لملمت بقايا الخبز بين كفيها تضمه فى حنية تمسك بشفتيها كيسا بلاستيكيا ملقى بجوار كومة ضخمة من الزبالة تضع الخبز الناشف فيه تبحث بعينيها عن بقايا أخرى فلا تجد ما يصلح لتأخذه لصغارها ترتسم فى عينيها نظرة رضا بالقليل تفتش بين خبايا جلبابها الذى زينته الثقوب والرقع عن أى نقود تكون قد اختبأت فى غفلة منها تخرج يديها وقد قبضت على (جنيه) يذكرها بأيام الرخاء ترقص روحها فرحا بما امتلكته فسيكون هناك عيش وغموس احتضنت وليمتها بين يديها وشقت الصفوف المتكالبة على عم محمد بياع الفول والفلافل وخرجت سالمة لتفترش الأرض بين صغارها وزوجها محمود بكل فخر تخرج من جيبها بعض البصلات وقرن فلفل أخضر غمزها بهم عم محمد علشان تفتح نفس العيال.. دقائق معدودة لا تزيد عن عشره وانتهى كل شىء لم يبق حتى الخبز المقدد الذى جلبته فتحيه من صندوق زبالة جارهم المعلم سيد تهفو نفس محمود لكوب شاى مضبوط وسكر تقيل علشان الدماغ تتوزن لم تتردد فتحية فى اغتيال آخر بريزة من الجنيه اليتيم وتوصى على كوبايه وصاية لأبو العيال يرتشفان سويا الشاى نظرة حزن فى عين محمود تسقط فى قلب فتحية كالسكين يمزق شرايينها مالك يا أخويا ربنا هيعدلها إن شاء الله هو حد يصدق إن العيال تأكل وتملأ بطنها كده يستمر الصمت تشقه جلبة الصغار فينتفض محمود من مكانه يبحث عن حذائه ليخرج كعادته على باب الله حاولت أن تلطف فتحية من مسحه الحزن والحسرة فى عينيه لكنه لم يعطها فرصة وانطلق تنفرط دموع فتحية سيولا حتى تورمت عينيها لا يوقفها عن البكاء سوى الست بهيجة جارتها تأتى لتزف إليها البشرى!! تضرب فتحية على صدرها (يالهوى) أنا أخرج أشتغل سى محمود مش ممكن يوافق تخرج بهيجة من عند فتحية وقد ملأت رأسها بفكرة عملها خادمة فى البيوت (الشغل مش عيب) وأقنعتها أنه ليس مهما أن يعرف محمود! ترتطم قدميها وتهتز شفتيها خوفا وهى تقدم نفسها لمدام عزة وتعطيها صورة من بطاقتها الشخصية لا تعرف لماذا قررت أن تخفى عن محمود عملها فى البيوت؟ هى تعرف أنه لن يوافق لكنها تتمزق كمدا على أطفالها الخمسة وهى تراهم كل يوم بلا طعام يبحثون فى أكوام القمامة على ما يسد رمقهم نظرة الجوع فى عيونهم تقتل أى مشاعر آدمية داخلهم ستعمل وتعمل ولن يوقفها أحد عن العمل أيام كثيرة مرت ومحمود يرى أولاده يأكلون وترتوى نفوسهم بالرضا.. لم ينطق! تخشى النظر فى عينه حتى لا يفتضح أمرها لكن الست بهيجة أذاعت خبر الخدامة الجديدة فى الحارة وكان محمود آخر من يعلم انتظرها حتى عادت ليحاسبها لكنها كانت الأقوى فى حجتها عاتبته لأنه لا يشعر بهم.. واجهته بكل الألم كلماتها كانت كالمطرقة تدق الرؤوس لا ترحم.. لم ينطق دخل حجرته وأغلق عليه الباب الليل بطوله قضاه يفكر قرر أن يرحل فى هدوء علق حبلا فى سقف الحجرة صعد على الكرسى وأدخل رأسه نطق الشهادتين وأزاح الكرسى ليزيح الحبل كل الهموم