لحلوح هو ما دفعته للمحصل.. القابع خلف زجاج شباك تذاكر محطة مترو أنفاق السادات.. أخذت التذكرة وعبرت مكينة التذاكر فشعرت بمن يعبر خلفى عنوة بدون تذكرة.. فأدرت وجهى انظر إليه وكلى عزم على نهره وزجره.. لكن كل هذا ذهب سدى عندما وقعت عينى عليه. فهو رجل هرم بلغ من العمر عتيا.. يرتدى قميصا وبنطلونا من قماش شديد البخس أشبه بقماش التنجيد. فقلت له " ليه بس يا حج كده.. مش المفروض تقطع تذكرة.. دى فلوس الناس وحق الدولة ".. فبادرنى بكلمة بذيئة تعبر عن الاستنكار.. ثم قالى " حق الدولة.. وطب وأنا فين حقى من الدولة.. أنا شاركت فى القوات المسلحة فى حرب يونيه وحرب رمضان.. وشقيت على عيالى وعمرى ما دخلت بطونهم لقمة حرام.. وكنت صنيعى بريمو.. بشتغل فى مصنع من المصانع اللى خصخصوها.. وخرجونى معاش مبكر.. فرحت اشتغل عامل فى بنسيون على قده فى وسط البلد.. باتحصلى منه على ثلاثمائة جنيه فى الشهر". فقلت لنفسى نادما على ما بدر منى لهذا المسكين المقهور.. كم يقتطع هذا الرجل من راتبه ليدفع جنيها ثمن تذكرة المترو ذهابا وإيابا إلى عمله !.. لا حول ولا قوة إلا بالله. وصل قطار المترو فانقطع كلامى معه.. فقد ابتلع زحام المحطة هذا الرجل الذى يشبه حاله حال كثير منا.. فرمه الفقر واكلته الحكومة لحما طريا.