يتعرض الوطن الغالى لموجة من الإرهاب الدموى الأسود تتبناه جماعات إرهابية متطرفة لا دين لها، أو قل إن دينها العنف وشريعتها القتل وديدنها إزهاق الأنفس والأرواح، دأبت بشتى الصور على أن تبث الرعب فى نفوس هذا الشعب المحصن بفضل الله تعالى الذى أنعم عليه بالأمن والأمان لقوله تعالى: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، فأخذوا ينفثون سمومهم بين الناس ولا يرعوون عن استخدام أخس الأسلحة لزعزعة أركان هذا الوطن، أو النيل من الشعب المصرى، يصدِّرون للعامة أنهم أصحاب رسالة نبيلة وغاية عظمى، وهم يبطنون فى أنفسهم الشر والخزى، فقد فسدت غايتهم وكذا وسيلتهم. ولعل هذه الحرب الضروس على مصر تذكرنا بكم الحروب التى توالت على المسلمين منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، ما بين منافقين وأعداء للدين وخوارج وقتلة، وكانت حججهم متعددة اختلفت فى أساليبها وطريقة تنفيذها لكنها اتفقت على غاية واحدة هدفها دنىء، يرنو إلى شق الصف الإسلامى والنيل من المسلمين، لكن بفضل الله تعالى لم تنل الحروب منا شيئًا، ولم تفت فى عضد الأمة بل كانت سببًا للتوحد والاصطفاف، ولقد آن لبنى وطنى أن يتوحدوا ويصطفوا حتى يفوتوا الفرصة على هؤلاء القتلة «منشقى الوطن» و«منشقى الدين»، فهم تصوروا بفكرهم المريض أن يصنعوا وطنًا وفق أفكارهم المعيبة، ويأمروا أهله بأن يدينوا بدينهم الذى لا يعرف إلا العنف والقتل، وهل يقوى الفكر المعوج والدين المخترع - وفق تصورهم - أن يبنى وطنًا أو ينفع أمة؟! هؤلاء المنشقون المتطرفون يدلسون المصطلحات ويلبسونها على الأمة لاستقطاب الشباب الذين لا يفهمون أحكام الإسلام لتنفيذ مخططاتهم، بدعوى الجهاد فى سبيل الله، أو نصرة الدين، أو إقامة الخلافة، ومن بين هذا الخلط فى المصطلحات ذلك الخلط ما بين الانتحار والموت فى سبيل الله وتسويقهما على أنهما مترادفان لمعنى واحد، وشتان ما بين الأمرين، فالبون بينهما شاسع، لأن الأول باع نفسه للشيطان ولم يفقه أحكام الإسلام التى حرَّمت قتل النفس إلا بالحق لقوله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ»، وآخر قاتل فى سبيل الله فيُقْتل لتكون كلمة الله هى العليا، وقُتل دفاعًا عن دينه ووطنه وعرضه ضد الأعداء، وهنا تأتى أهمية الخطاب الدينى الواعى الرشيد، الذى يتتبع مثل هذه الأراجيف ويحاول بيانها ورد شبهها، بحيث يفوت الفرصة على هؤلاء الإرهابيين من أن ينالوا من الأمة والوطن. فالخطاب الدينى مسؤول أن يقطع الطريق على أصحاب هذا الفكر المنحرف، فيبين أن المنتحر فى النار، وهذا بإجماع العلماء، لأن المعلوم من الدين بالضرورة أن قتل النفس حرام، وهو من أكبر الكبائر التى تلى الشرك بالله، لقوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا»، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا فقتل نفسه فهو يتحساه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»، فالمنتحر هنا قد ارتكب جريمة فى حق نفسه بأن أزهقها دون وجه حق أو أزهقها لأجل غرض دنيوى أو سياسى بعيد كل البعد عن الدين، بل لم يقف جرمه على هذا الحد بل تعداه إلى قتل الآخرين من الأبرياء، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة. وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد حرَّم قتل النساء والأطفال والشيوخ من الأعداء فما بالنا بقتل الأبرياء من بنى وطنى أو قتل من يدافعون عنا ضد الأعداء من رجالنا فى الجيش والشرطة. وهذا المنتحر الذى فجر نفسه ظنًّا منه أنه يفعل ذلك إرضاء لله ماذا عساه أن يقول لله تعالى يوم القيامة وقد تلطخت يده بدماء الأبرياء؟ هل يقول له إنه فعل ذلك لأجل فلان أو لغاية كذا وهى كلها أبعد عن الدين. أما الاستشهاد الذى يأتى من الشهادة هو لقب الشخص الشهيد الذى قُتل فى سبيل الله تعالى دفاعًا عن وطنه ودينه وعرضه وماله، قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون نفسه فى سبيل الله»، ولقد وعده الله تعالى بالمغفرة والرحمة التى لا ثواب بعدها إلا الجنة فقال تعالى: «وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ». فالشهادة فى سبيل الله تعالى بهذه الضوابط جزاؤها عظيم، للدرجة التى تجعل الشهيد يريد العودة إلى الدنيا ليقتل عشرات المرات فى سبيل الله، فعن أنس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وإن له ما على الأرض من شىء إلا الشهيد.. فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة»، وفى رواية أنه قال صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل من أهل الجنة يقول الله له: يا ابن آدم.. كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أى رب خير منزل.. فيقول: سل وتمن.. فيقول: وما أسألك وأتمنى؟ أسألك أن تردنى إلى الدنيا فأقتل فى سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة»، فإذا كان الله تعالى توعد من يزهق نفسه أو نفس غيره دون وجه حق بالنار والجحيم، فقد وعد الشهداء بمنزلة لا تعدوها منزلة فى الجنة جزاءً لهم فى الآخرة، وشتان بين المنزلتين. إن هؤلاء الذين يدافعون عن الأوطان ويبذلون أرواحهم فداء لها نحسبهم عند الله تعالى من الشهداء، لأنهم قدموا مصلحة الوطن وأمنه وأمانه على أرواحهم، ولم يثنهم عن عزمهم هذا حبهم لأهلهم وذويهم، إنما دفعهم إيمانهم بالله تعالى لأن يثبتوا لأنهم على الحق، وأن ما يقومون به هو واجبهم الذى حملوه على أعناقهم ولن يثنيهم عنه شىء، إما النصر أو يهلكون دونه.