كان فنانا عظيما ..نحت تمثالا هو آية فى الجمال ورأه خاليا من النقائص واشتد تعلقه به وهام حبا بما صنعت يداه فقد كان يجسد فى عينيه عبقريته والكمال على الأرض بل لقد أشعره أنه فى مصاف الآلهة التى كان يعبدها فى الأسطورة ..فما كان منه إلا أن توسل للآلهة أن تنفخ فيها الروح لتصير مثالا حيا على عبقريته ..وقد كان عاش بيجماليون أسعد الأوقات مع المرأة التى صنعها بيده وابتكر كل تفاصيلها وأحب فيها نفسه وغروره بعبقريته ..كان يختار لها ملابسها بل وحتى ما تأكله ونسى أنها لم تعد تمثالا بل هى إنسان دبت فيه الروح التى تهفو للحرية والخلاص من أى قيد حتى لوكان ذهبيا. تمردت ..ثارت .. تركته إلى حيث حياة أخرى لا رب ولا سيد لها بل هى سيده نفسها وربة نفسها واختياراتها ..جن جنونه.. طاردها وحبسها.. ثم طالب الآلهة أن يعيدوها له تمثالا لترجع ملكا خالصا له ..فلما عادت تمثالا ..حطمها حتى لا يستمتع بها أحد غيره! وجلس يبكى حبه وصنيعته وعبقريته التى حطمتها الأنانية وحب التملك ..كانت تلك هى الأسطورة .. فانظروا حولكم وقولوا لى كم بيجماليون تعج بهم حياتنا..؟ هل بيجماليون هو الأب الذى يصر أن يعيش ابنه تحت عباءته ويمتهن ما يريده هو.. بل ويدرس ما كان يتمناه هو ..يسرق أحلام ابنه ويستبدلها بأحلامه هو ..يستغل أبوته لتحقيق مالم يحققه هو شخصيا فى ابنه من منطلق أنه أدرى بمصلحته فيحاول أن يكفيه عناء التجربة طالما هو قد جرب ..يريد أن يبدأ ابنه من حيث انتهى هو والحقيقة التى نساها ..أو تناساها أن ابنه لابد أن يحيا تجاربه بنفسه وأن يعيدها ليتعلم فليس هناك علم بلا ثمن. هل بيجامليون تلك الأم التى تعتبر أن أبنائها إرثا خالصا لها من حقها أن تختار لهم حياتهم بل وشريك الحياة نفسه وتتدخل فى شئونهم ليس بالنصيحة والتوجيه فحسب وإنما بالقهر والإجبار والتهديد بالمقاطعة؟ هل بيجامليون تلك الزوجة التى شاركت زوجها حياته وساعدته وترى أنه ليس فقط من حقها مشاركته النجاح ولكن تجثم على أنفاسه وتعد عليه سكناته وحركاته وتذكره دوما بأفضالها وأموالها وأنه لولاها ما كان ..لذا فعليه الطاعة العمياء وإلا مصيره التحطيم كتمثال بيجماليون. فتأخذ بسيف الحياء هى وأمثالها ما لا يحق لهم و"ما أخذ بسيف الحياء فهو باطل" "حديث شريف" فإن تمرد المسكين وأزاح "برقع الحياء" كان التحطيم مصيره! لقد نسى هؤلاء وغيرهم الكثيرون أن ما يفرق الإنسان عن أى مخلوق هو حقه فى الاختيار ولا أحسب الأمانة التى عرضها الله سبحانه وتعالى على السماوات والأرض والجبال وجميع المخلوقات وحملها الإنسان إلا الاختيار .. فالاختيار هو قمة الإنسانية وقمة التقدير من الله سبحانه وتعالى للإنسان. فقد أعطاه ربه الحق فى اختيار حتى "من يعبده ".. فكفل له اختياراته .. فكفر من كفر .. وأشرك من أشرك .. ورغم ذلك لم يحرمهم من نعمه وهو القادر والأجدر بجبر مخلوقاته والأحق بالعبادة فامتلأت الأرض بالكفرة الذين آتاهم الله من فضله!..أو نعرف نحن الخطأ والصواب أكثر من رب العزة سبحانه!! أنكون ملكيون أكثر من الملك العدل! لأنه حكم عدل حكم فيهم بقانون لكل مجتهد نصيب فأعطاهم حسب اجتهادهم رغم كفرهم به سبحانه والزمهم بتحمل نتيجة اختياراتهم فى الآخرة دون أن يظلمهم. فكيف بالإنسان أن يجبر الآخرين على اختياراتهم وليس له عليهم إلا النصيحة حتى الأنبياء ليس لهم إلا النصيحة ..كيف نجبر إنسانا مهما كانت درجة قرابته وخوفنا عليه أن نلزمه بأن يتبنى آراءنا واختياراتنا ونهدده بالتحطيم لو خالف الأمر. صديقى.. صديقتى ..احذروا وجود بيجماليون حولكم وفى حياتكم ..أنا واثقة بأنكم ستجدون حتما مثالا له ..فإن لم تجدوه فاحترسوا أكثر.. فغالبا ربما يكمن فيكم بيجماليون.. دون أن تدروا