سمار وجهه الأسوانى يخبرك عن أصالة الصعيد ونقائه، وبريق عينيه يحدثك عن ذكاء العامل الفطرى، ف«محمد عبدالوهاب حسنين» 59 عاما، الذى يعمل ميكانيكى سيارات بهيئة النقل العام جراح فرع جسر السويس، عمل منذ أواخر عام 1964 صبى ميكانيكى فى عزبة أبوحشيش بمنطقة حدائق القبة، وبعد 37 عاماً فى الهيئة حصل على اللقب المثالى رغم تاريخه النضالى مع العمال فهو أول معارض يتم تكريمه فى هيئة حكومية. بمنتهى الثقة يخبرك أنه انجب 5 بنات جامعيات وأنه لا يشرب الشاى أو السجائر رغم أنه عمل صبى ميكانيكى فى عزبة أبوحشيش، خالط السائقين وتجار المخدرات والهجانة وقطاع الطرق، لكنه احتفظ بنقائه الفطرى، اشتغل فى شركة النصر لصناعة الزجاج والبلور وفى 17/10/1973 التحق بهيئة النقل العام على الدرجة التاسعة وكان مرتبه لم يتجاوز 12 جنيها ثم 13 جنيها ونصف، والآن وصل للدرجة الأولى منذ خمس سنوات وراتب 470 جنيها. لا يؤمن عم محمد بالاختلاط بين الناس ولكنه متعصب فى المطالبة بحقوق زملائه فى العمل، شارك فى إضراب 76 للمطالبة بمنحة العيد، تم وقفه أربع مرات عن العمل ونقله أكثر من مرة، لأنه دائما لا يتردد فى أن يشير للمخالفات الفنية وقطع غيار السيارات، وهو ما لم يعجب إدارة الهيئة، شارك فى إضراب سائقى النقل العام بداية الشهر الماضى قبل عيد الأضحى، وتم اعتقاله ثلاث مرات، ورشح نفسه فى عدة دورات نقابية وحصل على أصوات لكنها لم تكلل بالنجاح لأنها كما يقول » كل انتخابات ولها آليات وتكون تحت السيطرة». لقب العامل المثالى أسعد عم محمد كثيراً قائلاً: «حصولى على اللقب بعد الفترة اللى عدت ووصفهم ليه فى الشغل أنى مشاغب سياسى ومعارض كان له مردود معنوى واعتراف من الهيئة بالعامل وحقوقه، وبصفة شخصية أكبر دليل لى ولمن حولى على ان الالتزام يكون دافعا أول فى وجه المحسوبية وعملاء الأمن ومخبرين الإدارة «ملاحظين العبيد من العبيد»، وهم يسموهم فى إنجلترا محطمين الإضراب». عم محمد له وجهة نظره الخاصة فى محدودى الدخل، يقول: «محدود الدخل فى مصر لا يأخذ حقه، ويلجأ للتحايل من خلال الأعمال الجانبية من الباطن نتيجة لتدهور حالتهم، والكل بيتاجر بكلمة محدود الدخل فاللى مع الناس عايز يكسبهم واللى ضدهم عايز برده يكسبهم، بالإيهام والشعارات الفارغة من المضمون والناس مع الوقت بدأت تفهم ده». لم يلجأ عم محمد للتحايل على قلة دخله فهو يرى أن اللى بيشتغل شغلتين بيسرق، لأنه سيضطر ينام فى الشغل أو يزوغ أو يشترى إجازات، لأنه بيكون مرهق جداً قائلاً: «قلة الأجور بتخلى كتير من زمايلى يشتغلوا فى شغلنات مهينة له زى سواق على ميكروباص أو تاكسى، أو كير سرفيس فى المحاكم والبنوك أو بياع لبان أو يقف على عربية كبدة». الغريب أن عم محمد حين سألته نفسك فى إيه رد بمنتهى الثقة قائلاً: «أنا عندى قناعة ورضا باللى أنا فيه، بس بجد نفسى نستعيد فطرتنا وكرامتنا وإنسانيتنا».