سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى اليوم الاثنين 23-9-2024 فى البنوك    مدينة مصر تواصل مسيرتها الرائدة بإطلاق مشاريع كبرى خلال التسعة أشهر الماضية    «مصر للطيران» تعلن تعليق رحلاتها إلى لبنان    الرئيس الإيراني: حرب إقليمية مفتوحة لن تكون في مصلحة أحد بالمنطقة والعالم    غيابات بالجملة.. ملامح تشكيل الزمالك ضد الأهلي في السوبر الأفريقي 2024    عمرو أديب عن مباراة السوبر الإفريقي: إن شاء الله الزمالك هيفوز.. ومش عايزين نكسب كتير    هل أثر حريق مدينة الإنتاج الإعلامي على لوكيشن «ديبو»؟.. محمد أنور يُجيب    الفيلم الألماني خارج الصندق يحصد الجائزة الذهبية بمهرجان الغردقة لسينما الشباب    باحثة: مناطق حزب الله فى لبنان شهدت قصفا مكثفا    «لحمنا مر أوي».. عمرو أديب: مصر لديها قوات مسلحة عمرها 5 آلاف سنة    بعد حديث وزير الصحة عن بكتيريا الإيكولاي.. أستاذ كبد يوضح أسباب العدوى وطرق الوقاية    ننشر السيرة الذاتية للأمين العام الجديد لمجمع البحوث الإسلامية    انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح فى واقعة دهس الفنان عباس أبو الحسن لسيدتين    محمد القس بعد تألقه فى برغم القانون: شكرا وبعتذر ليكم كلكم    في إطار مبادرة (خُلُقٌ عَظِيمٌ).. إقبال كثيف على واعظات الأوقاف بمسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة    «التنسيقية» تنظم صالونًا نقاشيًا عن قانون الإجراءات الجنائية والحبس الاحتياطي    أسباب كثرة الإصابة بنزلات البرد.. وطرق الوقاية    عبدالرحيم علي ينعى خال الزميل أبوالحسين غنوم    مياه الفيوم: ورشة عمل لتعليم السيدات مبادئ أعمال السباكة    مصروفات كليات جامعة الأزهر 2024/2025.. للطلاب الوافدين    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    سماعات طبية لضعاف السمع.. وتطبيق للتواصل مع الخدمات    إلهام شاهين تطمئن الجمهور على صحتها بعد حريق ديكور فيلم «الحب كله»: شئ مفاجئ (خاص)    "المصريين": مشاركة منتدى شباب العالم في قمة المستقبل تتويج لجهود الدولة    فتح باب التسجيل للنسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام    تروي ديني: دياز سيكون رجل ليفربول الأول بعد رحيل صلاح    محافظات ومدن جديدة.. تفاصيل منظومة إعادة تدوير مخلفات البناء والهدم    رسالة خاصة من تريزيجيه ل أحمد فتحي بعد اعتزاله    إسرائيل صنعت «البيجر» بنفسها ثم فخخته    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    السجن 10 سنوات للمتهم بتهديد سيدة بصور خاصة بابنتها فى الشرقية    Natus Vincere بالصدارة.. ترتيب اليوم الرابع من الأسبوع الأول لبطولة PMSL للعبة ببجي موبايل    إعلام بنها ينظم ندوة "حياة كريمة وتحقيق التنمية الريفية المستدامة".. صور    لأول مرة.. شراكة بين استادات الوطنية والمتحدة للرياضة واتحاد الكرة لتدشين دوري الأكاديميات    الكبد الدهني: أسبابه، أعراضه، وطرق علاجه    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    نتيجة تنسيق كلية شريعة وقانون أزهر 2024/2025    الإحصاء: 21.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول بالنصف الأول من 2024    عاجل - حماس تطالب الجنائية الدولية باعتقال قادة الاحتلال: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في لبنان وغزة    تعيين قائم بأعمال عميد "فنون تطبيقية بنها"    محكمة برازيلية تبقى على الحظر المفروض على "X" لعدم امتثالها لطلبات القاضى    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان منطقة البقاع الموجودين داخل أو قرب منزل يحوي أسلحة لحزب الله بالخروج خلال ساعتين    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    قبل XEC.. ماذا نعرف عن متحورات كورونا التي حيرت العلماء وأثارت قلق العالم؟‬    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    تصالح فتاة مع سائق تعدى عليها فى حدائق القبة    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    الرئيس السيسي يهنىء قادة السعودية بذكرى اليوم الوطني    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    حبس سيدة بتهمة سرقة رواد البنوك بزعم مساعدتهم    فلسطين: إعادة فتح معبر الكرامة أمام الحركة التجارية تدريجيًا    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندرة النبوغ والبطولة

تبدى لى أن كل الظواهر تدل على أن الجيل الحاضر أحسن استعداداً، وأشد ملاءمةً لكثرة النبوغ و ازدياد البطولة، فقد كثر العلم و سهل التعليم، ومهدت كل الوسائل للتربية، والتثقيف، وكثر عدد المتعلمين فى كل أمة، وفتح المجال أمام الجميع، المرأة مثل الرجل بعدما كان فى مجتمعاتنا قديماً قيود على تعليم المرأة، فأصبحت وسائل النبوغ ممهدة للجنسين على السواء، وتقطر العلم إلى العامة من الناس، فأصبحوا يشاطرون العارفين بعض المعرفة، و انتشرت الصحف والمجلات والفضائيات و نقل المعلومات و تبادل الثقافات بين شعوب العالم، حتى بدى أن العالم كله أصبح قرية صغيرة.
