ألقت صحيفة "جيروزاليم بوست" فى نسختها الفرنسية الضوء على تدهور وضع يهود فرنسا الذين يشعرون بالقلق من زيادة معدل مظاهر معاداة السامية خلال العشر سنوات الماضية التى باتت تهدد مستقبلهم فى فرنسا، والتى ترجع الصحيفة أسبابها إلى تنامى الإسلام الراديكالى ودعم السياسة الفرنسية للدول العربية. تقول الصحيفة إن يهود فرنسا (الذى يصل عددهم إلى ما بين 500 ألف إلى 600 ألف يهودى، وهى أكبر طوائف اليهود فى العالم) يعانون اليوم من تنامى مظاهر معاداة السامية، وأن العداء ضدهم قد بات واضح بالدرجة التى أصبحوا يخشون معها ارتداء الكيبا اليهودية فى الأماكن العامة، وحتى فى قلب باريس، فى الشانزليزيه، أكبر شارع سياحى فى فرنسا. وتعزى الصحيفة هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل، منها عوامل داخلية كتصاعد الإسلام الراديكالى والعمل على إحياء مظاهر معاداة السامية بشكل يومى، وعوامل دولية مثل الدعم التقليدى الذى تقدمه الدبلوماسية الفرنسية للدول العربية منذ عهد الرئيس شارل ديجول. تضيف الصحيفة أن كره المسلمين المتشددين لليهود قد تجلى خلال السنوات الأخيرة أولا فى صورة تدنيس الأماكن اليهودية الفرنسية مثل المعابد، ثم وصل الأمر إلى حوادث "لا يمكن تصورها" على حد وصف الصحيفة مثل الاختطاف والتعذيب والقتل كحادث مقتل الشاب اليهودى الفرنسى إيلان حليمى. وتنتقد الصحيفة فى هذا السياق الدور الذى لعبته وسائل الإعلام الفرنسية فى هذه القضية، مشيرة إلى عداء معظمها الواضح لإسرائيل. وذكرت الصحيفة أن قناة فرنسية هى التى بثت فى عام 2000 ما وصفته "جيروزاليم بوست" ب"القصة الوهمية" عن مقتل محمد الدرة المزعوم برصاص الجيش الإسرائيلى، وأن هذه الصور هى التى غزت موجة العداء ضد اليهود. كما تنتقد الصحيفة موقف الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، ذى الأصول اليهودية، الذى مثل فى بداية عهده كرئيس آمالا كبيرة وعصر جديد فى نظر يهود فرنسا الذين أيدوه خلال الانتخابات الرئاسية فى 2007. تروى الصحيفة كيف أكد ساركوزى فى بداية عهده الرئاسى أنه لن يصافح يد أى رئيس يرفض الاعتراف بالدولة اليهودية وكيف أكد أيضا على عدم تسامحه مع أى جريمة من جرائم معاداة السامية، وكيف دعا إلى إدخال تدريس المحرقة فى المدارس الفرنسية. ولكن سرعان ما تبخرت هذه الآمال وعادت السياسة الفرنسية إلى أيديولوجية ديجول المؤيدة للعرب. وحتى وزير الخارجية برنار كوشنير، على الرغم من أن لديه أصولا يهودية، إلا أن من الواضح أنه ليس صديق لإسرائيل، كما تذهب الصحيفة، مشيرة إلى تصويت فرنسا لصالح تقرير جولدستون خلال الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، تضيف الصحيفة أن بعض الزعماء اليهود لا يرغبون فى أن يديروا ظهرهم لنيكولا ساركوزى، لاسيما وأن الرئيس الفرنسى لا يزال يمثل مزايا ذات ثقل بالنسبة لهم، فهو يتمتع بعلاقات ممتازة مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، كما أنه يمارس جيدا اللعبة ضد إيران. تلفت الصحيفة النظر إلى مشكلة أخرى تعانى منها الطائفة اليهودية وهى وجود بعض اليهود المعادين للصهيونية، والذين يتحدثون كثيرا فى وسائل الإعلام الفرنسية، الأمر الذى عرضهم للنبذ من قبل باقى اليهود الذين يشعرون بأنهم مرتبطون بإسرائيل، خاصة أن الأيام المقبلة لا تنذر بالتفاؤل بالنسبة ليهود فرنسا الذين لا يخفون تشاؤمهم. وعلى الرغم من محاولات فرض الحظر على ارتداء النقاب والجهود للحد من التطرف الإسلامى، تقول الصحيفة إن اندماج المسلمين فى المجتمع الفرنسى حقق فشلا ذريعا. وعلاوة على ذلك، إذا استمر منحنى تزايد المواليد فى فرنسا على معدله الحالى، فسوف تصبح فرنسا خلال الخمسين سنة المقبلة دولة ذات أغلبية مسلمة. ومن ثم سيضطر المجتمع اليهودى الفرنسى فى هذا المناخ الحساس إعادة النظر فى مستقبله وسيتحتم على إسرائيل أن تولى اهتماما أكبر لهم. وفى هذا السياق تشير الصحيفة إلى أن التزام يهود فرنسا نحو إسرائيل لا يتزعزع، لاسيما أن نصفهم يزورها على الأقل مرة كل عام. ويشترى الكثير منهم، مدفعوين ب"أسباب عاطفية"، منازل فى "أرض الميعاد" والتى للأسف تظل فارغة معظم أيام السنة !!