هل استيقظ جمال مبارك مبكرا ليلحق بصلاة العيد فى أحد مساجد مصر الجديدة، أم أنه فضل الذهاب إلى صلاة العراء فى ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، ومعه ثلة من شباب العائلة وأطفالها، فجلس بينهم بجلبابه الأبيض بعد أن فرشوا سجاجيد الصلاة على أسفلت شارع جامعة الدول، ثم استمعوا بعدها لخطيب العيد يدعو الله بإلحاح لينصر الأمة على أعدائها ويرد الظلم عن شعبها لتتحرر الأرض المحتلة ويعود القدس وتعود الكرامة، وهل ردد جمال الدعاء مع المصلين فى استجارة ممزوجة بالبكاء، ثم سلم بعدها على الناس من حوله مهنئا بالعيد، ومضى بعد الصلاة ليشترى من الباعة الجائلين لعب الأطفال لأبناء العائلة، كرات بلاستيك وبالونات مزركشة ومسدسات ماء، بالإضافة لأكياس المقرمشات والبسكوتات، وقبل ركوب السيارات مد يده فى سيالته فأخرج رزمة من أوراق البنكنوت الجديدة لانج، وأعطى العيدية للأطفال ومعها القبلات والأحضان ، ثم مضى الركب لبيت كبير الأسرة الأب الرئيس ، ليحضر الجميع طقس ذبح خروف العيد، وحين يتفرق الأطفال بألعابهم فى غرف البيت تنهرهم الجدة وتطاردهم فى كل مكان حتى لا يتسخ الفرش المغسول والبلاط الممسوح والستائر الجديدة، ومع ذلك مازال بعض الأطفال الأشقياء يختبئون خلف الكراسى وتحت الترابيزات ، لا تعرف أماكنهم إلا حينما تسمع صوت مسدس أو ترى دوائر الصابون فى الهواء، وربما لكز أحدهم الآخر تحت السفرة فصرخ كالملدوغ. بعد ذلك بدقائق هل اجتمعت العائلة على مائدة الطعام وانهمك الجميع فى أكل اللحم مشويا ومحمرا ومسلوقا، ولم يستجب الأطفال كالعادة لأوامر الجدة فاتسخت ملابسهم واكتسى مفرش السفرة بالبقع. هل أكل الرئيس قليلا تنفيذا لتعليمات الأطباء ثم مضى إلى حديقة المنزل يستقبل أصدقاءه المهنئين بالعيد، وهل ضحك جدو صفوت الشريف وهو يتحسس أثر طلقة الخرز خلف أذنه، وهل ظهر الغضب قليلا على وجه جدو فتحى سرور حينما طالته رشة ماء فوق ياقة القميص ثم ضحك مع الرئيس وهما يحتضنان الطفل المتهم . ربما استقبل جمال فى أحد الصالونات الداخلية أصدقاءه عز ومحيى الدين ورشيد وغالى وتحدثوا طويلا حول الوزارة الجديدة. وفى غرفة أخرى يلتقى علاء بسمير زاهر وشوبير وبعض الإعلاميين ورجال الأعمال حول ملف حرب الجزائر وفى الصالون الرئيسى ربما جلست السيدة الأولى مع وزراء الخدمات يتابعون عداد وفيات حرب الخنازير. هل كانت الساعة تقترب من العاشرة حينما ترك جمال بيت الأسرة بصحبة زوجته ليمر على بيوت العمات والخالات والأصهار يهنئهم بالعيد، ثم ينطلق إلى أقاربه وأرحامه فى كفر المصيلحة بالمنوفية حاملا معه نصف أضحيته فى شنطة السيارة بعد أن تم تقسيم اللحوم فى أكياس نايلون. هل استقبله الأقارب فى الكفر بترحاب كبير ودخل وخرج مع زوجته عشرات البيوت للمباركة بالعيد وفى كل منزل كان أصحابه يحلفون عليهما بأغلظ الأيمان أن يكون الغداء عندهم فيتملص جمال بألف حجة وحينما يزداد إصرار الأقارب يضطر للقول: أصل الريس منتظرنا على الغداء.... هذا السيناريو الطبيعى لا يتلاءم مع الأوضاع غير الطبيعية التى وضعنا فيها نظام السيد الرئيس، فأضحيته لم تعد مجرد خروف، فمصر هى أضحيته وكبش سياساته، أما الابن فأضحيته هو ما تبقى من المستقبل.