ذكرت صحيفة "السفير" اللبنانية أن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام "داعش" اتخذ مجموعة من الإجراءات بحق بعض قادته وأمرائه الشرعيين والأمنيين بسبب الغلو فى التكفير، تراوحت بين التنبيه والاعتقال، فيما وصلت إلى القتل بحسب إحدى الروايات المتداولة. وقالت الصحيفة -فى عددها الصادر اليوم السبت- إن التنظيم المتشدد أصدر أيضا تعميما يتضمن توجيهات بخصوص نشر صور الذبح وقطع الرؤوس، فيما برز خلاف فى صفوف كبار منظرى التنظيم المتشدد حول مسألة "تكفير العاذر" (أى تفكير من يعذر جهل الشيعة ولا يكفرهم)، غلب فيه التيار الذى لا يرى وجوب تكفيره. وكان "داعش" قد اعتقل، منذ حوالى أسبوعين، عددا من قياداته، عرف منهم أبوجعفر الحطاب (أمير شرعي)، وأبومصعب التونسى (أمير سابق فى دير الزور)، وأبوأسيد المغربى وأبو الحوراء الجزائرى وأبوخالد الشرقى وأبوعبدالله المغربى (أمير الأمنيين فى حلب)، وكانت التهمة الموجهة إليهم هى الغلو فى التكفير! جدير بالذكر أن أبى مصعب التونسى سرِّب له مقطع صوتى يكفِّر فيه زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، أما أبوجعفر الحطاب فكان أحد أعضاء «اللجنة الشرعية» التى صاغت التقرير المطول الذى قضى بتكفير جميع قادة «الجبهة الإسلامية» و«الجيش السورى الحر». وتشير المعلومات إلى أن الحطاب هو العقل المدبر لهذا التقرير، إلا أن اعتقاله لا يعنى تراجع «داعش» عن حكمه بردة أولئك القادة، إنما هو إشعار بنهاية دوره فى هذه المرحلة. أما أبو عبد الله المغربي، فقد أشيع مؤخراً أنه تمت تصفيته من قبل «داعش»، بعد اكتشاف علاقاته مع الاستخبارات البريطانية، من دون أن يصدر أى بيان رسمى بهذا الخصوص. كذلك صدر قرار عن «ولاية حلب» يقضى بوضع أبى عمر الكويتى فى الحبس الانفرادي، لتجاهله تعليمات القيادة بعدم التعبير عن آرائه على مواقع التواصل الاجتماعى. والكويتى هو مؤسس كتيبة «جند الخلافة» التى تحولت إلى «جماعة المسلمين» قبل أن يبايع «الدولة الإسلامية» فى وقت سابق، علماً بأنه كان يرى أن «الخلافة» محصورة بداعمه المقيم فى بريطانيا أبو محمد الرفاعى. ولم تتضح حتى الآن ملابسات مبايعته وماذا عن خليفته السابق. وبدأ الخلاف مع الكويتى عندما أصبح يتحدث علناً بتفكير الظواهرى، بذريعة أن الأخير لا يفتى بتكفير الشيعة، ويعاملهم بمبدأ «العذر بالجهل»، أما الكويتى فيرى أنه لا عذر بالجهل فى الشرك بالله (الشرك الأكبر)، وأكثر من ذلك يقضى بكفر من يعذر الجاهل ومن هنا نشأت مسألة «تكفير العاذر بالجهل»، التى كان أحد أشد المنظرين لها هو الشيخ الخليجى أحمد الحازمي، والتى أحدثت بلبلة فى صفوف «داعش» خلال الفترة الأخيرة، واستدعت اتخاذ الإجراءات المنوّه عنها. ولفتت "السفير" إلى أن الكويتي، ومنذ دخوله الأراضى السورية قبل حوالى عامين -وهو معروف بنزعته التكفيرية- قد تحالف فى وقت من الأوقات مع «كتيبة أبو البنات»، التى قادها الداغستانى المتطرف الملقب ب"أبى البنات" قبل حل الكتيبة واعتقال مؤسسها فى تركيا، حيث يخضع لمحاكمة منذ أشهر طويلة. وكان للكويتى دور بارز فى أحداث بريف إدلب العام الماضي، أدت إلى اشتباكات واسعة بين «داعش» وبين كتائب من «الجيش الحر». ومؤخراً صدر عن اللجنة العامة فى «الدولة الإسلامية» تعميم حمل الرقم 7، ويقضى «بمنع تصوير ونشر مشاهد الذبح التى يقوم بها جنود الدولة الإسلامية أثناء الغزوات أو خارجها». وجاء فى هذا التعميم أن «نشر مثل هذه المشاهد يحتاج إلى إذن خاص من اللجنة، وأنه ستتم محاسبة أى مخالف». ويأتى هذا التعميم بعد أن امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بصور ومقاطع عن مئات عمليات الذبح التى نفذها عناصر التنظيم خلال الفترة السابقة، تحت شعار «نصرنا بالرعب». وقد يكون من شأن هذا التعميم إلقاء المزيد من الشكوك على الصور التى وزعت أمس الأول باسم «داعش» لعملية نحر جندى لبناني، لاسيما أن الصفحات الرسمية للتنظيم لم تتبنّ هذه العملية حتى الآن. و قالت الصحيفة إنه بينما يرى البعض أن هذه الأمور تدلّ على وجود مراجعات ضمن قيادات «داعش» تهدف إلى الحد من ظاهرة التكفير والغلو فى العنف، لاسيما بعدما بدأت آثارها تصيب التنظيم نفسه، يرى البعض الآخر عدم وجود أى مراجعات حقيقية، وأن الأمر يتعلق باعتقاد قادة التنظيم أن المرحلة الحالية تستدعى التخفيف من العنف ومحاولة كسب ود الحاضنة الشعبية، لا سيما أن الأيام المقبلة ستكون عصيبة لجهة إمكانية شن أمريكا غارات على التنظيم، وبالتالى فإنّ مصلحة التنظيم تقتضى تحييد الشارع، كى لا يتعاون مع التحالف الجديد الذى يجرى إنشاؤه بهدف محاربة التنظيم فى كل من العراق وسوريا. يشار إلى أنه صدر بالأمس بيان عن حوالى 50 قيادياً فى «أنصار الإسلام» فى العراق، أحدهم عضو «مجلس شورى» فيه، يعلنون من خلاله حل هذا التنظيم بشكل نهائي، ومبايعة زعيم «داعش» أبى بكر البغدادى «خليفةً» عليهم والانضمام إلى صفوف جنوده. ورغم رفض قسم من «أنصار الإسلام» لهذا البيان، إلا أنه يعتبر صفعة قوية ل«جبهة النصرة»، ومن ورائها تنظيم «القاعدة»، لأن الأشهر الماضية شهدت محاولات مكثفة من قبلهما لاستقطاب «أنصار الإسلام»، وتشكيل نواة لمحاربة «داعش» فى العراق.