كان أحمد موسى أكثرنا ذكاء ونحن طلاب فى المدرسة الثانوية وكان صاحب مواهب وكان أكثرنا التزاما وثقافة وعلما. غير أنه فى الامتحانات لم يحقق الدرجات التى تجعله يلتحق بكلية مرموقة أو نصف مرموقة بل وصل بالكاد للالتحاق بمعهد فنى تجارى، ودخلنا نحن من أرباب الحفظ و "التنشين" والخبرة بالامتحانات ودراسة نفسية المصححين، كليات توصف بأنها كليات القمة. منذ ذلك التاريخ وأنا مقتنع أن النظام التعليمى ضحى بمواهب أحمد وقدراته وذكائه وهضم حقوقه فى اعتلاء الموقع الذى يليق به والمكانة التى يمكن من خلالها أن يخدم بلاده، ونفس النظام منحنا ربما مكانة غير مكانتنا والضائع هو الوطن. انتهى المطاف بصديقنا المثقف إلى "دكة" أمام عمارة فى مدينة نصر يعمل بوابا ويستعين به السكان فى قضاء احتياجاتهم من خضار أو بقالة وربما فى مسح السلم وتنظيف المدخل، وكل يجود عليه بما يساعده على قضاء أيامه فى دنيا سلبته كل شىء عن طريق مكتب التنسيق . ومكتب التنسيق أدخل طلابا إلى كليات الطب وأخرج موهوبين منها وأدخل مهندسين بالفطرة إلى كليات التربية وجاء بالتربويين إلى الهندسة، والنتيجة كوكتيل من أنصاف المتعلمين يحملون مؤهلات لاعلاقة لهم بها، وهو الأمر الذى دفع الكثيرين إلى المطالبة بإلغائه والعمل بأنظمة تتبعها دول متقدمة . أذكر أن طبيبا مصريا كبيرا فشل ابنه فى الحصول على الثانوية العامة ولظروف عمله انتقل إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن وقدم لابنه الفاشل فى إحدى المدارس، وكانت المفاجأة أن حقق الابن المركز الأول على مستوى الولاياتالمتحدةالأمريكية وهو الآن طبيب كبير يشهد له بالكفاءة والنجاح. ومشكلة أحمد موسى أن والده لم يكن طبيبا مشهورا ولم يسافرإلى أمريكا فكانت نهايته المأساوية أمام عمارة مدينة نصر، ولأن أمثال أحمد كثيرون فإن أولى الأمر فكروا وتدبروا وقرروا ألا يكون مكتب التنسيق هو المتحكم فى إلحاق أبنائنا بالجامعات واستبدلوا ذلك بالاختبارات الشخصية . وأنا على يقين أن مسألة الاختبارات الشخصية لن تنقذ أحمد ورفاقه من المصير المجهول، لأن والد أحمد لن يستطيع الحصول على كارت توصية مثلما يحدث فى كليات يعرفها الجميع، كما أن أحمد وأمثاله ليس لديهم مايدفعونه لوسطاء نافذين وقادرين على إلحاقهم بما تتطلبه مواهبهم أو قدراتهم الخاصة . إذن سيظل أحمد بوابا فى النظام الجديد أو السبوبة التى أشرف على اختراعها موظفون كبار فى حجم وزيرى التعليم والتعليم العالى إضافة إلى جهابذة الرأسمالية الجديدة، ليغلقوا الباب بالضبة والمفتاح كما نقول فى ريفنا المهضوم والذى ينتمى إليه صديقنا أحمد البواب، خاصة أن الإعلان عن بشائر النظام الجديد لن تنجح الا إذا استوردنا من الخارج ومن بلاد لاتعرف الوساطة خبراء يشرفون على هذا النظام .