يقال أن أصل النكتة فى اللغة هى النقطة من بياض فى سواد أو سواد فى بياض وعن طريق المجاز استعملت فى وسط الكلام من عبارة منقحة أو جملة طريفة صدرت عن دقة نظر وقوة فكر أو شىء طريف لطيف يؤثر فى ويحدث فى النفس انبساطاً وهنا يقولون لقد جاء بنكتة فى كلامه وقد نكت فى حديثه وحديثه ممتع هل يذكر جلساء.. كامل الشناوى.. عبد الرحمن الخميسى (القديس) وزكريا أحمد وإلى آخر كتبة المتكلمين الكبار؟ وقد أطلق المصريون على الرجل الذى يأتى بالنوادر والمواقف المضحكة فى كلامه ب (ابن نكتة) وقد نقل المقريزى عن أبى الصلت (إن أخلاق المصريين يغلب عليها الانهماك فى الملذات والاشتغال بالندهات وفى أخلاقهم من الخلق والبشاشة ما أربوا فيه على من تقدم ومن تأخر) ولابن خلدون رأى فى المصريين.. عندما أتى مصر ( أهل مصر كأنهم فرغوا من الحساب) ورأى ابن خلدون شعب مصر يوضح لنا أن الإنسان إذا لم يفكر ويهتم بالعواقب فإنه يكون نشطاً فى النكت ومجاله لديه واسع للغاية وأغرب شىء يمكن أن تسجله هنا.. أن الناس الأكثر بؤساً وأسوأهم عيشة ومعيشة وأقلهم حظاً من المال يكونون أكثر الناس صناعة للنكتة والطرفة. ونحن لدينا أول كتاب طريف ظريف وهو كتاب (هز القحوف فى شرح قصيدة أبى شادوف) وهو للشيخ يوسف بن عمر بن عبد الجواد الشربينى وفى هذا الكتاب سجل المؤلف حال الفلاحين فى عصره وبؤسهم وظلم الحكام لهم وطريقتهم فى المأكل والمشرب والزواج وغير ذلك وقد سجل فيه لهجة الفلاحين كما ينطقونها وكان المؤلف بارعاً فى التنكيت بأسلوب اللعب بالنحو. وقد اتبع نفس الطريقة الشيخ (حسن الآلاتى) فقد كان فكاهياً كبيراً ولطيفاً عظيماً فقد كان يجتمع مع نفر من أصحابه فى البيوت يتسامرون ويتنادرون ويتكلمون فى الهزل والجدل فلما كثر الأصحاب اتخذوا قهوة فى الخليفة وسموها (المضحكخانة الكبرى) وشاع حينئذ تلك القهوة فى القاهرة فكان يأتيها الناس من كل ناحية ويقال بعض الأمراء كان يأتيها فى زى الفقراء وكان كبير الجلسة فى كل يوم هو الشيخ حسن الآلاتى الذى مات سنة 1889 بعد أن ألف من جلسات المقهى كتاب دون فيه شىء مما كان يدور فى المقهى وسمى الكتاب (ترويح النفوس ومضحك العبوس) ونقرأ هذه النقرة من ذلك الكتاب "إلى السيد المهاب والضبع الوثاب الصادق الكذاب عالم العصر ومصلى الظهر وتارك العصر الجاهل لصلاة القصر الذى بنى على ظهره مائة قصر أعز الإخوان ذى المجد الرفيع الشان من نهاية الخرفان ولا تمتقره الشجعان الضارب بالنقرزان قاهر ابن خلكان مولانا الشيخ رمضان" وكان يعاصر الشيخ الآلاتى ويجرى معه فى هذا المضمار عبد الله النديم الذى أنشأ مجلة (التنكيت والتبكيت) وأنشأ أيضاً عبد الله النديم مجلة أخرى أسماها "الأستاذ" وكان فى كلتا المجلتين يمزج الجد بالهزل ونقد الحياة الاجتماعية والسياسة فى شكل فكاهى. ثم أنشأت جريده (حمارة منيتى) إلى الكشكول وآخر ساعة.. إلخ إن النكتة لها نوعان، نوع يعجب الخاصة وهو النكتة التى تحث العقل على الاندهاش والنوع الأخير الذى يعجب العامة وهو النكتة التى تثير الضحك والتى هى تلعب بالألفاظ ويعجبه أكثر طريفة قول أو أداء النكتة ومن ثم فالنكتة ركن أساسى فى كل أدب وتاريخ الأدب يؤكد ويوضح لنا ذلك فمنذ البدايات الأولى للتاريخ والأدباء مولعون بالطرفة والنكتة ونحن لن نذهب الآداب الغير عربية لأننا يهمنا هنا النكتة والطرفة فى الآداب العربية لأن الأدب العربى غنى بالنوادر والنكت ومنذ فجر الإسلام والأدباء يهتمون بالنكتة والنوادر لأشعب وجرير والفرزدق والأخطل والجاحظ وكتابه الممتع (التربيع والتدوير) وفيه يروى ما يضحك كما فى البخلاء وقد وضح إلى أنه يفعل ذلك ليزيل السأم عن القارئ وابن قتيبة (عيون الأخبار) يوضح فى صور كتابه أنه حلاه بالنوادر الطريفة والكلمات المضحكة ليروح عن القارئ من متاعب الحياة ولدينا ابن الجوزى وكتابه (أخبار الحمقى والمغفلين) إلى آخره حيث أن التراث العربى به الكثير من النوادر والمواقف التى تبحث عن الابتسام من القضاء على الشؤم والملل الذى يشعر به ويعيش فيه الإنسان العربى وفى أيامنا تلك يعد الأستاذ/ جلال عامر هو عميد المضحكين وكبير من يكتب ويبدع فى هذا المضمار المهم للقارئ وقد كتب تهريب الأموال إلى خارج البلاد يقول: وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أنهب ودائع البنك وحدى وبناة الأهرام فى المطار الدولى فتحوا لى الباب وقالوا عدى