لمسات قليلة من الماكياج مع زوج من الجينز و"بلوزة" طويلة أو على الأقل متوسطة فوقها جاكت، بعدها تخرج "آلاء مجدى" الفتاة العشرينية إلى الشارع، تستوقف تاكسى "المجمع يا أسطى!" يتوقف السائق أحيانًا بدافع الفضول وأحيانًا للاستنكار "هو فى بنات بتروح المجمع؟" دهشته واستنكاره يتضاعفان حين ترد "أيوة شغلى هناك"؛ هذه الرحلة التى تعيشها "آلاء" فى طريقها إلى مجمع الحاويات بميناء بورسعيد كل صباح، فى طريقها لممارسة عملها كأول فتاة تعمل مستخلصة جمارك، تتجاهل كل الاستنكار والدهشة والأسئلة وتقول بسعادة "أنا بعمل حاجة مهمة!". المهنة التى تسللت إليها آلاء خطوة خطوة، وكانت فيما مضى مقتصرة فقط على الرجال، لم تدخلها بنية مسبقة لتحدى المجتمع من أجل العمل فى مجال تحبه، بل على العكس، درست "آلاء" السياحة والفندقة، وكانت تحلم بالعمل فى هذا المجال، كما تقول ل"اليوم السابع": "أول ما اتخرجت من الكلية كان نفسى أشتغل فى مجالى، لكن مافيش فرصة فاشتغلت فى مكتب للاستيراد والتصدير، بدأت كسكيرتيرة فى المكتب من 3 سنوات، ولكن كان عندى مجهود كبير وعايزة أطلعه فاعترضت إن شغلى قليل وتقريبًا ما بعملش حاجة فبدأوا يثقوا فيا ويكلفونى بشغل وبدأت أدخل المجال خطوة خطوة، من أول عمل التوكيلات الملاحية، وبعدها سحب بوليصات الشحن حتى أصبحت أقوم بعملية التخليص الجمركى كاملة من الألف إلى الياء، وأدخل حتى مجمع الحاويات الذى لا تدخله النساء فى المعتاد". تتابع "آلاء" خلال اليوم الواحد ممكن أعمل 10 مشاوير وكلها لازم تخلص قبل الساعة 4، بين استلام أذونات الشحن من الحاويات والتعامل مع البنوك وتسديد الفواتير وعمل ضمانات للحاويات، كل دا متعب لكن خلانى قوية وأكسبنى خبرة كبيرة جدًا، وقدرت خلال سنتين بس أتعلم وأكون أول مستخلصة جمارك". الإجراءات الكثيرة والمعقدة أحيانًا، خاصة بالنسبة لفتاة تكره التجارة فى الأساس لم تكن التحدى الأكبر أمامها، ولكن التعامل مع الناس وإقناعهم أنها بالفعل "مستخلصة جمارك"، كانت الخطوة الأصعب، وتحكى "آلاء": "فى أول يوم كل الناس كانت بتبص لى باستغراب، وبشكوك كمان والكل بيقولى "هو فى بنات بتروح المجمع" حتى سواقين التاكسى، لكن مع الوقت كلهم اقتنعوا بيا، وبقيت معروفة هناك، خاصة إن فى بنات تانية بدأت تحاول تدخل المهنة، وشفت 2 أو 3 فى المجمع بعد كدة" وتستطرد: "أول يوم من كل اللى شفته، قلت أنا مش هروح المكان دا تانى بس بعدها التحدى عجبنى وقررت أكمل، ومع الوقت بقيت أحب الشغل، حسيت إنى لاقية نفسى فيه ومهمة ومؤثرة، العملاء بقوا يحبوا يتعاملوا معايا والورق بيجى باسمى وفى شركات كبيرة بتقدم لى عروض أشتغل معاهم". بعد 3 سنوات من العمل كمستخلصة جمارك كان ما حصدته "آلاء" من المقابل المعنوى والخبرات أكبر بكثير من المقابل المادى الذى لا يغرى غيرها من الفتيات بالعمل فى المهنة نفسها، فتقول "بقيت مستقلة ماديًا، وبعتمد على نفسى فى حاجات كتير فى حياتى، والناس كمان بتعتمد عليا، وحابة طول الوقت أطور من نفسى". وعلى الرغم من النجاح الذى حققته آلاء فى مجال عملها غير التقليدى بالنسبة للفتيات، إلا أن الحلم القديم بالعمل فى السياحة لا يزال يراودها، وتقول "أنا ماعنديش أى مشكلة أبدأ من الصفر فى مجال تانى، لأنى بحب أتعلم وكمان عارفة إنه مع الوقت ولما أحب أكون أسرة شغلى كمستخلصة جمارك مش هيتناسب مع حياتى لأنه بيتطلب مجهود ووقت كبير".