واضحة ومحددة. إلى جانب شخصيات عربية عديدة يمكن القول بالدقة فى اختيارها لإظهار المؤسسة فى أبهى صورة. وفد من المؤسسة العربية لدعم الديمقراطية يتوجه إلى مصر يلتقى المجلس القومى لحقوق الإنسان وممثلى عدد من المنظمات الحقوقية، يتحاور على مقترحات مقدمة من المؤسسة لتمويل أنشطة داعمة للديمقراطية فى مصر فيجابه بالرفض من الغالبية، ليس لأشخاص الصندوق وإنما لأسئلة عديدة مشروعة. لماذا لا تقوم المؤسسة بتمويل أنشطة تدعم الديمقراطية فى قطر دولة المنشأ والمقر، ولماذا تتوجه المؤسسة إلى مصر فى بداية طريقها وليس لبلاد عربية أخرى هى فى حاجة ملحة لدعم الديمقراطية، ولماذا تسعى المؤسسة إلى دعم أنشطة محلية فى مصر بدلاً من أنشطة إقليمية تدعم حالة الديمقراطية فى مصر؟ لماذا كثيرة سمعها الناس تحتاج إلى أجوبة واضحة وصريحة. أخشى أن يكون د. سعد قد خلط بين خلافه السياسى مع الحكومة المصرية ومواقف شخصية تدفعه دائماً للبحث عن نقطة انطلاق تؤكد دائماً انحيازه لجنسيته الأمريكية، خصوصاً أن قطر ليست من الدول ذات السجل الإيجابى فى الديمقراطية، بل على العكس هى صاحبة سجل حافل من العلاقات الخاصة مع الإدارة الأمريكية فى رؤيتها للتغيير القسرى للأوضاع العربية. تكتمل ملامح المشهد السياسى العجيب بتحالف غير مقدس بين قطر بسياساتها الداخلية المعادية للديمقراطية الخارجية المحرضة على التغيير (إعلام وسياسة)، ود. سعد الباحث عن دور فى أى مكان للثأر الشخصى من الحكومة المصرية، مع أموال أمريكية (بغطاء عربى) تسعى إلى فرض التغيير القسرى على المنطقة لفرض أنصارها على الحكم فى بلاد مختارة بالاسم. ألم أقل لكم فى البداية إنه مشهد عجيب ومثير، وكله تحت دعاوى وعنوان "الإصلاح السياسى" و"دعم الديمقراطية" و"حماية حقوق الإنسان".. نكتة حلوة جداً.