كل هذا كان يجب أن يكون إرهاصاً لكثرة النبوغ و التفنن فى البطولة، لا لندرة النبوغ والبطولة، مما يبدو أن الأمم أصيبت كلها بهذا العقم، و كان مقتضى الظاهر أن كثرة المواليد يزيد فى كثرة النابغين، وكان أيضاً مقتضى الظاهر أن عصر النور يلد من الأشخاص الممتازين أكثر مما يلد عصر الظلام.
هذا و قد يبدو لى مع شديد الأسف، أن الظاهرة صحيحة، وأن الجيل الحاضر فى الأمم المختلفة لا يلد كثيراً من النوابغ، ولا ينتج كثيراً من الأبطال، وأن طابع هذه العصور هو طابع المألوف والمعتاد، لا طابع النابغة و البطل.
و لو عدنا بالذاكرة للوراء، و فيما فات من الزمان لنسأل الآن :
- هل تجد مؤلفاً فى الأغانى كأبى الفرج الأصفهانى ؟
- هل تجد فى ساسة الأمم أمثال عمر بن الخطاب
وعمر بن عبد العزيز ؟
- هل تجد فى الشعر العربى أمثال بشار، وأبى نواس، و ابن الرومى، وأبى العلاء ؟
- هل تجد فى النثر أمثال ابن المقفع و الجاحظ،
وسهل بن هارون و عمرو بن مسعدة ؟
- هل تجد فى قيادة الحروب أمثال خالد بن الوليد، و أبى عبيدة ؟
- هل تجد فى الغناء أمثال أم كلثوم و أسمهان
ومحمد عبد الوهاب و فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ؟
كما أنه من المستغرب أن الغرب يشكون شكايتنا ، ويلاحظون عندهم ملاحظتنا، فيقولون أن ليس عندهم فى حاضرهم أمثال فجنر وبيتهوفن،
ولا أمثال شكسبير وجوته، ولا أمثال دارون
وسبنسر، ولا أمثال نابليون و بسمارك.
فما الأسباب التى أدت إلى ندرة النابغة و البطولة ؟ قد يعزى ذلك على ما يبدو أن الناس مثلهم الأعلى من النابغة و البطل، فلا يسمون نابغاً أو بطلاً إلا من حاز صفات كثيرة ممتازة قل أن تتحقق، و هذا بالأمر الطبيعى، فكلما ارتقى الناس ارتقى مثلهم الأعلى.
ومن عهد ليس ببعيد كان من يقرأ و يكتب شخصاً ممتازا لأنه كان نادراً و قليلاً ، فكان ينظر له نظرة احترام و تبجيل ، فما كثر التعليم بعض الشئ كان من حصل على الشهادة الابتدائية شخص ممتاز، بعدها من حصل على البكالوريا (الثانوية العامة ) شابا ممتازا، ثم إلى الشهادة العليا، ثم الماجستير، ثم الدكتوراه، ثم أصبحت هذه أيضاً ليست محل امتياز ، وارتفعت درجة النبوغ إلى شئ وراء هذا كله.
و الجدير بالذكر أن معظم الناس استنارت أذهانهم إلى حد بعيد، واكتشفوا سر العظمة، و بالتالى أصبحت العظمة المعتادة لا تروعهم، إنما يروعهم الخارق للعادة، فأين هى تحت هذه الأضواء الكاشفة، ثم يأتى بعد ذلك شعور الناس بعظمتهم وبشخصيتهم، و فى الغالب تأتى البطولة عندما يعطى الناس زمام نفوسهم للبطل، فهم بطاعتهم له و استسلامهم لأمره و إشارته يزيدون من عظمته، ويغذون بطولته. فإن كانت الحالة هكذا والناس يشعرون بعظمة أنفسهم وبالتالى قلت طاعتهم وقل تبجيلهم وخضوعهم لكائن من كان، فهم بذلك
لايفسحون للبطل بطولته فلا يكون.
وأعتقد بأنه لو وجد اليوم شخص فى أخلاق صفات ومميزات مثل نابليون ما استطاع أن يحقق ما حققه فى عصرنا هذا، ولا كان إلا رجلاً عادياً أو تميز بقدر ضئيل عن العادى.
و لما كانت الأسباب التى ذكرت كانت تؤذن بكثرة النوابغ، و هى أيضاً التى قللت النوابغ، فكثرة العلم و استفادة الناس جعلت النبوغ عسيراً لاسهلاً يسيراً، وتصديقا لذلك، أن الأمم فيما مضت كانت تمنح المشعوذين والمخرفين ألقاب البطولة، وتنظر إليهم نظرة تفوق و نبوغ، و لما فتح الناس عيونهم وعقلوا بعد غفلتهم، واكتشفوا حيلهم ومكرهم لم تعد لهم هذه المكانة، وحل محلهم المصلحون الاجتماعيون الذين يخدمون أمتهم بعملهم.
ومعنى ذلك أن الشعوذة و المخرفة حل محلها مقياس المنفعة، و سار الناس فى طريق التقدير الصحيح، وهو الاحترام و التبجيل على قدر ما يصدر من الشخص من خير عام حقيقى.
كما أن مقاييس البطولة قد تغيرت، وأصبحت عند المحدثين خيراً منها عند الأقدمين، بعدما أزاح أهل العلم الحديث ستائر القدم، وتبين البطل فى صورته الحقيقية، فقد أرتفع شأن البعض و أحيانا ارتفع الستار عن لا بطل.
ولهذا نجد كثيراً من المعاصرين هم فى الحقيقة نوابغ، و يفوقون بمراحل بعض نوابغ الأقدمين، لكننا لم نمنحهم بعد لقب البطولة للأسباب التى أشرنا إليها من قبل، من أننا رفعنا إلى حد بعيد المثل الأعلى للنبوغ ، ولأننا نحلل النابغ و نكتشف سره، ولأنه معاصر، والمعاصرة تتبدى لى أعدى أعداء الاعتراف بالنبوغ .
ولعلى بذلك أصل إلى حقيقة، بأن كثرة النبوغ تضيع الاعتراف بالنبوغ، فكل أمة راقية الآن لديها عدد كبير من المتفوقين فى كل فرع من فروع العلم
والفن، فلما كثر هؤلاء فى كل أمة أصبح من الصعب أن تميز أكبر متفوق منهم لتمنحه صفة النبوغ، كما يصبح من العسير أن نسميهم كلهم نوابغ، هذا لأن النبوغ بحكم اسمه و معناه يتطلب الندرة ، فلما كثر النابغون أضاعوا اسم النبوغ.
وعلى العكس من ذلك فالأمم المنحطة، لما لم يوجد فيها إلا سياسى واحد أو إعلامى واحد أو فنان واحد كان من السهل أن يمنح لقب النبوغ.
و يأتى دور الديمقراطية التى تسود الناس فى العصور الأخيرة، وقد نادت بالمساواة و ألحت فى الطلب، وأوجدت بذلك فى الشعوب حالة نفسية كان لها أكبر الأثر فى موضوعنا هذا، حيث أصبح الناس لا يؤمنون بتفوق كبير، و بتقليل الفوارق ذابت الفوارق مثلما اتسع البحر فقل عمقه، وكثر المتعلمون و قل النابغون، فقد كان من يتفوق فى الماضى كان يصادف عقبات لا حد لها من الصعوبة، فكان من الطبيعى ألا يجتازها إلا القليل، فكان من يجتازها يكون لديه الحصانة الطبيعية،
ويكون تعود على اجتياز العقبات واحتمال المشقة فكان ذلك سبب النبوغ و الذى كان يعزى إلى قلة من يجتاز العقبات، و من يجتازها فعلاً.
هذا و قد أصبح التعلم ميسراً فكثر عدد المتعلمين وقل عدد النابغين.
* بورسعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.